23 ديسمبر، 2024 2:53 ص

راديكاليةُ منظمات المجتمع المدني في العراق

راديكاليةُ منظمات المجتمع المدني في العراق

في السنوات الماضية من القرن العشرين او بمعنى ادق بعد سقوط النظام المقبور في عام 2003م ظهرت العديد من المنظمات والمؤسسات لها عدة توجهات منها السياسية ومنها المجتمعية ومنها الثقافية ومنها الدينية وصل عددها ما يقارب خمسة آلاف مجموعة وكان السبب الرئيسي لانبثاق هذه المنظمات الداخلية و الخارجية بالرغم من عدم فعالية بعضها هو تدهور الأوضاع السياسية و الأمنية في البلد ، فكان لها تأثير مميز وخلال فترة زمنية قصيرة استطاعت تقديم المساعدات الإنسانية لضحايا الحرب و أعمال العنف و نشر و ترسيخ مبادئ التعايش السلمي و التأكيد على حقوق الانسان وحرية التعبير عن الرأي و تمكين دور المرأة في المجتمع العراقي، والتي كان الشعب في ذلك الوقت يفتقدها بسبب الحصار و الضياع نتيجة سياسة الانظمة السابقة والى ما ذلك من اسباب.
 ولاقت هذه المنظمات الإنسانية اهتماماً وتأييدا كبيرين لما لها من ضرورة حضارية في اعادة هيكلة بناء المجتمعات و أيضاً حظيت باهتمام و اسناد من قبل المرجعية العليا الرشيدة في النجف الأشرف بخطب يوم الجمعة حيث قامت بتثبيت وتوضيح دورها في تحملها مسؤولية الأعمال الإنسانية والمجتمعية والدينية، وعملت هي بدورها على استغلال هذا التأييد الكبير وتوسيع جميع نشاطاتها في البلد فالبعض منها صار يعقد اجتماعات دورية ويشكل لجان مختصة لغرض مناقشة الافكار وايجاد سبل الحلول التي يحتاجها الوسط التي تعمل فيه.
 إلا ان هذه المنظمات والمؤسسات واجهت الكثير من المشاكل والتحديات والصعاب وانحسار مصادر التمويل نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية والتي تشكل دعامة الاساس لهذه المنظمات كذلك الفساد المالي الذي استشرى الى هرم ادارتها مما نخر مصداقية بعضها وصارت تتجه الى تحقيق مطامعها الشخصية و الانحياز الى أجندات خارجية أو داخلية معادية للبلد هدفها تغيير الإيديولوجيات أو المفاهيم ونفي القيم والعادات التي هي اساس بناء المجتمع الثقافي الحضاري وكذلك اضعاف العملية السياسية من خلال اطلاق عدة مصطلحات ومفاهيم في (لغة السياسة) ونقصد بها استخدام المفاهيم والمصطلحات اللغوية لغرض تغيير فكر او معتقد ولتحويل شيء بغيض مرفوض في المجتمع الى شيء على شكل فني متلون مقبول (راديكالية) كما وصف هذه المفاهيم اللغوية جورج اورويل في احدى رواياته (الحرب هي السلام ، والحرية هي العبودية ، والجهل هو القوة) وقال ايضاً (ان اللغة يجب ان تكون أداة للتعبير وليست أداة لمنع او حجب التفكير).
 اذن بسبب هذه المفاهيم اللغوية التي تم طرحها للشباب وترسخت في عقولهم صار يمكننا وصف الغزو الاجنبي لدولة من الدول العربية على أنه تحرير للشعب ، والضحايا المدنيون والخسائر اثناء الحروب التي حصلت بينهما لآثار جانبية ، والإبادة الجماعية الى انها تطهير اثني ، ولكن لا يمكننا ان ننكر بأن هنالك مصطلحات غير منحازة و استخدمتها منظمات المدني بشكل إنساني لطيف مثلاً استخدام مفهوم ” ذي القدرة المختلفة ” بدلاً من المعاق، و مفهوم ” الدول النامية ” بدلاً من الدول المتخلفة، وغيرها من المفاهيم.
وبعد ما كان اجتماع هذه المنظمات يعقد من أجل ايجاد حل مناسب لسوء الاوضاع صار اجتماع بعض المنظمات يعقد لمناقشة كيفية الحصول على الموارد المالية و مِمن وعلى حساب ماذا فضلاً عن انتماء البعض من منظمات المجتمع المدني الى أحزاب او اشخاص يمارسون اعمالا غير انسانية مثلاً بيع اعضاء العوائل المتعففة وترغيبهم على بيعها مقابل مبلغ معين او بيع أحد افراد عائلتهم و تهريبه الى خارج البلد، وغيرها من الممارسات التي تخرج من طابعنا الانساني، في حين كانت كمثل هذهِ الاجتماعات تعقد لغرض النظر في طبيعة المشاريع والنشاطات الفكرية او السياسية او الدينية وغيرها من التجمعات لغرض تقديم ما هو مفيد ونافع للمجتمع ولكن هذا يحصل الآن في بعض منظمات المجتمع المدني التي لا يوجد عليها حسيب او رقيب.
و بحسب قانون المنظمات غير الحكومية التي اصدرته جمهورية العراق رقم 12 لعام 2010م ، المادة 13 تتألف موارد المنظمات غير الحكومية من أولاً/ اشتراكات الأعضاء ، ثانياً/ التبرعات والمنح والوصايا والهبات والهدايا الداخلية و الخارجية ، وثالثاً/ العوائد الناتجة من نشاطات المنظمة ومشاريعها. وهذا الوضع هو القائم حالياً بالرغم من الجدل المتزايد حول المسألة حيث تدعو العديد من المنظمات غير الحكومية الحكومة لتخصيص تمويل لدعم ومساندة منظمات المجتمع المدني في العراق لمساعدتها على الاستمرار.
 إذن المنظمات والمؤسسات وغيرها من المجموعات الخيرية الانسانية التي تنشأ في مجتمع معين يجب ان تحظى باهتمام ومراقبة الدولة للمحافظة عليها من عدم الإنـجرار والابتعاد عن اهداف الدولة و إننا نبنى العالم السياسي بتطوير وتنقيح المفاهيم التي تدخل الى الشعوب من اجل فهم سياسته وتفكيره وطبيعته وعدم ربطها بالرؤى الفلسفية و الايديولوجية ، فالفكرة التي وصلت الينا عبر بعض من المنظمات والمؤسسات جعلتنا نتعامل مع هذه المصطلحات كأشياء بدلاً من معاملتها كأدوات لفهم الاشياء.