العراقيون يتطلعون إلى أن تنتج المرحلة المقبلة رئيساً قوياً يلبس ثوب الصرامة، ويتحدث صحفيون وكتاب ومفكرون بدعوات غريبة تلفت الذهن قبل النظر وهم يؤكدون على أن (الدكتاتور العادل ) في المرحلة المقبلة الحل الانفع، لكن هذا التوصيف ساذج وسطحي لاقيمة له، فلا عدالة مع طيش الدكتاتوريةً وهيجانها.
انتجت التجربة السياسية العراقية المريرة عرفا مشلولا شاع صيته وهو أنه ليس كل مايريده العراقيون في صناديق الاقتراع يترجم في الكابنة الحكومية، نظامناً البرلماني مشلول منذ الولادة ولاتنفع معه عمليات التجميل السياسية، مايزال يولد لنا كتلاً جسدها في العراق وقلبها وهواها في دول الجوار فلم تنفع حكومة المحاصصة وتقسيم السلطات لاتوزيعها ليكثر الحديث عن القائد القوي بعنوانه العام .
الشعوب العربية يستهويها عادة القائد القوي على الرغم من مسلسل الاضطهاد والتهميش والاقصاء والاجتثاث الذي فرض شبحه منذ بداية تكوينها انطلقت من قتل غرق المدن وقتل الامام الحسين عليه السلام وقتل الانماط بايام الحجاج وقتل الزنادقة وقتل البرامكة وقتل الزط وقتل المخالفين لقرارات القادة والمماليك الامويين والعباسيين
فقد عشق الشعب البابلي، حمورابي عشقا جما، لانه كان حاكماً جبارا ً وقوياً على الرغم من أنه كان يقتلهم قتلا جماعياً، وتقول بطون كتب التاريخ إنه صاحب الامتياز والمخترع الاول للعقاب الجماعي بل ان اصل فكرة (المقبرة الجماعية ) نشأت من جذور بابلية وتحديدا في وقت حكم حمورابي ، فهو يقول (لقد تم لي بالحكمة التي اعطاها إياي مردوك تخريب أشنونا بمقادير هائلة من المياه)، بمعنى أنه اغرق قرية اشنونا لانه اهلها رفضوا اطاعته ومنذ ذلك الزمن والعراقيون لم تفارقهم قص البطش الجماعي والاقصاء والتهميش والاجتثاث.
فلسفة القائد القوي تختلف قراءتها بين شخص واخر، أحدهم يرى أن القائد لابد ان يكون باطشاً واخر يرى ان القوة في القائد لابد أن يكون ميله لطائفته ومذهبه وتفسر ملة اخرى القوة بانها مدى قدرته على دهاء خصومه وصناعة الازمات، لكن الاهم في كل هذا أنه لابأس في القائد القوي اذا استمد قوته من الدستور والقانون.
لكن ينبغي القول أن الرئيس القوي في المرحلة المقبلة لاينفع مالم يكن عارفا ً بالدستور لامنقلباً عليه، قارئاً فطناً للتجارب الديمقراطية في العالم، لديه برامج لاقرارات يوازي بين قوة القانون وحصانة الديمقراطية ،لايجعل نفسه ندا ًمع معارضة وخصومه، فلابد أن ينظر إليهم بـ”نظرة الاب السياسي”،ولايفارقه قول امام الانسانية علي بن ابي طالب عليه السلام : ” آلة الرياسة سعة الصدر”،وبمناسبة الحديث عن علي فانه لم يخرج لمقاتلة الخوارج عندما كانوا يسبونه على منابرهم لكنه خرج عندما قطعوا الطريق وشلوا حركة السير،الامر الذي يثبت أن خرق القانون وتعطيل مصالح الناس العام الاهم والابرز والمحفز الاهم لمقاتلة الخوارج .
الرئيس القوي الديمقراطي المطلوب في المرحلة المقبلة من يشيد دولة عامرة لايشكل حكومة ومن يضرب التطرف الديني فكريا الذي بات يهتك النسيج الاجتماعي ويمزق الوطن هو من يخلص العراقيين من داعش ومجاميعها بالقهر والقوة – لكن بلا ابرياء – وهو من يسلح الجيش العراقي ويطبق القانون على الجميع بلا استثاء حزبه أو عشيرته أو عائلته، ربما بات المشهد الانتخابي معقدا،لكن بلا ادنى شك أن هذه الانتخابات لن تحدث تغيرا شاملاً ولن تتمكن كتلة بمفردها مسك العصا من الوسط، لكن الدورة النيابية المقبلة حتماً الاوفر حظاً في انتاج دماء برلمانية جديدة تتفاعل مع الجمهور وتنتج قائدا قويا ً ديمقراطياً ، يضرب بيد كل من يخرج عن القانون بلاشعارات ولاسياسية ولاتخوف ولاعاطفة ، ويبنبي باليد الاخرى بناءا حقيقاً وملموساً لاترقيعاً،ويتفاعل مع الاعلام، ولايتهاون مع قتلة العراقيين، فلم يعد الوقت بصحالناً ونحن نقبع مكرهين في وادي العنف اليومي و التخلف ومتاهته التي لاتنتهي .. .