خلال ثمان سنوات، فاقم المالكي وحكومته القائمة على الطائفية السياسية فشلهما في التعامل مع التحديات الداخلية، أو التكيف الحذر مع المتغيرات الاقليمية كما فعلت دول اخرى في المنطقة، وكذا الحال في قراءة وملاحقة المسارات المحتملة للتنافس والتوافق بين القوى الكبرى على المصالح والنفوذ في الشرق الاوسط.
الاخطاء الستراتيجية تلك ظافرت العوامل الداخلية والاقليمية والدولية وتفاعلاتها لتعظيم الازمة الوطنية القائمة، وزادت من إستعصاء المعالجات بعد عملية خلط الاوراق وتعقيد تشابك عناصر الصراع، فعبرت عن نفسها اخيرا بخروج مايقرب من نصف مساحة العراق عن سلطة الدولة، وفتح البوابات امام التدخلات الاجنبية السياسية والأمنية، ناهيك عن إرباك الحليف الامريكي المتردد في انتهاج سياسة واضحة وفعالة توازي التزاماته الاخلاقية وتعهداته الواردة في اتفاقية الإطار الستراتيجي للشراكة والتعاون بين البلدين.
سياسات المالكي، المتأثرة ببوصلة مصالحه الشخصية والحزبية، سارت في الغالب دون الالتفات الى المصالح الوطنية وابتعدت عنها في محطات كثيرة، لتزج البلاد في النهاية في حرب اهلية غير معلنة قارب ضحاياها الاربعة الاف شخص خلال شهر تموز المنصرم وحده، مع مئات الالاف من النازحين والمهجرين، وانقسام اهلي حاد أطلق العنان لفتاوى مذهبية وسياسية واجتماعية متقابلة في استباحة دم وعرض ومال الاخر.
رغم ذلك، فإن رئيس الحكومة المنتهية ولايته يتحدث عن انجازات متخيلة رغم فشله الكارثي في الحفاظ على كيان دولته، مصرا على تعميق الانقسام الداخلي من خلال التمسك باستحقاق انتخابي غير متحقق له اصلا ، ومحتجا وموهما بالتداعيات الامنية المترتبة على التغيير الذي بات مطلبا عاما على المستويين المحلي والخارجي.
الانسيابية التي تم بها انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه وكذلك رئيس الجمهورية قد لاتجري بالسلاسة ذاتها مع رئيس مجلس الوزراء، لكن اعتماد ذات المحاصصة الطائفية في تشكيلة المؤسسات الحكومية الجديدة يفرغها من القدرة الحقيقية على التغيير، كما ان الصراع على الارض والذي اصبح خارج السيطرة او القدرة على الاحتواء بسبب انفلاته عن سطوة الدولة ووقوعه في قبضة مرجعيات وميليشيات محلية وخارجية متعددة سينعكس حتما على طبيعة مؤسسات الدولة وأدائها وعلى رأسها مجلس النواب الذي اتضح انقسامه وتبعيته من الجلسة الاولى.
الحكومة والمجلس الجديدان يبدوان نسخة مكررة في الوجوه والمناهج للدورة السابقة (حكومية ونيابية)، لذا يبدو من المستبعد مواجهة التحديات القائمة وتحجيمها سواء مع الابطاء او التبكير بتسمية رئيس الحكومة. قد يكون ذلك مفيدا لجهة اسباغ الشرعية على الواقع الجديد، لكن دورة العنف الآخذة في التصاعد النوعي لن تكون محكومة بوجوه الوزارة الجديدة، سيما انها، وتبعا لطبيعة المحاصصة، ستكون فقيرة بحضور التيار السياسي الوطني ذي التوجهات المدنية القادر على تحقيق المصالحة والشراكة، والذي حجمته الممارسات الاقصائية للحكومة السابقة، وتخلي الراعي الامريكي عن العملية الديمقراطية، وإجراء انتخابات مزورة وفاضحة.
في التمنيات، الا تمثل الوزارة الجديدة مرحلة محروقة في التاريخ العراقي المعاصر، لكن المؤشرات الواقعية تطيح بالتمنيات الهشة، فكل ما تمت معالجته حتى الان لايتجاوز الإتفاق على تقاسم غنائم السلطة بين الكتل السياسية الكبرى اما ازمات الوطن والمواطن فسترحل الى زمن قد لايأتي قريبا.