27 ديسمبر، 2024 11:49 م

رائحة التظاهرات ورائحة القهوة

رائحة التظاهرات ورائحة القهوة

كان يذرع المسافة بين الحرمين، مرقد الامام الحسين ومرقد الامام العباس، جثث على طول الطريق، واغطية ومستلزمات اخرى، اطعمة واشر بة، هذا بعد الاربعين بايام، اصحاب المطاعم والفنادق اخرجوا كراسيهم وجلسوا ينظرون، الطعام مجانا والنوم مجانا وحتى الشاي والعصير، الزائر الوافد يعود بما اتى به، تلمس هاتفه فتذكر انه تركه لدى الامانات، لكن الايرانيين تجمعوا ليأخذوا الصور التذكارية، ربما الايراني اكثر التصاقا بالعراق، فلايخشى منه من ان يدخل هاتفا نقالا، حتى العربات والكراسي والاحذية، مسموح لهم ان يدخلوا باحذيتهم، وانا قطعت ثلاثة ارباع كربلاء اسير في جورابي الخاويين، في بلدي السائح محترم جدا، وابن البلد مهان، تذكرت زمن صدام ايضا،اضرب ايا شئت واياك ان تضرب مصريا، الصفعة بسجن ستة اشهر، المهم عاد الى رائحة القهوة التي كتبها يوسف العاني، ومثلها قاسم الملاك، احب ابنة الجيران، رآها عندما صعد الى سطح الدار ليطعم الطيور، هبط الى امه وهو يقول: ( اريد البزونه)، رأيتها فوق سطح الدار، تزوجها بعد حب كبير، لم تكن تعترض على رائحة العرق في فمه، ولانهرته وحثته على عدم الخروج مع اصدقائه، وفي سكرة من تلك السكرات ماتت حبيبته بعد ان حاولت ايقاظه بشتى السبل، ولكن العرق اخذ منه مأخذا، هو معتاد ان يرى فنجان القهوة ابو الريحة عند رأسه صباح كل يوم، ليصحو به ويعود الى نشاطه، استيقظ صباحا ومد يده لم يجد الفنجان، نظر الى الاسفل فوجدها ميتة.
عاوده حلم غريب وصور غامضة وهي تحاول ايقاظه، انتهى كل شيء وماتت حبيبته، فحلت رائحة القهوة محلها، وصار يدور على المقاهي وهو يردد قفل لزهيري الفه: همه مقيمين واحنه كل يوم ابدار، اي والله يايوسف العاني كما اردت همه مقيمين واحنه كل يوم ابدار، انتبه الى نفسه وكأنه غريب كمقام المسيح بين اليهودِ، عكسيه من هذا ودفعة من ذاك ، حمل جسده النحيف واندفع خارج المرقد، ليرى جموع المصلين، هل فعلا العراق بلد الاتقياء؟، هل هذه الاعداد الغفيرة جميعها تطلب المغفرة؟، من ماذا ياترى، ماذا فعلوا، ليصمموا على الزيارة بهذا الشكل، انهم يدعون الله، وهذا عبد الله مصادر مظلوم مسروق جائع بردان، ليس المسؤول بمفرده من صادر مرتبي، كل عام انتظر علاوة مقدارها خمسة آلاف دينار، على مدى اربعة عشر عاما جمعت الى مرتبي سبعين الف دينار بشق الانفس مع موظفة الحسابات وكارتات ابو العشرة، صادرها العبادي بساعة واحدة، فعاد مرتبي الى ماقبل 14 سنة، وانا الآن بانتظار الترفيع، وسيصادره العبادي ايضا بحجة الحشد الشعبي، وكأنني انا من ضيع الموصل والانبار، رائحة التظاهرات اختفت من ساحة التحرير، لم تعد الحبيبة حاضرة وتسرب اليأس الى قلوب المتظاهرين، من اخترق مبنى مجلس النواب؟ لا ادري ولا اريد ان ادري، الحياة مدفوعة الثمن، لماذا ادخل نفسي بهذه المهاترات، لكن التظاهرات كانت قائمة مع رائحة القهوة، وبمجرد ان تسربت رائحة الدين ذهب كل شيء، ربما الله اراد لها ان تنتهي، بيعة واحدة هذه هي حدود الدين ومن يتراجع يعتبر ناكثا للبيعة، وبحدود الانتخابات كلنا نقضنا بيعتنا ونستحق القتل بعرف داعش، هكذا هي الامور، ساصل الى الجنون 250 سلفة، و250 ديون، وحصة 150 بعد ان اختفت الحصة التموينية ونحن نصدر اكثر من 4 ملايين برميل نفط يوميا، تقشف مع التصدير الخيالي، و75 لمولدة الشارع، و100 ادوية السكر والضغط، انتهى المرتب، هل مرتب رئيس الوزراء مثلي، كلا والف كلا، انهم يضحكون من معاناتنا، ويضحكون من رائحة التظاهرات التي ازكمت انوفهم، وهاهي التظاهرات التي خلفت رائحة كرائحة الطعام المتروك في كربلاء، بعد ان تناول الجميع مايكفيه، كأنني في دولة اخرى، تهت وانا ادور في المدينة الصغيرة، تناولت اول شخص لم يتكلم العربية، ضحكت ونظرت في جيبي، لست خارج العراق، انا في كربلاء فقط، كان يصيح مهران، والثاني كازميين، ويحدق في وجهي، قلت له عراقي فتركني لشأني، شلامجه، هذه المفردة بمفردها كانت تبعث في نفسي الرعب في ثمانينيات القرن المنصرم، شلامجه تعني الاسر والموت والحرب والاوامر العسكرية، كان بودي ان يستيقظ اي شهيد ويحضر الى الكراج، ليرى الامور الآن، ربما يفرح لان السلام يعم، وربما يبكي لان دماءه كانت خاسرة، هذه الاعداد الغفيرة تأكل وتشرب وتنام مجانا، والشعب العراقي في تقشف حاد، ربما فيه من مات من الجوع والفاقة، نهر نفسه واستقل اول حافلة، سارت قليلا فرأى انه ركب بجوربيه، ونسي هاتفه وحذاءه، استأذن السائق وسمع لغة الجالس قربه، كزانيه، نزل من الحافلة واتجه ثانية الى حضرة الامام العباس، بغداد الجديدة وين وقزانية وين، تناول حذاءه بهدوء وهو يردد : همه مقيمين واحنه كل يوم ابدار.