18 ديسمبر، 2024 11:52 ص

رئيس الوزراء متحالف مع الإرهاب

رئيس الوزراء متحالف مع الإرهاب

لم يكن لرئيس الوزراء من منقبةٍ في نظر النفعيين الانتهازيين من مؤيِّديه إلا نجاحه في الملفِّ الأمني، هذا هو ما كانوا يقولونه، إنَّ المالكي فاشلٌ في جميع الملفات إلا الأمن، وعليكم أيها الشيعة أن تدعموا المالكي لكي لا ينتقض نجاحه في هذا الملفّ، حتى لو أدّى فشل المالكي إلى أن تموتوا جوعاً أو أن تسكنوا بيوت الصفيح إلى الأبد، أو أن تفقدوا طعم العيش بكرامةٍ في هذا البلد العجيب الذي قدِّر له أن يكون هو عنوان الكرامة، على حين أن تأريخه كله دالٌّ على أن شعبه ما ذاق طعمها بحقٍّ على يد الساسة في يومٍ من الأيام.
لا بأس، نحن مستعدون فعلاً أن نوافق على هذه القسمة الضيزى شريطة الالتزام بها إلى النهاية، موافقون على أن نعيش بؤساء فقراء فاقدين لكلِّ أملٍ في الحياة الكريمة الهانئة أسوةً بسائر البلدان، موافقون أيضاً على أن يشفط المالكي وحماياته وزبانيته نصف خزينة الدولة أو ما يزيد على بيوتهم وقصورهم الشاهقة في العراق، أو على استثماراتهم الخاصة في دول الخليج والقارَّتين الأوربية والأميركية، موافقون على أن ننجب أولاداً صغاراً لا نستطيع تحمُّل نفقاتهم اليومية فنجعلهم ضحية العمل الشاقّأو المهين في الطرقات العامة والأسواق، موافقون على أن تتسوَّل أراملنا اللواتي فقدن أزواجهنَّ في مناسبات الحروب عند أبواب المساجد والحسينيات، موافقون على أن يتسع حجم البطالة في العراق ليكون لها بالضبط حجم الفضاء، موافقون على هذا وأكثر شريطة أن يكون المالكي ناجحاً فعلاً في الملفِّالأمني أيها السادة، لكن بالله عليكم أين هو النجاح؟
أيها الإخوة، أعتقد أن العراق لم تهدأ فيه التفجيرات والمفخخات طيلة الفترة التي حكم فيها المالكي خلال دورتين انتخابيتين كاملتين، وأعتقد أيضاً أن الأزمات باتت أكثر تهديداً ووعيداً بالويل والثبور لوحدة النسيج العراقي من وضعها في الفترة التي سبقت المالكي أيضاً، مع أن الأوضاع في البلاد عموماً كانت تستدعي نوعاً من الفوضى وعدم الانسجام بصورةٍ طبيعيةٍ بعد صدمة الاحتلال، وأعتقد أيضاً أن الشيعة أنفسهم باتت عوامل التمزق والفرقة بينهم أكثر رسوخاً بسبب السياسات الرعناء للمالكي بطل الملفِّ الأمني المزعوم، وأعتقد كذلك أن نسبة الحنق والغضب على الإسلاميين عموماً وحزب الدعوة على وجه الخصوص باتت في تصاعدٍ مستمرٍّ بين الشيعة جميعاًحتى شملت حالة الحنق والغضب هذه الشرائح الاجتماعية التي كانت مؤيدةً لحزب الدعوة في السابق، حتى انَّ مظاهرَتَينِ شملتا المحافظات العراقية من البصرة حتى بغداد دعا إليهما وقام بهما الغالبية من الشيعة، قصدت طبعاً مظاهرة 25 شباط قبل عامين ونصف من الآن، والمظاهرة التي استهدفت إلغاء تقاعد الحكومة والبرلمان، ناهيكم عن عددٍ هائلٍ من المظاهرات الحانقة ضدَّ المالكي تحديداً كانت تنطلق بشكلٍ عفويٍّ في عددٍ من المحافظات العراقية في كلِّ مرَّة، احتجاجاً على تردِّي الأمن في هذه المحافظات وتعرُّض الشعب العراقي لمجازر لا نهائية على يد الإرهاب الذي يتحالف معه المالكي بكلِّ وقاحةٍ كلما وجد أن التحالف معه هو الذي يقدِّم الضمانة لاستمراره في السلطة، شاهدُنا على ذلك ما قام به مراتٍ عديدةً من إطلاق سراح الإرهابيين القادمين من خلف الحدود، وآخرها تسهيل عملية هروب السجناء الإرهابيين أصحاب المفخخات من سجنَي التاجي وأبي غريب، تلك الفضيحة التي يستحقّ عليها المالكي المحاكمة بلا جدال، لكنَّ أحداً من الذين اعتادوا الدفاع عن الحاكم أياً كان لم ينبسوا ببنت شفةٍ على الإطلاق واعتبروه أمراً عادياً جداً أن يقوم المالكي بتهريبهم ليعودوا إلى ممارسة القتل العشوائي والتفجيرات مجدداً في المحافظات العراقية كلَّ يوم، أما عن الاغتيالات في زمن المالكي فحدِّث عنها ولا حرج عليك بالمرَّة، بل إن المالكي نفسه هو الذي يأمر بتصفية الشعراء والكتاب المناوئين للسلطة بشهادة مجموعةٍ من القرائن على ذلك، بل إن هؤلاء المؤيدين للمالكي أنفسهم لا يتخلَّون عن الاعتراف بهذه الحقيقة في مقام التهديد والوعيد لمختلف العناصر التي تنتمي إلى النخب الثقافية المعارضة لرئيس الوزراء، هكذا علانيةً جهاراً وبلا أيّ تردد.
قُتِل من الشعب العراقي أيها السادة زمن المالكي خلال فترة ولايتَيهِ أكثر من مجموع ما قُتِل من الشعب العراقي في جميع الحروب، وأكثر مما قُتِل في الفترة التي سبقته إذ كان الاحتلال موجوداً، وكان النظام مفقوداً بالمرَّة في الأرض العراقية آنذاك.
أين هو نجاح المالكي في الملفِّ الأمني إذن، وأين هو الإنجاز الموهوم الذي يراد منا الصبر على فقدان كلِّ مظاهر الحياة الكريمة في العراق من أجله، إنَّ نجاح المالكي في الملفِّ الأمني ترَّهةٌ من الترَّهات إذن ولا يستند في مقام الاستدلال له على أيّ أساس.

المفارقة الكبيرة هي أن السجون عندما تمّ فتحها للإرهابين على مصراعَيها كان المعتقلون الصدريون قادرين على الهروب منها بسهولةٍ لا ينكرها المالكي نفسه، لكنَّ أحداً منهم لم يهرب مطلقاً، وربما كان المالكي راغباً بأن يهربوا أيضاً ليقيم الدليل من خلال ذلك على أنهم مجموعة من الإرهابيين وليسوا مقاومين شرفاء اعتقلتهم القوات الأمنية العراقية عندما كان الاحتلال موجوداً على خلفية تهمٍ منسوبةٍ إليهم في ضرب الأمريكان، فأيُّ رئيسٍ مؤتمنٍ على أمن العراقيين هذا الذي يفتح السجون بنفسه ليمكِّن الإرهابيين الذين كلَّفت عمليات القبض عليهم جهداً مضاعفاً سواءٌ من الدولة ذاتها أو من هؤلاء المقاومين الذين يعتقلهم الآن طيلة عشر سنوات، إنه رئيسٌ خائنٌ ويستحقّ المحاكمة استناداً إلى ذلك بالتأكيد.
وحتى لو فرضنا أن هروب السجناء لم يكن للمالكي يدٌ فيه، فإن هذا لا يعني أنه بريءٌ من تحمُّل المسؤولية عن هروبهم، إنه فشلٌ رهيبٌ في إدارة الملفّ الأمني يجب على المالكي أن يدفع ثمنه من خلال الاستقالة في أقلِّ تقدير.