أرهقت التوافقات السياسية كاهل العراق وأهله ،وفوتت ما هو كثير من فرص العودة الى الثوابت الوطنية ، ما نجم عنه عواصف سياسية تجاوزت المتبقي من حدود المعقول ، فليس من المنطق في شيء أن تبقى العجلة تراوح مكانها، فيما يخطا سياسيون في كيفية دفعها الى الأمام، لأنهم أصلا لا يمتلكون زمام المبادرة بعد أن تخندقوا بعيدا عن مصلحة العراق وشعبه.
ولأن العراقييين يعيشون هذه الأيام ذكرى عزيزة وملحمة بطولية اسثنائية في أداثها، وفيها من صفحات المجد والتضحية والكبرياء ما تنوء الجبال بحمله، فاستشهاد الأمام الحسين عليه السلام كان انتصارا للحق ضد الباطل وايثارا لمصلحة الأمة قبل أي تأملا ت أو هواجس شخصية، ودفاعا عن المحرومين والمضطهدين، كيف لا وهو سليل النسب الطاهر والعريق في قيم الوفاء والتضحية، ما جعل من هذه القيم النبيلة المحرك الدائم لكل ثورة وحركة تستهدف الاصلاح والتخلص من قوى الاستبداد والتسلط، انتصارا لارادة الشعوب، ما يستدعي التبصر بهذه المفاهيم بدلا من ترديدها فقط والاحجام عن اقتباس قيمها الرائعة.
ولأن العراق يمر بظروف سياسية في غاية التعقيد تنعكس بشكل مباشر على مزاج المواطن ووضعه الأمني والشخصي، ولأن الوقوف على التل بات من بين أضغاث أحلام كثيرة تنتظر الفرج من المريخ ، فيما بني البشر يرسمون لأنفسهم وأحزابهم وطوائفهم من اللوائح ما هو كثير لكنه في المقابل لا يخدم المواطن العراقي بأي شكل من الأشكال، فالعكس هو الصحيح، ولأن استشراء الفساد ولامبالاة طبقة الحكام والمسؤوليين بشعبهم، نقول لكل هذه الأسباب لابد من تعديل منطقي للمسارات ومواجهة النتائج بشجاعة، والتوقف عن التغريد خارج سرب الوطن، فلم يعد مقبولا التغليس على الحقيقة وترك العراق يغرق بأهله، على خلفية توافقات ومزاجيات لن يكون أخطرها التلويح بمواجهة عربية كردية، لأن كردستان تفصل لنفسها ثوبا يناسب قوميتها ولا يهمها من العراق غير المزيد من الأموال، وما جرى في طوزخرماتو قبل يومين الا بداية لهبوب عاصفة مرتبة جيدا، فكيف يرفض عضو في حزب الطالباني الانصياع لأوامر قوة عراقية ماكان ليفعلها في السليمانية مثلا، ما يعني أن القادم ليس سعيدا.
يعرف العقلاء وكثير من السياسيين في العراق أن الاحتلا ل وضع عقدة الاصلاح الحقيقي في منشار دستور كتب على عجل، تحقيقا لأجندات غريبة في ملامحها ، لا تنسجم ومفاهيم العراقيين، كان الهدف منها تكبيل العراق بأولويات غير قابلة للتطبيق على الأرض، لذلك ظلت الهوة عميقة بين مشاريع السياسيين واولويات المواطنين، لكن هذا لا يبرر السكوت المطبق على هذا الخلل، ويفتح الأبواب على مطالبات ملحة و عاجلة قبل فوات الأوان.
ان العراق الذي تعود النظام الرئاسي منذ أكثر من نصف قرن لم يكن مستعدا على مختلف الصعد الى نظام برلماني خرج من فوق السطح لتبقى أسسه متراخية، واستمر الترهل في عطاءه، لأن الجميع مقتنع بفكرة النظام المركزي، لكن عندما يقارن المميزات الشخصية في ظل الوضع الحالي مع الخسائر في حال الانتصار لمصلحة الوطن، فانه يفضل الخلل على الاصلاح، ما يجعل من الحلول ضربا من الخيال، بل هي التسويف الحقيقي للوقت والجهد بعيدا عن قيم القسم الرسمي بالدفاع عن العراق وشعبه!!
والمشكلة الأعظم هي اختلاف النواب والوزراء مع كتلهم السياسية في حال اقرار هذا القانون أو التصويت للمشروع الفلاني، مثلما حدث مع البطاقة التموينية وقبلها ميناء مبارك الكويتي، والقادم صفقة الاسلحة الروسية، فكيف يتوهم المواطن العراقي حلولا يتجاذبها مزاج سياسي معكر بالولادة، وتناحرات شخصية وحزبية تمتد على ايام السنة، وصياح وعويل بسبب او بدونه، ومشاريع مؤجلة بسبب الفساد ومعارضة هذه الكتلة وتحفظ تلك الرئاسة، انها فعلا مضيعة للوقت ، ويجب الخروج سريعا من عنق زجاجة المستحيل، عبر تغيير اسماء المؤسسات فلدينا شرطة للعراق لا علاقة لها بالشرطة الاتحادية في أمريكا، ولدينا دوائر مختصة بالفساد الاداري والمالي لا علاقة لها ايضا بالمفتشيات العامة والنزاهة وغيرهأ فليس كل ما ينطبق على أمريكا يناسب العراق، لا بل الفلسفة الأمريكية ” خربطت غزل ” كل التجربة والموروث السياسي والاداري والاجتماعي في العراق، ولابد من المعالجة.
ونحن هنا لا نريد نظاما دكتاتوريا فضا، ولا استبدادا غليظا بالحكم، بل ندعو الى حكم مركزي يدار بعقليات تكنو قراط تفهم ما يناسب العراق وخليطه الاجتماعي ومحيطه الاقليمي، لأن الرئاسيات الكثيرة في العراق اجهضت الحلول ، وبعثرت الجهود وعكرت الحوارات المنطقية، ولكي لا تخرب وحدة العراق وشعبه، فان نظاما مركزيا رئاسيا هو الحل السريع، ولتذهب السيناريوهات الأخرى الى الجحيم، لأن المهمة الأصعب هي المحافظة على الكيان المدني والمركزي للدولة العراقي، لا بناء جمهوريات موز على اطلاله هذه الدولة الجميلة دائما، عندما يتخلى المسؤول عن عقدة التسلط الأعمى!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]