أدهشني تفاعلي مع عامة الناس من بلادي , إذ وجدتهم يفهمون ويعرفون وعندهم لكل سؤال جواب , وفي ذروة دهشتي , تساءلت: كيف يمكن الإجابة على أي سؤال , باسلوب العارفين , والكثير من الأسئلة لا أعرف الإجابة عليها؟!!
وكان الجواب: إذا قلنا لا نعرف ينظرون إلينا بعين الإستصغار , فعلينا أن نبدو أمام الآخرين بأننا من العارفين!!
قلت: أنا لا أعرف!!
فواجهتني نظرات العجب , وعيوني تقدح دهشة وعجبا!!
حضرني هذا المشهد الذي لا أعرف تفسيره بدقة وصوابية , وأنا أتحدث مع بعض الأصدقاء والزملاء , فوجدت سلوك ” أشتري منك وأبيع عليك” هو السائد.
وعندما سألت أحد الأخوة الباحثين ,أجابني : نخن نتصرف وفقا لمبدأ “راسي براسك” , فالسائد عندنا , أنا عارف , أنا فاهم وعندي فصل الكلام , ولو كنت من أجهل الجاهلين.
فلا يجوز لك أن تقول لأحدنا “على عينك حاجب”, وإياك أن تنتقده مهما قال وفعل , وهذا ينطبق على الجميع.
وهذه العلة السلوكية حولتنا إلى كرات بليارد تتصادم , ويلعب بها من يريد أن يصادمها ليفوز بإغتنامها , وإفتراسها , وإعلان إنتصاره بواسطتها , وهي التي تتلقى الضربات من أخواتها , فكرات البليارد متشابهات وإن إختلفت ألوانها.
قلت لصديقي: كيف نتحاور؟
قال: وهل وجدت بيننا من يتحاور أم يتصارع؟
ولهذا فأن القول بالحوار , حالة أبعد من المحال , ووفقا لذلك , الفئات السياسية بأنواعها ومسمياتها وشعاراتها قد تماحقت وإستنزفت طاقاتها في صراعات عبثية خسرانية مرعبة.
فهل نستطيع النظر إلى هذه العاهة السلوكية , ونجاهد في التحرر من سطوتها؟
هل لدينا القدرة على أن نعتصم بمصالح وطنية مشتركة تحقق سعادتنا وتؤمّن مستقبلنا.
بدلا من الإذعان للآخرين الذين يستثمرون في عاهاتنا المدمرة لوجودنا؟!!