سياق إختيار رئيس مجلس الوزراء العراقي محدد بنص المادة 76 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005:
أولاً – يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.
ثانياً – يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف، تسمية أعضاء وزارته، خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف.
ثالثاً – يُكلف رئيس الجمهورية، مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً، عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة، خلال المدة المنصوص عليها في البند ثانياً من هذه المادة.
رابعاً – يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، أسماء أعضاء وزارته، و المنهاج الوزاري، على مجلس النواب، و يعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، و المنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة.
خامساً – يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة، خلال خمسة عشر يوماً، في حالة عدم نيل الوزارة الثقة.
عقب الإعلان عن نتائج إنتخابات عام 2010 البرلمانية، تم توجيه إستفسار إلى المحكمة الإتحادية العليا عن معنى الكتلة النيابية الأكثر عدداً الواردة في المادة 76 – أولاً من الدستور، فأصدرت المحكمة قرارها بالعدد 25/اتحادية/2010 بأن تعبير الكتلة النيابية الاكثر عدداً تعني إما (الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة) أو (الكتلة التي تكونت بعد الإنتخابات من قائمتين أو أكثر من القوائم الإنتخابية و دخلت مجلس النواب و أصبحت مقاعدها بعد دخولها المجلس وحلف أعضاؤها اليمين الدستورية في الجلسة الاولى الأكثر عدداً من بقية الكتل). و بناءً على ذلك تم في حينه إعلان الكتلة النيابية الأكثر عدداً و تكليف مرشحها لتشكيل مجلس الوزراء.
عقب الإعلان عن نتائج إنتخابات عام 2014 البرلمانية، تم توجيه إستفسار إلى المحكمة الإتحادية العليا عن معنى الكتلة النيابية الأكثر عدداً الواردة في المادة 76 – أولاً من الدستور، فأصدرت المحكمة قرارها بالعدد 45/ت.ق/2014 بأن معنى الكتلة النيابية الأكثر عدداً قد سبق تفسيره بقرارها السابق بالعدد 25/اتحادية/2010. و بناءً على ذلك تم في حينه إعلان الكتلة النيابية الأكثر عدداً و تكليف مرشحها لتشكيل مجلس الوزراء.
أما في إنتخابات عام 2018 البرلمانية فإن الكتل الفائزة في الإنتخابات أدارت ظهرها للمادة 76 – أولاً من الدستور و لقرارات المحكمة الإتحادية العليا الخاصة بتفسير معنى الكتلة النيابية الأكثر عدداً، و تم تكليف عادل عبد المهدي كمرشح لتشكيل مجلس الوزراء بدون الإعلان بصورة شفافة عن الكتلة النيابية الأكثر عدداً على عكس إنتخابات 2010 و 2014 حيث كانت الكتلة النيابية الأكثر عدداً معلنة و معروفة لدى الشعب.
بعد إستقالة رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي بسبب تظاهرات تشرين 2019 و عدم تمكن كتل مجلس النواب من الإتفاق على ترشيح رئيس لمجلس الوزراء وفق المادة 76 – أولاً من الدستور، إستفسر رئيس الجمهورية من المحكمة الإتحادية العليا عن معنى الكتلة النيابية الأكثر عدداً لمعالجة موقف تكليف مرشح لتشكيل مجلس الوزراء، فأصدرت المحكمة قرارها بالعدد 170/إتحادية/2019 بأنه سبق للمحكمة أن فسرت المعنى بموجب قرارها بالعدد 25/اتحادية/2010 و الذي أكدته بموجب قرارها بالعدد 45/ت.ق/2014، و أن قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة و ملزمة للسلطات كافة التشريعية و التنفيذية و القضائية المنصوص عليها في المادة 47 من الدستور (تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية، تمارس إختصاصاتها و مهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات)، و حيث أن المحكمة الإتحادية العليا هي إحدى مكوناتها وفقاً لأحكام المادة 89 من الدستور (تتكون السلطة القضائية الاتحادية، من مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقاً للقانون)، فإنها ملزمة بالأحكام والقرارات التي تصدرها و بناءً عليه تقرر المحكمة الإتحادية العليا إلتزامها بقراريها المذكورين آنفاً، و أن هذا القرار باتاً و ملزماً إستناداً لأحكام المادة 94 من الدستور (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتّة و ملزمة للسلطات كافة) و المادة 5 من قانون المحكمة الاتحادية العليا (الأحكام و القرارات التي تصدرها المحكمة الإتحادية العليا باتة).
تبين بعد إصدار هذا القرار أن تحالف سائرون هو الكتلة الأكثر عدداً باعتباره تصدر إنتخابات عام 2018 البرلمانية بفوزه بـ 54 مقعداً و عدم الإعلان عن تشكيل كتلة أكبر منه في الجلسة الأولى للبرلمان، و لكنه صرح بأنه يتنازل عن حقه لترشيح رئيس مجلس الوزراء لصالح مرشح يختاره الشعب، و على إثر ذلك قام رئيس الجمهورية بتكليف محمد توفيق علاوي كمرشح لتشكيل مجلس الوزراء بدون الإعلان بصورة شفافة عن الكتلة النيابية الأكثر عدداً التي رشحت هذا المكلف، و بعد إرجاء البرلمان لمرتين من عقد جلسة للموافقة على الحكومة الجديدة لعدم اكتمال النصاب القانوني إعتذر هذا المكلف عن تشكيل مجلس الوزراء. على إثرها قام رئيس الجمهورية بالإستفسار من المحكمة الإتحادية العليا عن الخطوة التالية بعد إعتذار المكلف الأخير عن تشكيل مجلس الوزراء، فأصدرت المحكمة قرارها بالعدد 29/إتحادية/2020 بأن المرحلة التي تلي إعتذار المكلف بتشكيل مجلس الوزراء وفق المادة ٧٦ – أولاً من الدستور، يكون الخيار حصرياً لرئيس الجمهورية وفق المادة ٧٦ – ثالثاً من الدستور لتكليف مرشح جديد خلال ١٥ يوماً من تاريخ إعتذار المرشح السابق وفق مسؤوليته الدستورية ليتولى المرشح الجديد تشكيل مجلس الوزراء و عرضها على مجلس النواب خلال مدة أقصاها ٣٠ يوما. و بناءً على ذلك قام رئيس الجمهورية بتكليف عدنان الزرفي كمرشح من قبله شخصيا ً. و لكن رئيس الجمهورية و المحكمة الإتحادية العليا تعرضا للإنتقاد اللاذع و المستمر من قبل الكتل البرلمانية بأنهما خرقا الدستور مما دعا المكلف إلى الإعتذار عن تشكيل مجلس الوزراء. و من بعد ذلك قام رئيس الجمهورية بتكليف مصطفى الكاظمي كمرشح لتشكيل مجلس الوزراء بدون الإعلان بصورة شفافة عن الكتلة النيابية الأكثر عدداً التي رشحت هذا المكلف حسب المادة 76 – أولاً من الدستور و قرارات المحكمة الإتحادية العليا حول الموضوع.
بما أن إحدى واجبات رئيس الجمهورية السهر على ضمان الإلتزام بالدستور حسب المادة 67 من الدستور (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة و رمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، و يسهر على ضمان الإلتزام بالدستور، و المحافظة على إستقلال العراق، و سيادته، و وحدته، و سلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور)، فلقد كان عليه أن يكلف مرشحي تحالف سائرون فقط لتشكيل مجلس الوزراء و لا يقبل بتنازله عن إستحقاقه الدستوري فالأولى إحترام الدستور و قرارات المحكمة الإتحادية العليا منعاً للفوضى. و لكن رئيس الجمهورية و الكتل البرلمانية خرقوا الدستور و قرارات المحكمة الإتحادية العليا و حنثوا باليمين الدستورية وفق المادة 50 من الدستور (اُقسم باللّـــه العلي العظيم، أن أؤدي مهماتي و مسؤولياتي القانونية، بتفانٍ و إخلاص، و أن أحافظ على إستقلال العراق و سيادته، و أرعى مصالح شعبه، و أسهر على سلامة أرضه و سمائه و مياهه و ثرواته و نظامه الديمقراطي الإتحادي، و أن أعمل على صيانة الحريات العامة و الخاصة، و إستقلال القضاء، و ألتزم بتطبيق التشريعات بأمانةٍ و حياد، و اللّـــه على ما أقول شهيد).