ويبقى موضوع الكتلة النيابية الاكثر عددا صعبا على ان يفهمه السياسيون في العراق وعصيا على ان يتم تطويعه حسب رغبة الكتل النيابية ومصلحتها، ومن جهة اخرى فان هذا الموضوع مازال سببا رئيسيا لأغلب المشاكل والازمات التي يمر بها العراق. وتعاني العملية السياسية منذ شهر تقريبا من ازمة كبيرة لم تستطع الكتل النيابية والاحزاب والزعامات والشخصيات السياسية الخروج منها فبعد ان قدم رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي استقالته الى مجلس النواب وتم قبولها بجلسته المنعقدة بتاريخ (1/12/2019) والى الان لم يكلف رئيس الجمهورية مرشحا لتشكيل مجلس الوزراء استنادا الى المادة (76 – اولا) اذ مازال الخلاف كبيرا بشأن تحديد الكتلة الاكثر عددا التي لها الحق بتقديم مرشحها الى رئيس الجمهورية.
ونتيجة لذلك فان حكومة تصريف الاعمال اليومية مازالت تمارس مهامها على الرغم من تجاوزها المدة الدستورية أي اننا الان في مرحلة خرق دستوري (؟!). ولم تستطع الكتل والاحزاب والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الاتفاق على صيغة للخروج من ازمة عدم الاتفاق على مرشح لرئاسة مجلس.
ومن جهة اخرى فان كتلة البناء قد خاطبت رئيس الجمهورية وقدمت له اكثر من مرة اسماء مرشحها لتشكيل الحكومة باعتبارها الكتلة الاكثر عددا الا ان رئيس الجمهورية برهم صالح رفض تكليفهم بداعي ان هنالك اكثر من كتاب وصله من مجلس النواب وبين هذه الكتب تضارب في تحديد الكتلة الاكثر عددا وكذلك عدم توافق الاسماء المرشحة مع مطالب المتظاهرين في محافظات الوسط والجنوب التي تتمسك بعدة شروط لمن يكلف بهدأ المنصب من اهمها ان لايكون منتميا الى الاحزاب ولم يتسنم سابقا منصب وزير او عضو مجلس النواب اضافة الى ان كتل نيابية مهمة مثل سائرون والحكمة والنصر تعلن باستمرار رفضها للأسماء المقدمة من قبل كتلة الفتح تضامنا مع المتظاهرين.
وقد اعلنت كتلة الفتح ان موقف الرئيس برهم صالح مخالف للدستور اذ انه مأمور بموجب المادة (76- اولا) أن يكلف مرشحها باعتبارها الكتلة الاكثر عددا لتشكيل مجلس الوزراء وان الامتناع عن ذلك مخالف للمادة المذكورة.
وهنا دخلنا في ازمة جديدة تضاف الى سيل الازمات الموجودة على الساحة السياسية، فهل ان موقف الرئيس بالامتناع عن تكليف مرشح كتلة الفتح يعد خرقا للدستور ام صيانه له ؟! وهل ان امتناعه له مشروعية في الدستور ام لا ؟!
سيتبين لنا ذلك بعد ان نستعرض بعض واجبات وصلاحيات الرئيس من خلال المواد الدستورية الاتية والتي اهمها المادتين (76 و 81):
المادة (76):
اولا: يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.
المادة (81):
اولا: يقوم رئيس الجمهورية مقام رئيس مجلس الوزراء عند خلو المنصب لأي سبب كان.
ثانيا: عند تحقق الحالة المنصوص عليها في البند “اولا” من هذه المادة يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال مدة لا تزيد على خمسة عشر يوما ووفقا لأحكام المادة (76) من هذا الدستور.
وهاتان المادتان توجبان على رئيس الجمهورية ان يكلف مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء وهو ما لم يقم به الرئيس كما بينته وكما هو معروف من خلال مجريات الاحداث السياسية بل كما لمح اليه رئيس الجمهورية نفسه وكل هذا يعني ان رئيس الجمهورية لم يلتزم بهاتين المادتين.
المادة (50):
* “اقسم بالله العلي العظيم أن اؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية بتفانٍ واخلاص ……. ، وارعى مصالح شعبه واسهر على سلامة ارضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي …… والتزم بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد، والله على ما اقول شهيد”.
فهل التزم رئيس الجمهورية بقسمه ام حنث به ؟! واضح جدا انه لم يلتزم به فلم يؤد مهامه ومسؤولياته المكلف بها بالمادتين (76 و 81) ولم يسهر على سلامة النظام الديمقراطي لان اهم ملامح الديمقراطية هي الالتزام بالدستور ولم يلتزم بتطبيق التشريعات .
المادة (67):
* يسهر على ضمان الالتزام بالدستور .
وهذه المادة ايضا لم تتحقق حيث ان عدم تكليف مرشح الكتلة الاكثر عددا يعني عدم الالتزام بالدستور ورئيس الجمهورية مكلف بموجب هذه المادة بضمان الالتزام به.
ويتضح مما ذكرناه بشكل لا لبس فيه ان رئيس الجمهورية قد خالف الدستور ولم يلتزم به وتنصل عن واجباته الدستورية المكلف بها بموجب المواد التي ذكرناها. وهذا الامر يتطلب اجراءات معينة تبدأ بتوجيه اتهام رسمي الى رئيس الجمهورية بعدم التزامه بالدستور وتنصله عن مهامه وواجباته كما بيناه وتتولى المحكمة الاتحادية العليا البت بهذا الموضوع استنادا الى المادة (93) التي بينت اختصاص المحكمة الاتحادية العليا والتي نص البند (سادسا) منها على (الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون.). واذا قررت المحكمة الاتحادية العليا ادانته فيتم اعفاؤه من منصبه استنادا الى المادة (61) التي ورد في نص الفقرة (ب) من البند (سادساً) منها على ما يأتي :
ب ـ اعفاء رئيس الجمهورية بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب، بعد ادانته من المحكمة الاتحادية العليا في احدى الحالات الاتية:
1 ـ الحنث في اليمين الدستورية.
2 ـ انتهاك الدستور.
وقد تحقق كل من (1 و 2) كما بيناه مما يقتضي ادانة رئيس الجمهورية من قبل المحكمة الاتحادية العليا.
وقد يقول بعض اصحاب الراي ان رئيس الجمهورية لم يخرق الدستور لانه اقسم ( … وارعى مصالح شعبه) كما ورد في المادة (50) وان من مقتضيات رعاية مصالح الشعب عدم تكليف الاسماء التي رشحت لمنصب رئيس مجلس الوزراء المقدمة من كتلة الفتح باعتبارها الاكثر عددا بسبب كون هذه الاسماء معروفة بتسنمها مناصب عليا (وزير، ومحافظ) وهذا مخالف للشروط التي اجمع عليها المتظاهرون في محافظات الوسط والجنوب ومعهم كتل سائرون والنصر والحكمة وكلهم يطالبون بإصلاحات عديدة من بينها ان لايكون رئيس الوزراء من اصحاب المناصب في العملية السياسية وعليه يكون موقف رئيس الجمهورية متوافقا مع الدستور. ولكن يرد على ذلك بان المتظاهرين لايمثلون كل الشعب من حيث العدد ولا التوجهات الفكرية والسياسية وان مصلحة الشعب تكون بالالتزام بالديمقراطية والدستور وليس بمخالفتهما.
ومن باب الانصاف فان شرط ان يكون رئيس الوزراء مستقلا وغير منتميا الى الاحزاب هو مطلب وطني واقعي وحاجة ملحة للتخلص من هيمنة الفاشلين على المناصب الحكومية وعليه فان موقف رئيس الجمهورية معبر عن مصالح الشعب وطموحاته وآماله بتحسين الاوضاع المعاشية والسياسية من خلال دور رئيس الوزراء المستقل النزيه.
وبملاحظة كل ما تقدم يتبين اننا امام حالتين :
الاولى : عدم المشروعية الدستورية :
حيث ان رئيس الجمهورية قد خالف الدستور وامتنع عن القيام بواجباته الدستورية مما يعني انه سيعرض نفسه والبلاد الى ما لايعلمه الا الضالعون في العلم … !
الثانية : المشروعية الوطنية :
حيث ان رئيس الجمهورية رفض السماح للمجربين والفاشلين بالوصول الى منصب رئيس مجلس الوزراء وذلك حماية للوطن ومصالح الشعب.
فإيهما يقدم على الاخر ؟ المشروعية الدستورية ام المشروعية الوطنية ؟!
وهل يمكن الجمع بين المشروعيتين بآلية معينة تنقذ البلاد من الفوضى والاضطرابات المحتملة ؟!
ام ان الامر يتطلب تنازل احد الطرفين عن مطالبه ، او تنازلهما كلاهما لأجل التقارب الى حل وسطي ؟!
من المؤكد انه لايوجد حل لدى الطبقة السياسية ولا المشتغلين بالسياسة من الاكاديميين والاعلاميين وغيرهم لان الوسط السياسي معروف بتدني مستوى فهم الدستور والقوانين والضعف الكبير في التعامل مع المشاكل والازمات .
وننتظر تواصل الضغط الى ان يؤدي الى نتيجة حاسمة.
او اضطرار الكتل السياسية الى تغيير مواقفها باتجاه الليونة والتقارب مع المطالب الوطنية بعيدا عن المصلحة الحزبية.
ويبقى للعامل الخارجي دور مهم في مايجري.