21 مايو، 2024 7:54 م
Search
Close this search box.

رئاسة مجلس النواب .. خطوات نحو دعم المبدعين

Facebook
Twitter
LinkedIn

لعل من أكثر من تأثر بالتحولات السياسية والاقتصادية والإجتماعية وما تضمنته من حروب وحصار وأزمات مر بها العراق في العقود الاخيرة هم النخب والكفاءات العلمية، التي تعبت الدولة العراقية منذ تأسيسها في تعليمهم وتكوين وضعهم الإعتباري في المجتمع وصرفت عليهم وعلى بعثاتهم الكثير، لكنهم أصبحوا كغيرهم وقودا في محارق تراجيدية مرت وتمر بها البلاد والعباد، ورغم أن كل الكتل السياسية ومرشحي الإنتخابات يجعلون من أولويات برامجهم الإنتخابية دعم المبدعين والكفاءات؛ إلا هذه الفئة لم تقبض منهم سوى الريح، باستثناء بعض المحاولات هناك وهناك لكنها لا تكفي أبدا لحماية هذه العقول من الإستنزاف عبر القتل والترويع والتهجير والإهمال والتجاهل الذي يعيشونه منذ أن طرقت أسماعهم عبارة (العراق الجديد)، ولا يعني هذا أن ما سبق ذلك كان ورديا بالنسبة لهم لكن بعض الشر أهون من بعض كما يقال، فلم تنحدر قيمة العلم وأهله في تاريخ هذه البلاد كما حدث بعض الإحتلال، حين تمكن الرويبضة وصعد الجاهل على الأكتاف وأصبح التوافه سادة القوم.

 

لكن هذا كله لا يعني اليأس أو أن ننفض أيدينا من أي محاولة إصلاح أو ترميم للأوضاع، عبر بعض المبادرات هنا وهناك.

 

ما دفعني لكتابة هذه المقدمة هي بعض الخطوات التي اتخذها رئيس مجلس النواب الدكتور سليم الجبوري في محاولة لتقديم رعاية ودعم للمبدعين رغم كل ما تمر به البلاد من احداث مأسوية تدفعهم للهروب إلى الخارج نفاذا بجلدهم وأبنائهم من محاولات القتل والاختطاف والتهميش، مبادرات الجبوري لم تأخذ حقها الكامل في وسائل الإعلام؛ في وقت تركز فيه الفضائيات والإذاعات والصحف على كل ما يقوم به مسؤولون آخرون في إشعال نيران الطائفية أو سرقة وقضم مؤسسات الدولة العراقية.

 

وفي تطواف سريع على بعض حيثيات هذا الموضوع يمكن أن نتتبع بعض الأخبار هنا وهناك، فبتاريخ الثامن من مارس الماضي استقبل الجبوري في مكتبه نخبة من رؤساء جامعات الموصل وصلاح الدين والأنبار، وبحث معهم واقع الجامعات في هذه المحافظات، والتداعيات التي أفرزتها الظروف الأمنية، وأهمية معالجة ومتابعة شؤون الطلبة النازحين وقبولهم في الجامعات الأخرى، وأتبع ذلك في الثلاثين من نيسان لقاءه مع وفد ضم عددا من رؤساء وأساتذة الجامعات العراقية، واستعرض معهم إمكانية إنجاز وتحقيق التشريعات الخاصة بالواقع الجامعي وضرورة انسجامها مع التطور التكنولوجي واحتياجات الطلبة.

 

أما بخصوص الفنانين وما يعانونه من تهميش لأعمالهم الجادة في مقابل سيادة النمط الإستهلاكي التجاري، فقد بحث مع عدد من الفنانين والإذاعيين العراقيين في الثالث من آيار سبل دعمهم وتقديم المساعدة لهم للارتقاء بالواقع الفني، وأكد على أهمية التشريعات التي تحمي حقوقهم وتهيئ لهم الأجواء لمزيد من الإبداع، وفي نفس اليوم كان له لقاء مع الأيقونة الفنية العراقية والعربية والعالمية الموسيقار نصير شمة الذي جاء زائرا للعراق، وأبدى له استعداده لتقديم كافة أنواع الدعم لإكمال مسيرته الفنية التي تمثل جانبا حيويا ومشرقا للثقافة العراقية في الخارج.

 

هذا عدا عن لقاءاته المتكررة مع الصحفيين والفنانين والنخب والكفاءات العلمية التي تبحث لها عن مكان في عراق تتقاذفه هموم الحرب والنزوح والأزمات الإقتصادية والإجتماعية.

 

ما ذكرته آنفا ليس دعاية للدكتور سليم الجبوري ولكنها محاولة لتحفيز المسؤولين الآخرين في مؤسسات الدولة على التقدم بخطوات ولو صغيرة باتجاه هذه الكنوز البشرية التي تزخر بها البلاد، والتي ضاق عليها وطنها فطفقت تبحث في المنافي وبلدان الصقيع عما يعوضها ما فقدته بين بني جلدتها.

 

وليست هذه الخطوات كافية بالتأكيد؛ كما أسلفت، فلا بد أن تتبعها إجراءات عملية ولجان عمل على الأرض تحول هذه اللقاءات والوعود إلى برامج عمل واقعية، يستفيد منها المبدعون ويحسون بثمرتها.

 

إن مأساة المبدعين والنخب والمثقفين العراقيين في هذه البلاد كبيرة ومخيفة، فقد أصبحوا جزءا من واقع لم يساهموا في صنعه، وفرضت عليهم تقلبات السياسة والطائفية أن يبدل بعضهم جلده أو أن يعمل عكس قناعاته وإيمانه الشخصي في سبيل إرضاء بعض الجهات، أو للحفاظ على حياته على الاقل، وها هي بلدان الغرب ودول أخرى تكتظ بهذه الفئة التي يئست من الإصلاح في بلادها فغادرتها كما تفارق الروح الجسد وما بأيديهم من حيلة، فأصبحت بلدان العالم ودوله تستقبلهم لتكرمهم وتعيد شيئا من الإعتبار لذواتهم التي فقدوها في وطنهم.

 

دعونا نمنح هؤلاء بريق أمل وومضة في ظلام أزمات بلادنا التي لا تنتهي، ليتحرك أصحاب الشأن والقرار نحوهم وليوظفوا خبراتهم وطاقاتهم لمصلحة العراقيين جميعا، وهذا هو اختبار أيضا لوعود السيد سليم الجبوري تجاه من التقاهم، لعل شيئا منها يتحقق، وألا تتحول هذه الوعود إلى مجرد حقن تخدير وعلاجات موضعية، فالمؤسسة الثقافية العراقية تحتاج إلى مزيد من الدعم والرعاية وتحتاج أيضا إلى وقفات لترميمها وإزالة ما علق بها شوائب خلال السنوات العجاف الأخيرة، كي يعود للثقافة العراقية وجهها المشرق المتألق الذي عرفت به عربيا وعالميا عبر رموز قدمتها ولا تزال، وإن كان الكثير لم ينل حظه حتى الآن من الرعاية والشهرة داخليا وخارجيا.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب