23 ديسمبر، 2024 9:13 م

رامبو … من القِماط إلى المصاطبِ في الحدائق

رامبو … من القِماط إلى المصاطبِ في الحدائق

أراد رامبو أن يعيش بحماس أكبر وأن لاينتمي لأي وطن
وأراد أن لايجد أي تبريرا لمأساته تلك لأنه بقي يحلم بدون أن يَصل إلى أحلامٍ مُجديةٍ ،فلازالت في عينية رغم تلك الآلام الحياة المثيرة التي يقتضي البقاء من أجلها والولوج إلى ذلك الصراع المرير للإبقاء على ماتبقى من الروح التي إنتقل بها من قماطه إلى المصاطب في الحدائق  ثم إلى الأكشاك التي خلت من الحراس، يريد من أي فراغ ما إستدراج ذلك المجهول الذي لن يصل وإياه لنتيجة ، كانت شكوك رامبو قائمة في كل شئ إن كانت على الأرض أو في السماء ، لقد ترك بؤس طفولته ملامح غليظة في العديد من نصوصه ليكون للمكان الطفولي أثره في رسم مشهده الشعري الذي كان يعيش مترددا بمخيلته مابين الكنيسة والحقل ليستمع إلى الله في كليهما ولاشك أنه أنتج معرفته عن ذلك وحدائه الشعري إزاء بلواه الكونية وأنتج كذلك في الشعر أشياء ليست لها علاقة بالخسة والوقار، ولقد سجل مايريد في (فصل في الجحيم )إذ عبر عن سيرته الذاتية في ذلك الصراع الذي لاينتهي بفرضية مادام الأمل لاوجود له ليبلغ وضمن تلك الحالة النفسية الطهر والخلود ،
فقد أغنى روحه بالتجارب الفذة والعميقة بين الآلام مستلزمات العيش ومرضه وتجواله ويقينه بأن هناك أبعد مماأمامه وما يرى ،
في قصيدة (حلم )(1875 )أراد توديع الحياة وحين أكملها إمتلأ ذلك الحلم بروائح كريهة فأستقبل الموت كي لايخضع لمعطيات الواقع العملي وهو يسمع طبول الحرب تقترب ،ومن خلال وعيه الشعري فتح الباب على مصراعيه ليتنفس الآخرون نسيم حرية الحداثة:

الدم سال من ذي اللحية الزرقاء
في المسالخ في السيركات
منذ ذلك الحين سمع القمر أبناء أوى
وسمع أناشيدَ الرُعاة
في أحذيةٍ خشبيةٍ
تُدمدمُ في البستان
السيدة فلانة ركزت معزفا
 في جبال الألب
إنبجسي أيتها البركة
أيها الزبد تدحرج على الجسر
أيتها الشراشف السوداء والأرغن
أيتها البروق والصاعقة
إرتفعي وتدحرجي أيتها المياه والكآبات
إرتفعي وأطلقي
الطوفانات من جديد
…….
…….
……

فليؤجر لي أخيراً هذا القبر
المطلي باللس مع خطوط الملاط النافرة
بعيداً جداً تحت الأرض
إني أتكئ على الطاولة
المصباح يضئ بقوة ساطعة
هذه الجرائد التي بلغ بي السخف من إعادة قراءتها
هذه الكتب العديمة الفائدة
على مسافة ضخمة فوق غرفة إستقبال تحت الأرض
تقوم البيوت تتجمع الضبابات
الوحل هو أحمر أو أسود
مدينة هائلة ، ليل بلا نهاية
لاشئ سوى كثافة الكرة الأرضية
ربما هاويات اللازورد
ربما على هذه الأصعدة تلتقي أقمار ومذنبات
بحار وأساطير
في ساعات المرارة
أتصور كرات من الياقوت الأزرق
من المعدن
إني سيد الصمت
لماذا ياترى
يستقطع ظل منقذ عند طرف القبة
إني أتكئ على الطاولة