بعض ما يعكسه شعار( حكومة الاغلبية السياسية ) الذي يتغنى به رئيس الوزراء نوري المالكي وقائمته وحزبه باعتباره حلاً سحرياً للوضع العراقي المأزوم فوق العادة، هو الطريقة العابرة والساذجة الى حد غير قليل في التعامل مع الاوضاع القائمة والمحتملة، إضافة لقدر غير محدود من النفعية وادارة منظومة تعتمد أساليب الكذب والاحتيال واللامسؤولية في التعامل مع مجمل الامور، وهو يعكس عقلية وتفكير الطبقة السياسية السائدة والقوى المتنفذة في الحكم والمجتمع، التي ما عاد يجمع العديد من اطرافها شيئا مع الوطنية العراقية.
من جانب اخر يعول رافعوا هذا الشعار على جمهرة واسعة من العراقين تمتد من الذين يبحثون حتى في عباءة الشيطان عن حلول لتحسين اوضاعهم أو اولئك اللذين استفادوا من موائد اللئام والمال العام او ذلك الجمهور الذي تم حشده وبطريقة بارعة طائفيا وعشائريا و مناطقيا. لا نعرف لحد الان ما يقصده رئيس الوزراء واعضاء قائمته بمصطلح (حكومة الاغلبية السياسية)، اضافة للضبابية التي تحيط طرحهم المتعدد والمتناقض لهذا المفهوم، يبدو انهم لايمتلكون من المصطلح الا اسمه او انه كذبة جديدة لتبرير مسبق لفشل قادم.
حكومة الاغلبية تعني ان يملك الشخص الاول في الدولة سواء كان رئيس الجمهورية كما في النظام الرئاسى او رئيس الوزراء كما في النظام البرلماني اغلبية مطلقة لحزبه او لقائمته في البرلمان تسمح بتمرير ما يريد من قوانين ومشاريع و قرارات بدون الاخذ بنظر الاعتبار موقف المعارضين لها – باعتباره ضامن النصف زائد واحد- وهذا النظام فعال اساسا في النظام الرئاسي كما في في امريكا او في روسيا الاتحادية ومعظم بلدان اوربا الشرقية بعد انهيار المنظمومة الاشتراكية والعديد من البلدان الاخرى حيث يمتلك رئيس الجمهورية الصلاحيات الاوسع ويكون مطلق اليدين في اتخاذ القرارات التنفذية بما فيها حل البرلمان. إن توفر فرصة الحصول على ( النصف زائد واحد) كما في روسيا الاتحادية تجعل الريئس هو اللاعب الاوحد، هذا فيما اذا كان يستلزم بعض قراراته موافقة البرلمان. الطريف ان الرئيس السابق لروسيا الاتحادية بوريس يلتسن، في فترة معينة من حكمه، في ظل القرارات التي كان لا يستطيع ان يضمن تصويت الاغلبية لها، كان يفاجئ التصويت في اللحظات الاخيرة بشرائه عدد من نواب المعارضة او استخدام ملفات الفساد والجرائم وغيرها ضدهم ليضمن له الحصول على الاغلبية.
الوضع العراقي الوضع يختلف تماما، فالمعروف، من زمن المعارضة للنظام الساقط، كان هناك اجماع عام في عموم المعارضة وهو اجماع سليم يتمثل بأن عمق المشاكل التي سيورثها النظام السابق لا تؤهل اية قوى مهما بلغت من قوة ونضج من ان تتصدى لوحدها لهذه المشاكل العقدية وعلى كل المستويات. هذا كان احد المشتركات الأساسية التى كانت تجمع المعارضة وتفتح آنذاك أفاق لقائتها وعملها المشترك، الذي لم يصل يوما الى مستوى معاناة ونكبة العراقين. اذا تناسى البعض هذا الاستناج السابق كما تم تناسي وبشكل متعمد العديد من احلام بناء الوطن بعد ازاحة الديكتاتورية القائمة انذاك. يجد نفسة الان، امام مأزق الاشكاليات الدستورية والسياسية، باعتبار العراق نظام برلماني يتطلب في البداية وفي او اول جلسة للبرلمان انتخاب رئيس الجمهورية الذي سيقوم لاحقا بتكليف الكتلة الاكبر بتشكيل الحكومة. طبعا وكما هو معروف فان الدستور العراقي يتطلب لانتخاب رئيس الجمهورية اغلبية ثلثي الاصوات في البرلمان. فاذا لم يستطيع المالكي تامين اتفاقيات او تحالفات مع الكتل الاساسية في البرلمان وبالتالي الخضوع لبعض مطالب الاخرين، فمن اين سيأتي المالكي باغلبية ثلثي الاصوات والتي ستكون المدخل لتشكيل اي حكومة، فما بالك بحكومة الاغلبية.
يتحدث بعض مؤيدي المالكي بانه سيتجاوز حد المائة عضو بعيدا عن اي الطريقة التي جمعها، اضافة لبعض القوائم الموالية له باسماء اخرى وقدرته على شراء بعض النواب من القوائم الاخرى، الا انه هناك شكوك كبيرة ان يستطيع ان يتجاوز الثلثين، فهو يبقى بحاجة الى اصوات حلفائه في الائتلاف الوطني وبالذات اصوات قائمة المواطن والتيار الصدري، هذا ان لم نقل اصوات قائمة التحالف الكردستاني والتي تسعى لرئاسة الجمهورية او ما يسمى بالقوائم السنية.
اذا استطاع المالكي ان يجمع لوحده الثلثن ويتحكم في تحديد الرئاسات الثلاثة فان ذلك يتطلب ان يتحول ( الحجي ) الى (رامبو). بذلك يضع المالكي حد السكين على رقبتة وبانتظار من يتشاهد عليه، لانه بتصرفه هذا سيكون بمواجهة الكل، انه طريق الموت لما يسمى بالعملية السياسية وستكون طريق لبلع العدو ثم الصديق. طبعا هذا الاحتمال غير مستبعد ولكنه مغامرة حقيقة لا تجرأ الاوساط التي تشكل قاعدة المالكي والمستفيدة منه ان تخوض هذا الوحل حاليا على اقل تقدير. الاحتمال الاخر ان يلجأ المالكي لحلفائه من داخل ما يسمى ب(البيت الشيعي) بداية وانتهاءً بالاطراف الاخرى. مخاض هذا الامر ينهي كذبة ( حكومة الاغلبية السياسية) وتصبح حكومة تشارك سواء طائفي او مصالح ونعود الى المثل العراقي( تيتي تيتي مثل ما رحتي اجيتي).
يامل المالكي اساسا ومن ناحية اخرى لضمان تشكيل (حكومة الاغلبية السياسية)، ضمان تامين تايد أطراف ما يسمى بالبيت الشيعى وبالدعم والضغط الايراني الحاسم لكل الأمور داخل هذا البيت، خاصة ان تشكيل الحكومة وكما هو لم يعد سرا ولم يعد عارا ولا موقفا لا وطنيا، يتطلب توافقا امريكيا – ايرانيا وهو ما كشفته السنوات السابقة وما يكشفه موسم الحج الى دول الجوار وامريكا قبل وبعد الانتخابات من القوى المتنفذة. هنا نقف امام السؤال التالي: هل سيقوم السيد عمار الحكيم والذي يصر( بعيدا عن جدية هذا الاصرار) بهيكلة التحالف الوطنى وكذلك التيار الصدري بنزع عمائمهم، لكي يتحولوا الى كشونجية في مشروع المالكي.
حكومة الاغلبية السياسية والذي طرحها بعض ممثلي حزب الدعوة في اثناء الانتخابات في 2010، الا ان هذا الشعار لم يجد صدى له، ولم تحقق نتائج قائمة دولة القانون وقتها ارضية واقعية له. هذا الشعار لا يعدوا حاليا سوى نفاق انتخابي رغم كل الجهود المشبوه والمخزية التي بذلت للتحقيق اغلبية كبيرة لقائمة المالكي، وحتى لو تحقق هذا الامر فانه لا يشكل مخرج للازمة العراقية التي هي بحاجة الى معالجات جادة وصادقة ونزيهة.
أعتقد ان لهذه العملة وجه اخر، ربما يكون غير واضح المعالم الان، الا إن قادم الأيام والفشل لحكومة المحاصصة واللصوصة واللاوطنية القادمة ستكشفه، وهي ان المالكي او بديله في اضعف الاحتمالات سيتحدث كما سبق عن هذا الفشل ويطالب بتحول النظام الحالي الى نظام رئاسي يستطيع ان يضمن له نظام الاغلبية واعتقد هذا هو مربط الفرس.
إن المالكي وقاعدته من اصحاب النعم الجديد ومن يقف وراءهم لم ولن تكون مهمومة باعادة اعمار العراق بقدر ما هي مهمومة بإحكام السيطرة على العراق، تامنيا لمصالحها وفي ظل التطورات التي سيشهدها العراق داخليا او تحولات المنطقة المحتملة.