22 ديسمبر، 2024 8:08 م

رئاسة المثقف ثقافة الرئيس

رئاسة المثقف ثقافة الرئيس

منذ نشأ العالم وبدأت ذرية آدم تتناسل على الأرض شرع الانسان يتبع توجهات روحه المهنية والحرفية فمنهم القائد والمحارب والأمير ومنهم المعلم والمهندس والطبيب والفنان ومنهم المزارع والتاجر والخياط والحلاق …الخ .لكن المهنة الوحيدة التي تخلد اصحابها على مر التاريخ هي الابداع ،الكتابة ، الفن بكل اشكاله .لذلك مثلا ،لم نكن نعرف شيئا عن التاريخ وطفولة العالم وطقوسه لولا الكتابة التي نقلت الينا اولا عبر الطين ،مثلما لم نكن نعرف سنحاريب وحمورابي وغيرهما لولم يكن لديهم نحّات وكتبة وثقوا لنا حولياتهم وظلت صامدة على مر التاريخ .منذ ذلك الوقت المبكر من تاريخ العالم عرف الملوك اهمية الكاتب والفنان فوهبوهم اهتماما خالصا دون سائر المواطنين .
وعلى مر التلريخ كان لدور الدولة في التعامل مع العلماء المبدعين قصص مختلفة ،فقد اهتم الأغريق والروم والعرب والكورد والترك والفرس والصين وغيرهم بالمبدعين في كل حقبة عاشوا فيها اهتماما اثبت اهمية الابداع لدى ملوكهم وشعوبهم ،وفي قصص التاريخ الاسلامي التي تتحدث عن اهتمام المسلمين بالمبدعين امثلة لاتحصى ،فهذا الخليفة الموحدي الثالث المنصور يعقـوب بـن يوسـف بـن عبـد المـؤمن يقرر انشاء “بيـت الطلبـة” للنـابغين ويشرف عليه بنفسه، حتى إن بعض حاشيته حسدوا هؤلاء الطلبة على موضعهم منه، وتقريبه إياهم، وخلوتـه ً بهم ، ولما بلغ ذلك المنصور الموحـدي فـزع وخـاطبهم قـائلا : “يـا معشـر الموحـدين، أنـتم قبائـل، فمـن نابـه مـنكم أمـر فزعتم الى قبائلكم وهـؤلاء الطلبـة لا قبيلـة لهـم إلا أنـا فمهمـا نـابهم مـن ٍ أمـر فألي ملجــأهم،والي يفزعون ” . ولمـا وضـع أبـو عبيـد القاسـم بـن سـلام كتـاب “غريـب الحـديث” عرضـه علـى عبـد االله بـن طـاهر، فاستحسـنه وقـال: “إن عقـلا َ عمل علـى هـذا الكتـاب حقيق ان لاينشغل صـاحبه بطلب المعاش”، ثم أجرى له كل شهر عشرة آلاف درهم ٌ .كذلك كان ابن ميمون اليهودي الأندلسي له رعاية واهتمام خاص عند صلاح الدين الأيوبي، وكـان طبيبه الخاص . على أن الحكام والأمراء كانت لهم وسائل أخرى إذا لم يستطيعوا أن يجتذبوا العلمـاء، وكـان مـن هـذه الوسائل: شراء مؤلفاتهم .
في الحقبة المعاصرة من تاريخ العالم يهتم كثير من زعماء العالم وحكوماته بالكتاب والمثقفين اهتماما يكاد لايقل عن الازمان القديمة ، وتتفاوت درجة الاهتمام من دولة الى دولة اخرى ، ومع انشغال العالم المعاصر بالحروب والانشقاقات وتسارع الاحداث بدت تتضائل هذه الظاهرة الحميدة تدريجيا ،الا ان متابعتنا للاخبار الاقليمية والدولية اثمرت عن نبوغ رئيس في الشرق الاوسط الملتهب لم تشغله مشاكل المنطقة وأدخنتها عن تخصيص جزء من وقته الذهبي لاحياء هذه الفضيلة عبر رعاية المثفين والمبدعين بجميع تخصصاتهم ،فالمناضل الكوردي المثقف نيجيرفان بارزاني رئيس اقليم كوردستان يتابع بشكل حثيث اخبار المثقفين وقد خصص طاقما كما تقول الاخبار لمتابعة كل مبدع يعاني المرض او شظف العيش ويوصي الرئيس مستشاريه بمتابعة احوالهم واغاثتهم من ماله الشخصي ،فالمطرب العراقي الشهير ياس خضر حظي برعاية خاصة من الرئيس نيجيرفان بارزاني وتم الايعاز بتحمل تكاليف اقامته كاملة في عاصمة الاقليم . ويكرم الرئيس نيجيرفان الكاتب والروائي السوري ابراهيم اليوسف،والفنان الايراني المعروف شهرام ناظري،وبوعز رئيس اقليم كردستان نيجرفان البارزاني ،بتوفير حياة كريمة للشاعر الغنائي كاظم السعدي ، في ربوع اربيل. بعد ان علم بلجوئه الى دار لرعاية المسنين في الكاظمية.ويسارع الرئيس لبعث برقيات التهنئة كلما سمع بتفوق مبدع في ارض الله ،ويحرص الرئيس على ان يكون اول المعزين لرحيل اي مبدع في ارض الله ، وكم شعرت بان الواجب المهني يفرض علي ان اوثق هذه المبادرات العظيمة لرئيس دبلوماسي ومثقف ورصين وانا اقرأ اليوم في الصحف ان نيجرفان بارزاني هو اول الرؤساء المعزين برحيل الشاعر الكبير مظفر النواب ، ان نيجيرفان بارزاني رئيس اقليم كوردستان ، خير من يمثل رئاسة المثقف والمثقف الرئيس .