يلومنا البعض حول الاحتفال سنويا بثورة عاشوراء, تلك الثورة التي احبطها عسكريا حاكم ذلك الوقت (الطاغية يزيد)! ثورة لم تنجح عسكريا, ويقول بعض المخالفين والمتأثرين بالثقافة الغربية متسائلين عن فائدة التذكير بثورة لم تصل للحكم وانتهت باستشهاد قائدها!؟ وما مغزى التذكير بثورة حصلت قبل اكثر من 1350 عاما! مع ان التاريخ الانساني ممتلئ بالحركات الشعبية الحقة ضد الطغاة, فلما لا نعطيها مثل هذا الاهتمام؟ وتكون درس وعبرة كما نركز على ثورة عاشوراء في تحصيل الدرس والعبرة؟
قطعا ان لهذا التساؤلات مبرراتها, وتحتاج لإيجاد الحل لها, لذلك ستكون السطور بحثا في الافكار, وعلينا ان نتعمق بأحداث محرم سنة 60 للهجرة, كي نصل للإجابات الشافية لكل تلك التساؤلات.
· عقبة كبيرة امام الفهم
الملاحظ بالثورات انها تحقق تغييرا للنظام الحاكم الظالم, والا لا يمكن ان تسمى ثورة ان لم تغير الواقع, هكذا هو الفهم العام, اما في واقعة عاشوراء فبعد الثورة بقي نظام الطاغية يزيد ولم يسقط حكمه, بل واستمر حكم العائلة الاموية لأكثر من ثمانين سنة بعد عاشوراء, بل وجاء بعد حكم الامويين حكم عائلة العباسيين وهو نظام شبيه جدا بالحكم الاموي, واستمر لأكثر من خمسمائة عام, ونفس الحجة سيتم ايرادها بشكل أو آخر عن تأثير الثورة في مجالات الحياة الأخرى المرتبطة بالثقافة والاجتماع والاقتصاد.
وهنا يمكن ان نجيب ان ثورة الامام الحسين استطاعت ان تحرك جمود المجتمع الخانع الخاضع, وتدفعه ليترك سلبيته, ويتشكل وعي جماهيري ثوري ضد الظلم والطغيان, والثورة قامت بتعرية نظام الحكم الظالم, وتلهم الاخرين للمطالبة بحقوقهم, وهي ثورة لا يمكن حدها بزمان او جغرافيا معينة, بل ان مداها وزمنها واسع غير محدود.
· الفكرة لا تموت
الافكار خالدة لا تموت, وعاشوراء ممتلئة جدا بالأفكار الثورية, ليس مجرد مصيبة نذكرها للبكاء واللطم والتعزية, بل هي فكرة شعارها طلب الحرية والعدل, ورفض الظلم, ومن اهدافها طلب السلام, وحفظ كرامة الانسان, ورفض استبداد السلطة وسوء ادارتها للبلاد, وعدم التجاوز على حقوق وحريات الناس, وهذه المطالبة عامة الكل يطالب بها, لكن الفارق ليس كل من يطالب بها مستعد ان يضحي من اجل خلود هذه الافكار.
فكانت ارادة الامام الحسين (ع) ان يكون مثلا لكل مطالب بالعدل والحرية, لذلك لم يستجب لكل الاغراءات والتهديدات التي مارستها سلطة الطاغية يزيد, فالخضوع لما تريده السلطة يتنافى مع افكار ثورة الحسين (ع), والتي كان احد اهم شعاراتها (هيهات منا الذلة), والتي تعني عدم الخضوع لضغوطات السلطة الظالمة الساعية لإذلال المطالبين بالحقوق.
خلال هذه الفكرة يمكننا ان نشخص سبب ما يعيشه البلد من فساد وظلم وتضييع للحقوق, الامر واضح هو بسبب الابتعاد عن افكار النهضة الحسينية, فلا يغرنك كثرة عدد مواكب العزاء وعدد المشاركين, الاهم هو من يطبق افكار عاشوراء, فمن يرفض الفساد ويحارب الفاسدين, ومن يمنع ان يدخل بيته دينار حرام هو حقيقته حسيني ثوري, اما من يخضع لإرادة الاحزاب الفاسدة ويكون ذراعا لها فهو يزيدي لعين.
· الاصلاح المبكر
الغرب المسيحي انتظر 15 قرن أي الف وخمسمائة عام ليقوم بمحاولة اصلاح ديني, كما حصل في حركة الإصلاح البروتستانتي المسيحي في القرن الخامس عشر وما تلاه، فهذا دليل واضح على تأخر الغرب كثيرا في اتخاذ الاصلاح نهج وهو دليل تأخر ارتفاع وعيهم, اما الاسلام فكان حراكه الاصلاح سريعا عبر الامام علي (ع) وولديه (ع), وهذا يدفع شبه تأخر المسلمين بحراكهم الاصلاحي, فثورة الحسين مؤشر على جدية الحراك الاصلاحي المبكر للمسلمين, وقد حصل هذا قبل اكثر من 1350 عاما.
وقد حاول المستشرقون التشويش على حركة الامام الحسين وطمس معالم الثورة متعكزين بمقولة تخلف المسلمين بكل شيء.
وقد ذهب بعض المسلمين لتسمية حركة الامام الحسين (ع) بالفتنة الكبرى! لان عقله قاصر عن استيعاب فكرة ان يكون بعض الصحابة منحرفين عن خط الرسول الخاتم (ص), ولان بعض المسلمين يقدسون ويعبدون الاسماء ويرفضون النقد, لذلك يرفضون تسمية حركة الامام الحسين بالثورة, للحفاظ على مقامات الظالمين من الطعن والنقد.
· الثورة ضد النفاق السياسي
المتتبع للأحداث العاشورائية يلاحظ تمسك السلطة بالخطاب الديني وادعائها الالتزام الديني والسعي للحفاظ على الشريعة, وهدف الطاغية يزيد هو استمرار الاسلام! وهذه الافكار كان يحملها علماء السلطة واهل المنابر والمحدثين, فكانت ثورة كربلاء ضد النفاق السياسي ومحاولة لتعرية كل من يدعي انه جندي للحفاظ على الدين والشريعة, لذلك فعلماء السوء واهل المنابر ممن يعتاشون على دنانير السلطة ويدينون بدين السلطة لم يجدوا حلا للحفاظ على مكاسبهم الا الاشتراك في جريمة قتل الامام الحسين (ع).
وسبحان الله ما اشبه اليوم بالبارحة, فما اكثر اهل النفاق السياسي الذين نصبوا انفسهم حماة للدين وهم اقذر خلق الله.
ونؤشر هنا ان من اهم افكار النهضة العاشورائية هو نزع لباس القدسية عن الزمرة الفاسدة, وتعريتها, وفضح نفاقهم وان شعاراتهم فقط للضحك على السذج, وخلع الشرعية عنهم.
· توظيف الدين لخدمة السلطة
عند التأمل في تاريخ المسلمين الماضي والحاضر نجد انهم عاشوا ويعيشون خدعة مستمرة, وتضليلا لا انعتاق منه, بسبب حكومات توظف الدين لمصلحتها بطريقة ظالمة وملعونة، ورجال لبسوا عمامة الدين ليشرعنوا حالة الظلم وانعدام العدل التي يعيشها الناس، بحجج شتى منها:
1- ان الخروج على الحاكم وولي الامر فتنة عمياء ومفسدة.
2- ان من اشتدت وطأته وجبت طاعته.
3- لكون ولي الامر ظل الله على الأرض ويجب طاعته.
4- حرمت الخروج حتى على الحاكم الظالم.
ومن عشناه في زمن الطاغية صدام خير شاهد عن توظيف الدين لخدمة الطاغية, واليوم نجد تجسد واقعي للطاغية يزيد في الواقع السياسي حيث يتم مطالبة الامة بطاعة المتجبرين تحت عناوين دينية واستغلال حالة الجهل المطبقة المسيطرة على فئات واسعة.
ان الثورة الحسينية هي اصلاح ديني قبل ان تكون اصلاح اجتماعي وسياسي، في تعرية مستخدمي الدين لغرض السيطرة على الجماهير, وتحقيق مكاسبهم الخاصة وليس مرضاة الله, ليكون الناس واعين مدركين لمن يحاول ان يخدعهم, ويستغل حبهم للدين, لتصبح الارض بعد ارتفاع وعي الامة الى جنة حقيقية لا مكان فيها للمنافقين ادعياء التدين.