17 نوفمبر، 2024 4:40 م
Search
Close this search box.

رئيس وزراء العراق القادم بين ثورة الشعب وشبكات الأحزاب العنكبوتية

رئيس وزراء العراق القادم بين ثورة الشعب وشبكات الأحزاب العنكبوتية

تتجاذب البيئة السياسية في عراق ما بعد 2003م حسابات طائفية وصفقات ومحاصصات أفرزت عدم الثقة بين مفاصل السبيكة الحكومية ومؤسسات الدولة العراقية وتسببت بإخفاقات في جوانب متعددة من التمثيل السياسي الوطني ومواجهة القضايا الساخنة وانتشار مركبات الفساد عمودياً وأفقياً حتى أصبح ثقافة عامّة بتمدده السرطاني في أوساط البلاد وأصبح العراق ساحة مفتوحة للصراع بين ثنائيتي التحاصص والمكاسب والأجندات الآيدلوجية والطائفية والكتلوية والحزبية حتى تردت الخدمات وانهارت البنى التحتية للبلاد واستبيحت الأرض والثروات وافترشت أجيال الشباب الأرض والتحفت السماء إلى جانب سوء الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية حيث الأجندات الإقليمية والخارجية تلعب أدواراً عملاقة في تردي الأوضاع وعدم نهوض البلاد بشكل فاعل على الرغم من امتلاك العراق العظيم لثروات نفطية ومعدنية هائلة تجعله في مقدمة الدول ذات السيادة المتقدمة.
انتهت حكومة الدكتور حيدر العبادي وابتدأت الروليت دوراتها الحلزونية فأنتجت التوافقات السياسية السيد عادل عبدالمهدي لرئاسة الحكومة الاتحادية حيث لم يكمل سنته الأولى حتى اشتعل فتيل الشارع العراقي بثورة تظاهراتية عمت غالبية المدن العراقية فاضطرت حكومته إلى الاستقالة في ديسمبر عام 2019 م وبقيت حكومة تصريف أعمال حتى يناير الحالي من عام 2020م حيث يواجه العراق والعراقيين أزمة خانقة ومخاضاً عسيراً في اختيار رئيس وزراء وسط أزمات وتجاذبات سياسية وأجندات إقليمية وخارجية وجميعها بين ثلاثية مطالب المتظاهرين وتوجّهات الكتل والقوى السياسية وموافقة أعضاء البرلمان والكتل التي تدور في فلكه.
المعادلة أمام الرأي العام أصبحت صعبة للغاية لأن ثورة المتظاهرين مستمرة منذ أربعة أشهر متتالية حتى الآن على الرغم من مئات القتلى بين صفوفها وعشرات الآلاف من الجرحى ولم تكن هناك استجابات مجدية من الهرم الرئاسي فبقيت مستمرة باعتصاماتها السلمية لـ(استرجاع الأرض والوطن) حيث خرجوا كما يقولون ثائرين بشعاراتهم التي تهتف لا للظلم والظالمين.
بعد هذا الفراغ من سيتسلم دفّة الحكم في الهرم الرئاسي العراقي للمرحلة الانتقالية المقبلة التي تؤكد على تعديلات الدستور والتمهيد لانتخابات مبكرة حيث ستستمر هذه الحكومة بين ستة أشهر وعام على أكثر الاحتمالات فما هي المواصفات التي تليق بالعراق والعراقيين لمن يقود هذه الحكومة؟
يقول المتظاهرون أن يكون رئيس وزراء العراق القادم قيادياً مستقلاً عن أي انتماء حزبي أو طائفي أو كتلوي شجاعاً نزيهاً صدوقاً عادلاً موضوعياً مهنياً تكنوقراطياً شفافاً صارماً في محاسبة المفسدين واسترجاع أموال العراق المنهوبة خلال السبعة عشر عاماً من الحكم المحاصصاتي ؛ رجل يتسم بالذكاء والحرص على مقدرات العراق وهيبته ؛ أن لا يكون من تحت عباءة أي حزب أوكتلة أو طائفة أو جماعة أو عائلة منذ نشأته الأولى ، ولم يكن في سلّم الحكم سابقاً أو لاحقاً ، ولم يكن قد تولى أية مهمة سياسية أو قيادية أبان حكم السلالات الطائفية والعوائل البيروقراطية ؛ لأن رئيس الوزراء القادم هو الذي يحدد مصير أمة مثل العراق العظيم الذي يحتكم على حضارة أيقظت العالم من سباته ، العراق موطن الرسل والأنبياء ومبدع أول أبجدية علّمت العالم وفتّحت بوجهه آفاقاً حضارية عملاقة ، ومشرِّع أول قوانين البشرية.
يقول الشعب المنتفض أن رئيس الحكومة القادم يجب أن يكون عادلاً وحريصاً كل الحرص على التوزيع العادل للثروات العراقية غير خاضع لأية أجندة إقليمية أو خارجية ويحافظ على استقلال العراق وبناء جسور الثقة في مفاصل الدولة العراقية.
تقول ثورة المظاهرات أن رئيس الحكومة القادم يجب أن يكون شخصية قيادية غيورة صاحب مروءة وشهامة ونخوة وعزيمة مستقلٍّ لا يمتّ بأدنى صلة للأحزات والتكتلات الطائفية ، قراره عراقي خالص للإنسان والأرض والتاريخ والحضارة العراقية لا يستمده من أي مكوّن داخلي أو خارجي ولا يخضع لأية ضغوطات من قبل الكتل السياسية ، ساحة العراق في رؤياه لمن يرى العراق نجماً في سماء العالم ورقماً بثرواته وحضارته.
الشارع العرقي في (بورصة اختيار رئيس الوزراء القادم) هو اللاعب الأساسي المراقب والحكم لرصد أية محاولة التفاف من قبل القوى السياسية على جوهر مطالبات ثورة المظاهرات العراقية المشروعة.
الشعب المنتفض وتضحياته الجسام من الجيل الشبابي الثائر يرفض أي مرشح تفرزه أية كتلة أو حزب أو طائفة أو جماعة لأن أساس مظاهرات الشعب الذي انطلقت منه هو إنهاء النظام المحاصصاتي الطائفي العائلي في توزيع المناصب ونهب الثروات.
في مقابل هذا الإصرار الشبابي العملاق الذي أطاح بحكومة السيد عادل عبدالمهدي تحاول القوى السياسية المناورة واللعب بأوراق مكشوفة غير محصّنة كعدم اكتراثها بالمدد الدستورية متخذة من ذلك ذريعة لإعادة ترتيب أوراقها ومعالجة ملفات فسادها المركب العمودي والأفقي لأنها تشعر منذ أن صعدت إلى عرش العراق بأنها فوق القانون وفوق الدستور وتدعي صلفاً أنها دولة مؤسسات مدنية. هذه القوى لا تريد أن تفارق الملعب وساحات التحاصص وتقسيم المناصب وتوزيعها حسب المزادات وأسواق العرض والطلب ودفوعات القائمين عليها.
هذه القوى والأحزاب والتكتلات والطوائف والعوائل التي نهبت ثروات البلاد والعباد تناور منذ شهور خلافاً للدستور العراقي بأن تحظى بمرشح وسط يحفظ لها مصالحها ويتستر على ملفات فسادها وهذا التوجّه مما يتضارب ويتعارض ويتقاطع بشكل كلي مع ثورة الشعب ومصالح العراق الوطنية والقومية والعالمية التي تؤكد على أن العراق وطن للجميع والإنتماء إليه يجب أن يكون خالصاً له شعباً وأرضاً وله الصداره قولاً وفعلاً دون أية مؤثرات وأجندات خارج سياقاته كدولة ذات كيان مستقل.
وتبقى المناورات والأجندات الداخلية والخارجية تمارس ضغوطها على المتظاهرين من جهة متبعة أساليب متعددة لتفكيك هذه الثورة العملاقة التي لا هدف لها إلا استقلال العراق أرضاً وشعباً وحضارة ؛ ومن الجهة الأخرى فإنها بذات الوقت تمارس أيضاً ضغوطاً على رئيس الجمهورية بأساليب متباينة مرة دستورية وأخرى خارج الأطر القانونية والدستورية وما هو أكثر رسوخاً من ذلك.
هذه الكتل ابتدأت نزعاتها وهي تنزل ساحات التحاصص لتعيد لعبة الكتلة الأكبر متناسية أن هذا الأمر قد حسم يوم ترشح السيد عادل عبدالمهدي (مرشح تسوية أو توافقي) لرئاسة الحكومة في العام 2018م وبعده أصبح الشعب العراقي هو الكتلة الأكبر في كل المقاييس. راحت هذه الكتل والقوى السياسية تطرح مرشحيها بأساليب أخطبوطية مرة بالطريقة (البروبوجاندية) وأخرى بالطريقة (البراغماتية) وكلاهما لعبة روليت ومقامرة مما أدى بجموع الشعب المنتفض رفضهم جملة وتفصيلاً.
بعد كل ذلك لابد من القول إن العراق يمر بمرحلة تحتاج من العراقيين التوحّد وإجماع الكلمة والصف لتخطي هذه المرحلة الانتقالية وعلى رئيس الجمهورية حامي السيادة العراقية والدستور تلبية مطالب الشعب المنتفض بعد أن خذلته القوى السياسية طيلة أعوام القهر والرماد 2003-2020 .
يا فخامة الدكتور برهم صالح: العراق العظيم والشعب الشهم الغيور أمانة بين يديك فخذ بأهله إلى بر الأمان بعيداً عن مؤثرات القوى السياسية والأجندات الخارجية ، صوت الشعب هو صوت العراق العظيم.
يا فخامة رئيس الجمهورية بين يديك مجموعة من المرشحين المستقلين من الأكاديميين المهنيين والتكنوقراطيين الذين تسلمت خطابات ترشيحهم عبر القنوات الإعلامية والألكترونية والدبلوماسية ومنصات التواصل بعض منهم شخصيات تتمتع بكل المواصفات التي يريدها الشعب العراقي المنتفض في رئيس الوزراء القادم.
يا فخامة رئيس الجمهورية كنت قد طرحت عليك في مقال سابق رؤية ميمونة الطالع للخروج من نفق أزمة اختيار رئيس الوزراء وهي أن تقوم رئاسة الجمهورية بدعوة كل المرشحين المستقلين لمناظرات تلفزيونية لعرض برامجهم الحكومية أمام الشعب وعليه أن يختار أحدهم إذا أثبت جدارته ونزاهته وقياديته.
اليوم أعرض عليك رؤية أخرى وهي مقابلة المرشحين المستقلين في قصر السلام بعد أن تتحرى الدقة من نزاهتهم وتجرّدهم وموضوعيتهم واستقلاليتهم بعيداً عن القوى السياسية والحزبية وعرض ذلك على الشعب العراقي المنتفض في القنوات الإعلامية هذا الشعب الذي سيصطف حتماً إلى جانبك إذا ما تأكد له نزاهة وحكمية هذه المبادرة لكي نعبر مرحلة المخاض العسير لمرحلة الانتخابات وتعديلات الدستور والمفاصل البيئية السياسية الأخرى.

أحدث المقالات