23 ديسمبر، 2024 5:15 ص

رئاسة وزراء شرفية … و صراع المحاور في طور التوازن

رئاسة وزراء شرفية … و صراع المحاور في طور التوازن

ان السرعة التي جاء بها عادل عبد المهدي توافقيا من اجل التصدي لمسؤولية تشكيل الحكومة , كانت تنذر بأن حكومته لن تكون ناقصة في شيء , بل ستؤدي اليمين بكامل وزراءها و من ثم يبدأ الشروع في خدمة الناس و تقديم الخدمات و اعمار المحافظات المحررة .

لكن معرقلات التوافق و زج بعض الاسماء الغير مرغوب فيها قد حال دون ذلك , ان تكون الحكومة منقوصة العدد من بعض الوزراء هو امر معتاد على مر تشكيل الحكومات السابقة المتعاقبة , لكنه لم يكن متوقعا في الحالية كونها وليدة كتلتي الاصلاح و البناء بعيدا عن اهواء و مزاجات الكتل المتعددة كما كان يحصل .

رغم ذلك و بعد مرور اكثر من مئة يوم , لم يحرك عبد المهدي ساكنا , بل ما يتجلى لنا هو ابتعاده عن المشاورات التي تعقد لاختيار المتبقي من الوزراء و اقتصاره على انتظار ما تتوافق عليه الكتل ! ان هذا المؤشر السلبي يظهر و بوضوح انه لا يمتلك زمام المبادرة في شيء و الوزراء لن يكونوا من اختياره بل مفروضين عليه و ما واجبه سوى الاتيان بهم للتصويت عليهم تحت قبة البرلمان بتوافق الكتل مسبقا , مما يعني ان انعدام التوافق حول الاسماء سيجعل الوزارات المتبقية شاغرة طوال عمر الحكومة , و لعل المماطلة و تقديم اسماء عليها مؤشرات فساد و تبعية تدلل على ان هناك اطراف من مصلحتها بقاء الوضع على هذا الحال اجترارا للتجارب الفاشلة التي سبقت .

هذا الضعف و الهوان الواضح في شخصية عبد المهدي بعدم قدرته على فرض اختياراته الا بعدد محدد , قد انسحب حتى على اداء عمله و اصدار قراراته , لنا ان نأخذ محافظ الموصل مثال شاخص , فعلى الرغم من كون العاكوب محافظ فاسد و عليه مؤشرات كثيرة تتعلق بمخالفات مالية و ادارية و قد تم ذكر ذلك بالتفاصيل في التوصيات التي رفعتها لجنة تقصي الحقائق المشكّلة من اكثر من ثلاثين نائبا برلمانيا , و التي كانت من ابرز توصياتها هي اقالة المحافظ و تقديمه للقضاء , الا ان عبد المهدي لم يسمع لهم و ترك الامور على هواها , ذلك ان العاكوب كان شائعا لدى القاصي و الداني انه مدعوم من قبل فصائل مسلحة و رئيس الوزراء اضعف من ان يواجههم ! فلم يصدر بحقه شيئا و لو على مستوى توبيخ , لكنه اصدر قرار اقالته و الاحالة للقضاء بعد فاجعة العبّارة و غرق العشرات من الابرياء , ذلك ان المحافظ حينها قد اصبح دون دعم او غطاء و الكل تخلى عنه و من قد تبرأ , و الا لما استطاع اقالته و الله يشهد !!! المواقف هذه و غيرها التي تظهر ان عبد المهدي ليس بمؤهل لشغل رئاسة الحكومة , تجعلنا نشكك بنوايا من جاؤوا به و اصرّوا عليه دون غيره , اوهل تم اختياره لانه بهكذا مواصفات و لا يتهددهم في شيء كما فعل العبادي معهم و ليسوا بقادرين على الاتيان بمثل رجلهم الاول المالكي ؟!

العادل عبد المهدي و ليس على غرار سابقيه , حيث المالكي محسوبا على المحور الايراني فكان جزءا من الصراع اصيل كتفا الى كتف معها , مما اوقع العراق وقتها في حرب اهلية فقاعدة ثم تهديدا وجوديا تمثل بداعش , لنعلم ان امريكا لن تترك العراق ملعبا ايرانيا , فالعبادي و الذي كان ممثلا للمحور الامريكي كان في صراع تارة ظاهر و خفي تارة اخرى مع الفصائل المنضوية تحت لواء هيئة الحشد الشعبي , و المتهمة بولائها لايران من اجل محاولة تقزيم دورهم , هذا التشدد الذي كان يوصف به العبادي من قبل بعض الفصائل اودى به خارج سباق الولاية الثانية من خلال احداث البصرة و ما شابها من شغب و فوضى ” متعمدة ” من قبل ثلة مندسّة , و لو تمسك برئاسة الوزراء لولاية ثانية لاحترق العراق حينها بضرب خاصرته الاقتصادية و جعل البصرة ساحة اقتتال داخلي يتهدد العراق وجوديا اعظم من تهديد داعش , فالصراع كان ليكون شيعيا شيعيا , لندرك ان ايران لن تسمح لامريكا تثبيت وجودها و تهديد امنها القومي بوجود قواعد عسكرية على تخوم حدودها .

في العراق , قدوم رئيس وزراء قوي غير مرحّب به بالمرة داخليا من المعظم , و لن يكون مدعوما من اي دولة ان لم يكن تحت جناحها , هذا ما شهدت له كل التجارب السابقة حتى قبل العام 2003 و ليس فقط بما بعده . لذلك و بما ان عبد المهدي الى الان لم يبدِ ميولا نحو جهة دون اخرى , و لا زال واقفا على الحياد و في مسافة واحدة من الجميع , و يتعامل مع جميع الاطراف الداخلية منها و الخارجية على حد سواء بنفس معتدل , هذا يعني ان القوى الاقليمية و الدولية ستعمد الى البحث عن اطراف داخلية تمثل مصالحها و تنفذ توجهاتها من اجل خلق توازن في التأثير , بعيدا عن عبد المهدي كونه ليس محسوبا على اي طرف داخلي او خارجي , الصراع اذن سيكون بين الاحزاب و قياداتها تبعا للمحاور التي ينتمون اليها و يمثلونها , لعل المحور الاضعف باق ٍ هو المحور الوطني في ظل الاستقتال من اجل التبعية !!!

اما ان لم تجد هذه الدول كلها مجتمعة من ينفذ اجنداتها و خططها و يساعد في مد اذرعها داخل العراق , و مالت الكفة نحو دولة بعينها كما السابق دون غيرها , فإنه سيخرج مرغما حتى قبل انتهاء اجل ولايته في العام 2022 .