18 ديسمبر، 2024 7:56 م

رؤى التنوير في شعر كاظم الحجاج

رؤى التنوير في شعر كاظم الحجاج

ان طائفة صغيرة من المثقفين ستطيل التفكير والتأمل في الحقائق الاساسية والجوهرية ، في حين ان الاغلبية العظمى من الرجال او النساء سيمالئون شكلا من هذه الحقائق من غير معرفة مسبقة منهم بأنهم يفعلون هذا الامر ، وهذا هو الذي يمنحهم ممارسة الطقوس الشعائرية … شكل لا واعي من العيش المتناغم ، وهكذا سنرى شاعرنا الحجاج من جملة هؤلاء المثقفين الذي اطالوا وما زالوا تفكيرهم بالحقائق الاساسية والجوهرية ، فهو في خلاصات السبعين يعطي خلاصات جريئة وعظيمة لشاعر مجيد بين من خلالها موقفه من كثير من القضايا دون مواربة او خشية من احد اذ بين مواقفه من : الدين، العشيرة، الاحزاب، المجتمع ، السياسة ، وهكذا دون خشية اومخافة لوم من احد، موقفه من مدينته(البصرة) التي يعشقها كثيرا،
البصرة في عينيه قد لفظت انفاسها بيئيا واستحالت لمدينة ملوثة سيئة في جوها ،فالجو في البصرة يبتدأ وصف تلوثه البيئي لينتهي بوصفه ملوثا فكريا …
تركت التدخين ، لان هوائي
قد صار دخانا ايضا
هل يمكن ان احيا بين دخانين
هواء البصرة و.. النيكوتين؟
هواء البصرة يبدو انه ليس فقط الملوث ، بل ان البصرة قد حوت الملوثين الذين سرقوا المدينة واقتسموا ليس البصرة فحسب ، بل العراق برمته ..
القاموس يسمي سراق الاوطان … طوائف
او قوميات
او احزابا حتى
بالتالي يعطي الحجاج صورة لكيفية سرقة الوطن باسم الدين مرة ، وباسم القومية مرة وباسم الحزب اخرى .
ويسمي الاخوان ,,, احقا هم اخوان ؟
الاخوان الشيعة والاخوان السنة
والاخوان الاكراد
اقتسموا بغداد…!
فهنا يتساءل الحجاج .. احقا هم اخوان كما يرفعون شعارهم المعتاد (اخوان سنة وشيعة هذا البلد ما نبيعه)

لقد مهد الحجاج الى ان هؤلاء الاخوان عرب وكورد وسنة وشيعة سرقوا الوطن باسم قومياتهم واحزابهم وطوائفهم ، ثم رجع ليتساءل ، احقا هم اخوان؟
بالتالي الكل اقتسم البلد حتى الكورد اقتسموا بغداد وهنا نرى التشكيل والايقاع الداخلي الجميل الذي يضعه الحجاج لقصيدته .
ثم يأتي الحجاج ليصور اقسى صور السرقات التي تمت بتاريخ العراق باسم الدين ، صفات هؤلاء السراق ، شعاراتهم ، صورهم …. الخ.
هم سراق لكنهم ورعون، اسم الله يتضح في تشكيلات صورهم ، الجبهات المدبوغة بالايمان، المحبس في الخنصر والسبابة ، السبحة .. سوداء ، صفراء ، سوداء سواد القلب ، كناية عن سواد قلوبهم وحقدهم وضغينتهم ، وصفراء كناية عن كذبهم ، يجمعهم الايمان ، اي ايمان؟ ايمان السبابة والكذب ، فهم سبابون ، كذابون .

السراق الورعون
اسم الله على الجبهات المدبوغة
(بالايمان)
واسم الله على المحبس في الخنصر
والمحبس في السبابة
من كثر السب
واسم الله على السبحة
ان كانت سوداء… سواد القلب
وان كانت صفراء
بلون الصحف الكذابة
عذرا جاءت قافية لم أقصدها بين السبابة والكذابة!

ثم يأتي الشاعر ليبين في خطوة تنويرية عظيمة معنى الاله/الله .
الايماني الجواني … الضمير …الانسانية الفقر المادي والمعنوي.
والله ليس الاله الموجود فوق سبع سماوات ، الله هو الداخل هو القلب هو الضمير هو المعنى ، هو الانسان هو الحب والمحبة هو رفض الخداع ،، هو ثقافة وفكر
في ايامي كان الدين كذلك،
الله بداخلنا . لا فوق سماوات
سبع
الله ضميري وضميرك
ان تؤمن يعني الا تكذب يعني الا تنهب
الا تنهب حتى بنتا ممن يهواها
في ايامي
ما كنا ننظر في اعين بنت
يهواها صاحبنا
في ايامي ما كان نشتهي قمصانا او اربطة
بل كتبا
والى ان مات صديقي في الاعدادية لم اعرف ان كان مسيحيا او شيعيا
حتى اخذوه الى مقبرة الفقراء
انا تمتمت رثاء في الاعدادية من اجل صديقي
نحن الفقراء اجلنا اكل التفاح الى الجنة !!!!!!

وهكذا فالايمان الجواني هو الايمان الحقيقي الله / الداخل … لا فوق سبع سماوات ، ايمان المتصوفة بالانسان ، المعنى الاسمى ايمان المعنى نفسه، بعيدا عن مبغى المعبد، ومسعاه لتحويل الايمان الى داة شرطية بيد رجل الدين في مسعى واضح لتدجين الانسان بالدجل واقصاء الانسان منه لتحويله الى بشر لا يفقه من الانسانية شيء ، دينه الشعارات ومنهجه الاذى .

والايمان الجواني الذي يريده الشاعر يختلف عن ايمان الطائفيين ففي قصيدته (اذان القرية مسموع اكثر) التي كتبها في 29/3/2013 وكيف فرقت المذاهب الناس وجعلتهم يتقاتلون تحت عنوان (الفئة الناجية):
كي لا يسمع طلابي عند الظهر
اذانين مختلفين
من منارتين جارتين
اذان يكره اذان
منارة تخزر منارة
بلال يكره بلالا … والى اخره

كما يطلب من مريديه ان يصغوا اليه وهو يفتيهم /يعلمهم
لا تصغوا لاذان غير عراقي
وهنا تأتي (اذان/نداء) فهو لايريدهم ان يغروا بجيران السوء الذين دمروا العراق وساهموا بدماره وما زال بعضهم يفعل ذلك وبوحشية كبيرة .

والحجاج نراه يعكس المعاني التي الفتها ادمغتنا ، فمعنى النهب عند العراقيين ، عندما يأخذ شخصا امراة يحبها كان قد رفض اهلها تزويجهما ، فيقوم الحجاج بعكس معنى (النهب/النهيبة)
يعني الا تنهب
الا تنهب حتى بنتا ممن يهواها!
فيعكسها لدى المتلقي لمعناها السابق ويعتبر ان الناهب ليس الذي احبها وهرب معها ، بل الذي منع زواجها ممن تحب .

والنهب لم يقتصر ذكره عند الحجاج في بداية الخلاصات انما ركز عليه في قصيدته التي وردت في نهاية الخلاصات والمعنونة (روزنامة) اذ عالج من خلالها سياسيي العراق وسرقاتهم بشكل واضح لالبس فيه:
عن حكام العراق السابقين والسارقين واللاحقين
ناقش فيها الفترة الملكية وحمل العراقيين الغدر بالملك الصغير فيصل الثاني:
وثلاثتهم لم يملكونا … ابدا بل هم لم يحموا ثالثهم الصغير
من غدرنا!!
مع انه لم يخف نقده للفترة الملكية اذ نراه يقول :
غازي الذي كان عاقلا
بدرجة “القذافي”
مات غير عاقل بسيارة سباق كما يقولون
مع من ولماذا؟ ملك يتسابق؟
و(مع من) تثير شكوك عن علاقات الملك الشاب الذي كان قد اتهم بالمثلية .
اما ولده:
الملك الصغير اليتيم الوسيم زار مدرستنا وبعدها لم نره.
الى ان قتلناه صبرا وهو يحمل المصحف
وهنا يزاوج بين التاريخ والحاضر بصورة تبين ان تاريخنا افضل من حاضرنا بكثير :
يكمل فيقول :
يقولون !!
حمل المصاحف نجح في صفين ورسب عندنا
اذا كانت
حيلة عمرو بن العاص قد اوقفت تقدم جيش علي بن ابي طالب في القضاء على جيش معاوية وعمرو بن العاص ، فبعد رفع المصاحف انقسم جيش علي بين رافض لرفعها وبين مطالب بالسلام وايقاف القتال ، وانتصر الطرف الثاني ورجع جيش الكوفة متحسرا على عدم كسبه القتال فبذلك نجحت حيلة عمرو بن العاص الا ان رفعها عند الملك الوسيم كانت ليست حيلة بل طلب والتماس الا ان العراقيين رسبوا في هذا الاختبار الحقيقي.

يحول الحياة بأجمعها الى الوان في قصيدته (احلامي مثلي في السبعين) بدون ضوء بمعنى ان الالوان بدون اضاءة لا تسوى شيء ، وهي رؤية علمية لان الفيزياء تقول :
(ان الالوان لا ترى بدون اضاءة فالالوان يحددها مقدار الضوء)
فالحجاج يعطي الحياة لونها الاسود بسبب هؤلاء واقصاءهم للمعاني الانسانية ، اي ان الالوان تختفي فتبقى العتمة ، لا اضاءة ابدا.
احلامه كبيرة بحجم الحياة ، بل بحجم الكون، فالاكفان واضحة في احلامه ، ففي الثمانينات عاش الحجاج كما كل العراقيين حربا ضروسا اكلت الاخضر واليابس ، فابن اخته قد اكلته الحرب فكانت زفته بالحلم واخته كانت تلبس الاسود، غادر دون فرحة بسبب الطغاة ، وبسبب حرب البعثيين/العبثيين تجاه ايران ، وهكذا جعل القهوة بلونها الاسود تدل دلالة كبيرة على الاسى الذي ينتاب الشاعر وهو يرى اخته قد زفت لودها للحرب ولبست السواد بدلا من زفافه لبنت جميلة المنظر
الاحمر والاسود
جرح ابن اختي أحمر
اختي تتباهى قدامي
انظر ثائر في طولك
بسم الله عليك
وثائر لم يسمع صوت القصف الاول
كان يغني
في الليل حلمت بثائر
كان قميص ابن اختي ازرق
حتى في الحلم الابيض والاسود
وسبحان الله ابن اختي حتى في الحلم تزوج بنت الجيران
وكانت عيناها خضراوين
انا اعني حتى في الحلم ولكن اختي حتى في الزفة كانت بالاسود
فنجان اخر
ادري قهوتنا في العلبة ما عادت تكفي

ان علبة القهوة ما عادت تكفي لتصوير الايام السود التي مرت بالعراقيين
انا عمري سبعون الان
انا اعني سبعين وعامين تماما
وانا مذ عمري عشرون
حلمت بسوق في العشار
بتسعة ادوار والعاشر للسيارات
انا بطران احيانا في احلامي
حتى في العاجل في التلفزيون
افتتحت منذ قليل اوبرا الفارابي
بالعشار ومدرسة للباليه بحي الجمعيات
وسباحات البصرة فزن على سباحات مدينة برلين
البرلينيات تعجبن من المسبح
في باب سليمان المنتخب الوطني
التاسع في تصنيف الفيفا
فلمان عراقيان من الموصل والحلة
في الاوسكار
رئيس الوزراء يزور الاستاذ فلانا
في شقته في حي الادباء
يهنئه بالترشيح الى نوبل
فنجان اخر؟ لا بل كأس نبيذ أحمر

فلا حلم تحقق لدى الحجاج ، لا سوق في العشار بتسعة ادوار ولا اوبرا، ولا مدرسة للباليه في الجمعيات ،وكل ما ذكره الحجاج من هذه الاحلام سوق للرفاه الاقتصادي واوبرا للانتعاش الموسيقي والرفاه، ومدرسة للباليه لتعلم الرقص للبنات ، وتسهم في التنوير في مجتمع يخيم عليه الظلام.
فينبغي ان تعاد الجماليات هذه لدواعي الحضارة والاخلاقيات ولمتطلبات الثقافة ، والاعمال المخلقة للافعال الفطرية التلقائية والكلمة التي يكتبها الحجاج هي الصوت الحي والثقافة التي يبغي وجودها في مدينته كفنون تتغذى من الثقافة بوصفها شكلا مميزا من اشكال الحياة.

كذلك لا سباحات في البصرة ، فلا يوجد فريق نسوي للسباحة ، فالمجتمع بتقاليده البالية لايسمح بذلك فلا مسبح لهن في باب سليمان وهي احدى القرى الغافية على سواحل شط العرب، فلو كان هكذا حلم من صيغة الواقع ، لما تبددت رؤاه واحلامه في السبعينات وهو لم ير مدرسة للباليه ولا فلم عراقي قد ترشح لجائزة الاوسكار ، من الموصل والحلة ولا اديبا عراقيا قد ترشح لنوبل ، ولا حي للادباء والحجاج فتى السبعين لا يزال لا يملك بيتا له .
فالقهوة بسوادها كانت صورة استلهمها الحجاج لعكس حالة السواد الذي يخيم على البلاد وتمنع الظروف التي يمر بها العراقيون وما زالوا مثل هكذا افكار عظيمة وجريئة تصنع مستقبل الاجيال ، وهنا نرى احلام الشاعر مؤجلة فكيف تبصر النور والظلاميون يتحكمون في المجتمع ويفرضون ارادتهم بالقوة ، لكني اقول للحجاج صحيح انه لم يترشح اديب عراقي لنيل نوبل من رحم هذه الاحلام، الا ان نادية مراد قد نالتها من رحم المعاناة وما فعلته التنظيمات “الجهادية” الارهابية في الايزيديين وكيف تعرضت ناديا لكطل هذه الكوارث هي وةشعبها فجاءت هذه الجائزة العظيمة لتتوج معاناة العراقيين ببلائهم بالتنظيمات الارهابية .
وينحى الحجاج منحى اخر في قصيدته (خلاصات السبعين) التي كتبها في 28/1/2018 ، فهي عبارة عن مقاطع مشكلة عبر معمار القصيدة يتكلم في كل مقطع عن شان مجتمعي ، فهو لم يؤذ العراق بل كان وما زال خفيفا على ارضه
فخور لاني نحيل
لاني خفيف
على ارض هذا العراق
لا ادوس التراب
كما داسه الاخرون
(نحيل،خفيف) بمعنى انه لم يسرق من المال العام كي يكون سمينا ،فبقي نحيل وهو فخور بذلك ، وخفيف فهو لم يثقل نفسه باموال وافكار ظلامية تسود العراق بل هو لم يدس ارض العراق كما فعل الاخرون، وينتقل للمقطع الثاني ليصور كيف حول السمين الثقيل ارض العراق الى ارض لا تشبه اراضي العالم الغربي العظيمة ولا تلتقي معها باي وجه شبه:
لكل البلاد الغربية عيب وحيد
عيبها انها اينما وجدت
فالعراق بعيد
فالعيب ليس في بلاد الغرب بل في العراق الذي بعدت شقته على منافستهم
العراق اليوم بعيد كل البعد عن الحرية ،الديمقراطية ،الرفاهية ، العدل والعدالة الاجتماعية ، كيف لا وانا اكتب حاليا هذه الدراسة ويسقط الروائي الدكتور علاء مشذوب صريعا على يد زمرة قاتلة مأجورة ، في زمن (الديمقراطية) هذا من سيتحمله اكيد ان من يتحمله هم طغمة الفشل في الدولة العراقية .
ويبقى الحجاج واصفا لوطنه فهو محسود، يريد الكل قضمه كما التفاحة ويدعو لان يحميه الله من الدود…
هذا الوطن المحسود
الوطن التفاحة
يحميه الله من الدود

فمن اخناتون الى الامريكيين اي منذ الاف السنين وحتى زمن الاحزاب الدينية الذين جاءت بهم الدبابة الامريكية ،
الدين لله والوطن للأقوياء
الذين يتحكمون به وفق منطق السلاح ويحوزون كل شيء ضمن منطقه، لذلك اضحت خارطة العراق اليوم نحيفة فقد كانت قبل ازمان اسمن مما هي عليه اليوم….
ونحن في الابتدائية كانت خريطة العراق اسمن مما هي اليوم؟وبعد ان سيطر الاقوياء على الوطن /التفاحة ،فبعد اجراء المقابلة بين المقطعين نجد ان الاقوياء هم الدود الذين داسوا البلد حسب المقطع الاول فبترتيب المقاطع يكون لدينا:
الذين داسوا الوطن
الدود
هم الاقوياء
بالتالي اصبحت خريطة العراق نحيفة جدا اذ كانت اسمن مما هي اليوم

وفي استراحة محارب /الحجاج يرجع لأمه الرؤوم /البصرة لكي يعبر عن عظمة ابنائها وعظمة فكرهم وشعرهم
نحن البصريين
نطفئ الشعر حين ننام
ونؤرق مصباحنا للضيوف
فالبصريون هم اهل الشعر واهل موائده وهم اهل الكرم والضيافة وهم ال(نحن) القابعة في فكر ووجدان الحجاج ونحن متلازمة معه في شعره معبرا عنها بوجدانه الكبير .
وفي رؤية لا تخلو من السياسة في شعر الحجاج فشعره يغلب عليه السياسي كما الاجتماعي كما التنويري فهو بحق شاعر الاصلاح.
وانا في السبعين الان
احن الى الدراجة
بين بيوت محلتنا(الفيصلية )
والى الابواب
نصف المفتوحة في نصف الليل
لاجل المنشورات

هذه القصيدة التي صبغها باللون الاحمر (رايات عشائرنا كانت حمراء ) والتي يقصد بها رايات الحزب الشيوعي العراقي وكيف ان اغلب العشائر وابناءهم في تلك الفترات قد انتمت الى الحزب العريق وحملت الاعلام الحمراء ، وهو يحن الى تلك الايام، التي كان فيها المنشور هو الذي يوصل صوت الحزب الى مريديه ، وهو منهم بل في لبهم اذ نفهم انه كان يستقل دراجته حتى يوصل المنشورات الى الابواب نصف المفتوحة في تلك الايام والليالي الخوالي،

ويؤكد مرة اخرى على البصرة :
جدي ابو عثمان الجاحظ
كان عفيفا جدا مع النساء
شكله لا يؤهله للزواج
ولا للزنى
فالجاحظ لم يك عفيفا حسب ما راى الحجاج في قراءته السايكولوجية هذه، بل ان شكله هو الذي لم يؤهله للزواج .
وفي مقطع فلسفي ينتقد فيه الاساطير الدينية يؤكد على اننا سائرين مقتفين نهج ادم في الخطيئة حسب الاسطورة ، فالحجاج لا يتوانى عن اكل التفاح في الجنة بل سيأكله على الرغم من العصيان
نحن الكسالى لم نزرع تفاحا
ولهذا اجلنا اكل التفاح الى الجنة.
بمعنى نحن هنا لا نقوم بالشعائر والطقوس ومعصيتنا مستمرة واكلنا للتفاح سيكون في الجنة حصرا ، اي: ان المعصية في بني ادم لا تنقضي
وفي مقطع مكرر يبدو ان الشاعر قد وقع من خلال ايراده بالتكرار الذي ما كان له ان يقع فيه:
تتذكرنا ايام الحزب الاولى
في محلتنا الفيصلية
حيث الابواب
نصف المفتوحة في نصف الليل
لاجل المنشورات
وهو مقطع مكرر في قصيدته السابقة (رايات عشائرنا كانت حمراء) اذ يقول وحسب ما سبق:
وانا في السبعين الان
احن الى الدراجة
بين بيوت محلتنا الفيصلية
والى الابواب
نصف المفتوحة في نصف الليل لاجل المنشورات
فما كان عليه ان يقع في ظاهرة التكرار هذه، ويستمر الحجاج واصفا اهل الجنوب الملتصق بهم والمعبر عنهم خير تعبير
مثل خبز الارياف
نحن اهل الجنوب
نخرج من تنانير امهاتنا
ساخنين
لاجل ان نليق بفم الحياة
هذا الكبرياء الذي يحمله حجاجنا ليعبر عن عظمة اهل الجنوب الذين لم ينصفوا كثيرا ، فما زال بعضهم يصفهم باوصاف لا تليق بهم (معدان/محافظات/ هنود) وغيرها من الاوصاف التي لا تليق باهل الجنوب فيأتي الحجاج ليعبر عن اهل الجنوب خير تعبير بانهم ساخنين لاجل ان يليقوا بفم الحياة
نأكل الخبز حتى يعيش بنا
لا نعيش به
فالخبز يعيش باهل الجنوب ،لا اهل الجنوب يعيشون به
وهذا يذكرني ببيت ابي تمام
ثوى في الثرى من كانيحيى به الثرى
وهكذا فالخبز يحيى باهل الجنوب
كل شيء في الجنوب عظيم
كلاب الجنوب وحدها تتقن الاعتذار
تنبح الضيف وسط الظلام
وتمسح اذياله في النهار

بهم يكون الوطن وطنا
حين نغترب
تتجمع اوطاننا مثل قبضة كف
وتنبض تحت الضلوع
فنبض حب الاوطان تحت ضلوع الجنوبيين ، وهذه عظمة محبتهم كما ان حزنهم السرمدي على الحسين جعلهم يعيشون في الدائرة الاسطورية الحزينة
نبكي لنستريح
فالشرق دمعتان
للحسين يا بني والمسيح
وهذا المقطع يشبه الى حد كبير مقطع الجواهري الذي يقول فيه

في اللاذقية صرخة ما بين احمد والمسيح
فهذا بمطرقة يدق وذا بمئذنة يصيح
فاستخدام لفظة الشرق ، الحسين، المسيح، جاء له ما يشبهه في شعر بعض الشعراء
فاستعاض الحجاج عن اللاذقية ب الشرق وعن احمد والمسيح بالحسين والمسيح . واللاذقية في الشرق والكلمتان صرخة ودمعة تشيران الى واقع الاحتفاء الديني .
يستمر الحجاج بتعلقه بالبصرة ومناطقها وازقتها ويؤرخ لكل شيء فيها
في الشناشيل … في قلب نضران
ام تعلق قمصان ابنائها
تعمدت الا اراها تعلق ذاك القميص
وهيأت عيني للحزن
وهو هنا يرثي لحال هذه الام المفجوعة بأولادها
اما في مشهد الختام في القصيدة :

وانا حلمان
كمثل رفيف الموت الاتي من ميلادي
اتمنى اخر صوت اسمعه
صوت رقية صغرى احفادي
اش لا تبكوا خلوا جدو نايم !!!
وهذا المقطع بالتحديد مستنسخ من قصيدة الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد (الزائر الاخير) من حيث المعنى بل حتى الايقاع الداخلي ( هذا التشابه نبهني عليه الصديق المهندس مهند كاظم محمد وهو متذوق للشعر العربي ومتابع لشعر عبد الرزاق عبد الواحد وفي جلسة جمعتنا قال لي : ان هنالك تشابه كبير بين المقطعين للشاعرين ،ومن هنا بدأت بكتابة هذه المقابلة التي تدل على التناص في مقطعه هذا .)اذ يقول عبد الرزاق عبد الواحد :

من دون ميعادِ
من دون أن تُقْلِقَ أولادي
أطرق عليَّ الباب
أكون في مكتبي
في معظم الأحيان
أجلسْ كأيِّ زائرٍ
وسوفَ لا أسألُ
لا ماذا ولا مِنْ أينْ
وحينما تُبْصِرُني مُغرورقَ العينينْ
خُذْ من يديْ الكتابْ
أعِدْهُ لو تسمحُ دونَ ضجَّةٍ للرفِّ حيثُ كان
وعندما تخرجُ لا توقظْ ببيتي أحدا
لأن من أفجع ما يمكن ان تُبْصِرُهُ العيونْ
وجوهَ أولاديَ حينَ يعلمونْ

فالقصيدتان متشابهتان من حيث:

وانا حلمان كاظم الحجاج يقابلها من دون ميعاد لعبد الرزاق فالحلم ياتي دون ميعاد ايضا
صغرى احفادي للحجاج يقابلها من دون ان تقلق اولادي
اتمنى اخر صوت اسمعه صوت رقية
اش لا تبكوا خلوا جدو نايم للحجاج يقابله للشاعر عبد الواحد

خُذْ من يديْ الكتابْ
أعِدْهُ لو تسمحُ دونَ ضجَّةٍ للرفِّ حيثُ كان
وعندما تخرجُ لا توقظْ ببيتي أحدا
لأن من أفجع ما يمكن ان تُبْصِرُهُ العيونْ
وجوهَ أولاديَ حينَ يعلمونْ

فالحجاج علق القصيدة باحفاده وان رقية هي اخر صوت يسمعه قبل ان يموت

وعبد الرزاق الشاعر الكبير علق قصيدته باولاده (وجوه اولادي حين يعلمون)

(اش لا تبكوا خلوا جدو نايم) (لا توقظ ببيتي احدا)
الفرق ان قصيدة الحجاج كان الاحفاد يعلمون بموته فتطالبهم رقية الا يبكوا لانه نائم كي لا يزعجوه مقطع تراجيدي محزن
في حين عبد الرزاق خوفه على اولاده لا يريدهم ان يعلموا بموته وان تكون مغادرته خفيفة جدا دون علمهم .

بالنتيجة كلا القصيدتين تتاشبهان تماما من حيث الرؤية والفكرة ويبدو ان الحجاج كان قد تاثر كثيرا بقصيدة الزائر الاخير للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد

اما في قصيدة (هنا في ظلام النهار)
حيث النداء الى ايقونة المعمار العراقي الراحلة زها حديد وفيها عتاب يوضح معاناة الشاعر وهو يرى بلده ممزقا ومدمرا:
يا زها حديد
قبل ان ترحلي
لماذا لم تصممي لنا وطنا سياجه بعلو النخيل
النخيل هوية البصرة كذلك فان عظمة هذه الشجرة وتمثلاتها في المدينة له وقع في القلوب والعقول عندما يطلب الشاعر ان يكون سياج الوطن بعلو النخيل لما للنخل من شموخ لدى العراقيين (ارض السواد)
كيف لا والوطن يئن في ذلك كثيرا بسبب من اسماهم (تجار قريش)
تجار قريش سادتنا
قبل الاسلام وبعد الاسلام

وهكذا لم يجد الشاعر بدا من ان يذكر ان الاسلام لم يستطع ان يحسن من صورة المجتمعات ابدا ، فبقي سادات قريش سادات للعرب قبل وبعد الاسلام، اي : لم يستطع الاسلام ان يضع حد لاي شيء بل استمرت المجتمعات تتصرف كما قبل الاسلام ، لم يقدم شيء للمجتمعات ابدا ، كما اراد ان يبين الشاعر
نحن المخلوقين من الطين
ما زلنا في الطين الى الان
نريد العيش مع السمراوات
الحوريات لكم منا
وهذا خطاب واضح ضد الذي يفعله المسلمون اليوم من تطرف وارهاب يفعلونه كي يصلوا الى الجنة ويدخلوها كي يفوزوا بالحور العين/ الاسطورة فالشاعر يقول لهم : نحن نريد العيش مع النساء في الارض ونترك لكم الدين بأكمله وحتى حوريات الجنة خذوها انتم فقد مل الناس هذا الكم الكبير من التطرف والارهاب والتعصب وقتل الناس
الحجاج يصرخ انه لايريد الجنة السماوية التي يتقاتل من اجلها الارهابيين ويختلقون كل هذه الازمات ، لذلك ينادي عليهم وهذه المرة بصوت واضح وجهوري لا لبس فيه
يا سيد ياشيخ
ا نا ما خنت امرأتي السمراء
هنا فوق الارض
أأخون هناك
الحوريات لكم منا
وهو بالتالي يقف ليعتبر ان تعدد الزوجات خيانة ، فينادي اني لم اتزوج على امراتي هنا في الارض لذلك لا احتاج هذا الكم الهائل من الحوريات في الجنة .

عاجل في الbbc
لن يرحل عزرائيل
الى بلدان اخرى
هذا ما يضعه الحجاج من وصف لحال العراق اليوم بعد ان استأسد عليه الظلاميين واصلوه الى الحال الذي نراه.
والصاحون في رؤيته هم الذين يسكرون / يشربون وهم من اعظم الناس ، تولستوي، دستوفسكي، بوشكين، كورساكوف، لينين، بوتين
لقدظلووا اعظم الصاحين في العالم وانتجوا اعظم المنتجات الفكرية /الادبية ، اما من يحرم الخمر فلم ينتج غير الدمار والعار ،
ناقل الكفر ليس بكافر
يقول الفقهاء
بينما يا اخي
ناقل الخمر في اقليم الجنوب
قد يقتله صبيان الاحزاب
وهذه صرخة الحجاج بوجه القتلة الذين سفكوا دماء الناس لاسباب تافهة ومنها نقل الخمر وبيعه، اذ يتعرض من يمتهن هذه المهنة الى القتل على يد الصبيان من هؤلاء كما يسميها الحجاج
وناقل الخمر حسب “فقهاء المسلمين” ليس بكافر اما ناقل الخمر في عرف الميلشيات يقتل وهذا ما شهده الحجاج في هذا الزمن وراح يصرخ به .
ليفضح من يقف وراءه ولتبق صرخته مدوية عبر التاريخ عبر هذه المقابلة
ناقل الكفر ليس بكافر ===== ناقل الخمر كافر /يقتل
والغرض منها ان يفضح هؤلاء الذين قتلوا الناس ، ثم تأتي صرخته الكبرى داعيا لزوال التنظيمات المتطرفة :
في مجالس العزاء في الجنوب
يضحك حتى اهل المتوفي
من دعاء الجمعان المسموع
ان شاء الله عساها خاتمة (الاحزا…….ب)
فعبارة خاتمة الاحزان قابلها الحجاج ب(خاتمة الاحزاب) اذ رفع النون من كلمة الاحزان وابدلها بالباء فاصبحت الاحزان (الاحزاب) فاستبدلت العبارة من عبارة حزن واستكانة الى عبارة صرخة بوجه احزاب السلطة /الصبيان الذين سرقوا العراق فهم كتجار قريش قبل الاسلام هم سادة المجتمع وبعد الاسلام لم ينفعهم الاسلام شيئا
وقبل النفط وبعد النفط
لهم بيت الله وبيت المال
امويين وعباسيين
الى يوم الدين
بلا (أمين)

ان هؤلاء الاحزاب هم كالامويين والعباسيين لافرق لانهم جمعوا المال والدين والسلطة ….
ثم يعود ليخاطب زها حديد بما خاطبها به في بداية القصيدة وهذه المرة ليقول لها
لماذا لم تصممي لنا وطنا
سياجه بعلو النخيل
عسى ان ينام اطفالنا امنين
من تجار قريش
كما تنامين الان امنة هناك
في مقبرة أجمل من بغداد..؟؟
فهو كان قد توقف حتى قوله ( سياجه بعلو النخيل) ثم بين في نهاية القصيدة لماذا بعلو النخيل ، كي يعيش اطفالنا واجيالنا أمنين من تجار قريش الذين جمعوا المال والدين ، تجار قريش هم كما بين الحجاج سادة ، قبل الاسلام وبعده اذ لم يستطع الاسلام ان يفصل بين المال والدين بل كرسه مجددا وبقوة ، هذه المرة ، فاستمروا تجار قريش امويينوعباسيين واحزاب وهاهم يسرقون الوطن جهارا نهارا دون وازع، من دين، وهكذا اصبحت القصيدة متماسكة من بدايتها حتى نهايتها ومقطع سابق يبين اخر لاحق ، فالاحزاب هم تجار قريش ، هم امويين وعباسيين وان سبوا الامويين والعباسيين ، هم السيد والشيخ الحوريات لكم منا، والسياج الذي طلبه من زها حديد في بدااية القصيدة ليحمي الاجيال التالية من هؤلاء التجار ، وهذه القصيدة التي عنونها (هنا في ظلام النهار) هي من اقوى القصائد التي صور بها ما نعانيه من الاحزاب هؤلاء ، فالنهار قد اظلم بسببهم الذين استمروا من قبل الاسلام حتى اليوم ينهبون ويقتلون وهؤلاء تجار قريش الذين جمعوا المال والدين والسلطة ، لم يختلف وصفهم بشيء بسبب الاسلام ، والسؤال :هل كان تجار قريش مؤمنين قبل الاسلام ، الجواب: نعم وبكل تأكيد فقبائل (الحمس من العرب) كانوا يسمون (اهل الله) كما يقول (جورج كدر) “قريش كلها وخزاعة لنزولها مكة ومجاورتها قريش ،وكل من ولدت قريش من العرب وكل من نزل مكة من قبائل العرب وكانت الحمس قد شددوا على انفسهم في دينهم فكانوا اذا نسكوا لم يسلؤوا سمنا ولم يدخروا لبنا ولم يحولوا بين مرضعة ورضاعها حتى يعافه، ولايبيتون في حجهم شعرا ولا وبرا، ولا صوفا ولاقطنا ولا يمسون وهنا ولا يلبسون الا جديدا.
ولا يطوفون بالبيت الا في جذائهم وثيابهم، ولا يمسون المسجد باقدامهم تعظيما لبقعته، ولا يدخلون البيوت من ابوابها ولا يخرجون الى عرفات ،وكانوا يقولون (نحن اهل الله) ويلزمون مزدلفة ، حتى يقضوا نسكهم ويطوفون بالصفا والمروة اذا انصررفوا من مزدلفة ، ويسكنون فيظعنهم قباب الادم الحمر” يتضح من هذا النص ان قريش اصحاب دين قبل الاسلام وبعده، واستمروا يجمعون السلطة والدين والمال، دونوازع ورادع .
طائر التم وهو طائر اخرس من فصيلة الاوز العراقي له رقبة طويلة وبالرغم من وزنه الثقيل الا انه يسبح برشاقة ، يستلهمه الحجاج لكي يتحدث عن نفسه وهو الطائر الاخرس الا انه غنى وتكلم ويبدو ان هذا هو غناؤه الاخير فهي خلاثات السبعين :
هذا غنائي الاخير. انا طائر التم
ويقابل بين لغوي عظيم عرفت به البصرة وبين مغن عظيم عرفت به البصرة ايضا حديثا
فاعذروا عودتي للخليل بن احمد
او للمغني صديقي رياض ابن احمد

ويركز الحجاج على ان هذا الغناء هو الاخير والبكاء هو الاخير ايضا
غنائي الاخير انا طائر التم
اعني بكائي الاخير
(فالغناء/البكاء) اصبحت الكلمتين مدمجتين تماما فكانما يريد ان يقول ان غناءه كالبكاء كيف لا وهو مذ كان صغيرا:
انا كنت احلم منذ ولدت
ببيت صغير على النهر
بستانه نازل ، درجا من حجر
نازل للبلم
بلمي سقفه ابيض الوجه.
وهكذا احلامه ضاعت هباء ، وهو الذي للان لا يمتلك بيتا في هذا العراق.
الحجاج يعشق الشط … الشط هو شط العرب الا انه لا يسميه هكذا بل يعرفه بكلمة (الشط) وهو يعني شط العرب فهو بالنسبة اليه معرفة لا تحتاج الى تعريف
ارى الشط والفجر والغيم
والصمت والله والبرق
والنورس في الشط النورس
قطن منفوش ، يتطاير مع نداف
فهو يرى الشط … اي شط العرب … وشط العرب معه النورس الذي يصوره كقطن منفوش
يتطاير مع نداف …
كما ويصور الحجاج حركة الشعر الحديث في البصرة وكيف استطاعت هذه المدينة بفضل ابنائها ان تغير من حركة الشعر العربي في عموم البلاد العربية …
ومنذ قدمها اسست البصرة بحور الشعر من هنا يجيز الحجاج لنفسه ان يتصرف بالشعر وبوزنه …
من هنا سأغير وزن القصيدة
لا بأس ،قولوا:عجزت
انا ما عجزت:الخليل بن احمد جدي
أجاز الخليل ل(بدر)و(سعدي)
ان يمرا على الوزن مر الكرام
فمرا
وها انني ابن جدي
وهكذا غير الخليل بالشعر فيما مضى وجعل له اوزانا وبحور ، وفي العصر الحديث ارتبط الشعر الحر كله بالسياب وما انتجه من تغيير طال بنية الشعر العربي وكذلك سعدي يوسف …الذي يعتبر احد اهم اعمدة الشعر الحر العربي الحديث
ولنر الان الى م يرنو الحجاجوما هو حلمه
وانا حلمي منذ صباي
بلاد الغرب ! ولا تندهشوا
اعني ان نبني بلدانا (مؤمنة)
مثل بلاد (الكفار ) هناك
وهو يقابل بين البلاد المؤمنة والبلاد الكافرة ويضع كلمتي الايمان والكفر بين قوسين اي انه يشكك في ان هذه البلاد مؤمنة وتلك كافرة فلا هذه مؤمنة فهي تفتقد لخصيصة الايمان ولا اؤلئك كفار فهم يحملون معنى الايمان الحقيقيوكأنه يريد الجملة ان تكون :
اعني ان نبني بلداننا الكافرة
مثل بلاد المؤمنين هناك
بالتالي هذه الجملة التي يقصدها الحجاج
وبم تمتاز هذه البلاد التي يريدها الحجاج والتي راها هناك لديهم
حدائق اطفال ، واراجيح من ورد
ماء عذب، مستشفى مجاني
مدرسة مثل مدارسهم
، صحف لا تكذب
تجار لا تخلط – وهي تصلي – سمن الاكل بزيت السيارات
ارصفة نبصر فيها اوجهنا
حكام لا تبقى تحكم منذ ولادتها حتى موت الشعب!!!

وامنيات الحجاج هي امنيات بسيطة جدا وهي امنيات العيش الكريم التي لا تتوافر في بلاده التي يراها يوميا مثخنة بكل المعاني التي تسيء للانسانية :
يريد ماء عذب فبصرته ما زال الملح يعبث بها بانسانها وبعشبها بنخلها وبطيرها ، مستشفى مجاني ، صحف لا تكذب فالصحف التي يقرأها الحجاج منذ امد بعيد ما زالت تكذب ، تجار لا تغش وهي تصلي وتمارس العبادات الكاذبة . فتجارهم لا تدعي الايمان وتغش وتسرق جهارا نهارا . وارصفة نظيفة والملاحظ لهذه المطالب يجد انها كلها بسيطة لا يريد الحجاج اكثر من بيئة نظيفة يعيش فيها انسانا وحديقة ورصيفا كما انه يريد حكام لا تبقى تحكم منذ ولادتها حتى موت الشعب …. بل حتى الوزراء والنواب يطالبهم ويصرخ بوجوههم الا يأتوا بوجوه اخرى .بمعنى يستبدلوا جلودهم بجلود اخرى .
ولكن حلمه ما زال غير متحقق فهو لم يحصل بعد على بيت جنب النهر ولم يتحقق ما اراده فهي احلام وامنيات وابنه كما الكثيرين ما زال يفكر بالهجرة صوب بلاد (الكفار) /الايمان بل الاكثر ايمانا منكم!!!!!

يعلو المجتمع بالحضيض هكذا اراد بمقطعه:
انا احفاد النهرين ، لماذا نعلو
الان ، اوطأ مما كنا ؟ والى اخره.
الشاعر طفل الله
القلب كما وجه الله
اذن الله هو المشترك ، الله (الشاعر +القلب) وعندما ندخل الله على كل من الكلمتين تصبح المعادلة :
الله الشاعر ، او الشاعر الله +القلب الله ، الله القلب
فيضع عند ذاك الشاعر معنى لفظ الله ليكون :الله/الشاعر
الله/القلب.

ويبدو ان الشاعر الحجاج لا ينفك يذكر بلعنات السياسيين وما فعلوه في البلد:فنجده يناقش لعنة النفط في قصيدته (روزنامة) التي مرت في بداية الدراسة :لما للنفط من تاثير كبير في نشأة الاستبداد والهيمنة :
نزل النفط علينا من اسفلنا ما بين الملكين الثاني والاخير
ومع النفط، ابن الكلب، المحسودين عليه كنا نسير الى مدارسنا ،، بالجزمات المطاطية
فالنفط لم يزد الشاعر غنى بل ولد انظمة استبدادية كارثية في العراق فمع النفط وبدايات اكتشافه في العهد الملكي
كانت منظمات الثواب المسيحية
توزع علينا كسوة الشتاء في الصيف
كذلك يستمر الحجاج في نقده اللاذع للسياسة التي مرت بالعراق وتحديدا:
في ازمنة الرؤساء
الجمهوريين الثلاثة
عبد السلام عارف ، ثم شقيقه الطيب
عبد الرحمن عارف ، ثم احمد حسن البكر
لا شقيق له ولا هو طيب
بالتالي يبين وبشكل حريص موقفه من البعث/العبث
كما بين فساد العروبيين الذين بسببهم قتل عبد الكريم قاسم
قتله دواعش العروبة في 1963
سراب تعني ، ان الصحراء العربية
يكذب فيها حتى الماء
وهو كناية عن كذب حكام العرب .
اما صدام/الطاغية/العبثي، الذي حفظه الله ورعاه جيدا لاكثر من ثلاثين عاما ! (وهنا الحجاج يتحدث عن التزاوج الذي يحصل دائما بين الكهنة وبين الطغاة) فهو عنصر اساس في الخراب والذي جاء للحكم في لحظة مشؤومة يصورها الحجاج بفرادة متناهية الدقة ،
بعدما قفز بعصا الزانة من زقاق فرعي غير مزفت ببغداد، اي من زقاق نتن سيء كشخصه
مباشرة الى غرفة النوم بالقصر الجمهوري
وهو المستبد/الطاغية ما كان همه الا الاعتداء على الناس بالقتل والانتهاك بحروب رعناء
وراح يعلمنا كيف نغني للنصر
ونحن مغلوبون ، مثل الروم في ادنى الارض
وهو يستحضر الاية القرانية (غلبت الروم وهم من بعد غلبهم سيغلبون)
فما هو النصر عند الطاغية /العبثي/صدام، يتساءل الشاعر عن نصره المزيف الكذاب ونحن/ العراقيون/المغلوبن وفي ادنى الارض.
ويشير الحجاج للحملة الايمانية التي اطلقها الطاغية ابان خروجه منهزما بعد حرب الكويت 1991

كيف نغني للايمان ، ونحن كافرون حتى بأنفسنا
كيف لا والاستبداد البعثي/العبثي متحكم في البلاد والعباد.

وما معنى الكرامة التي كان يتشدق بها طاغية البعث /العبث صدام وزبانيته ويشير الى طرق التفتيش التي لم تبق شيء في العراق لم تفتشه …
كيف نغني للكرامة وكوفي عنان
المزفت بالقار فتش البستنا الداخلية
وحفاظات اطفالنا بحثا عن اسلحة

ومع ضياع السيادة الوطنية وتحكم الامريكي في البلاد يأتي الحجاج ليصرخ صرخته شاهدا حقيقيا على سوء الحكام وليس شاهد زور ، فتحدث عن مجلس الحكم الذي وضعه الامريكان بعد دخولهم العراق وكان كل رئيس له يتغير مع راس كل شهر وهنا يصور الحجاج ازاحة الرؤساء لهذا المجلس بطريقة دراماتيكية مبهرة :

حتى صار ابن ال… أمريكية
يزيح حكامنا مع كل عادة شهرية لامرأته
بعدها يصور رؤساء الوزراء المتعاقبين على حكم العراق وبطريقة مرعبة اذ كان يتوفر في كل منهم عنصرين اساسيين /
الاول: الطقوس الدينية المجتمعية .
الثاني: الموت بكافة انواع
وهنا يربط الحجاج حكم هؤلاء المصبوغ بصبغة دينية عقيدية شعائرية مع الموت ، اذ لا يعرف هكذا نوع من الحكم سوى الموت والدمار فاصبح حكم الاسلاميين /الموت نفسه.

وفي ازمنة هؤلاء السادة الثلاثة ، الاربعة كان الطعام متوفرا جدا في عاشوراء وبسببهم اصبحت اعمار الناس بايدي من هب ودب
النتيجة هي فائدة
الاسلاميون يدينون الارهاب احيانا
بمعنى ان الارهاب واقعهم ويشبهه تشبيها واقعيا
اذ يقول عندما يدين الاسلاميون الارهاب :
مثل من يبصق على نفسه في المرأة
اذ يدين الارهاب احدهم وهو من صنعه ودعمه واقعا ومضمونا .
ويرفض كاظم الحجاج ان يكون شاهد زور على عصره فبيعة الاقوياء وتدخل دول الجوار التي جاءت بالسيد العبادي لم تثن الشاعر على ان يبقى مؤمنا بمبدأ اللاعنف ومؤمنا بالتظاهر السلمي صارخا بوجه المعتدين والسراق والاثمين
والى ان تاتي البيعة القادمة
بالسيد بهاء او بالسيد باقر جبر
او بأي سيد
فانا سوف ابقى اتظاهر في الساعة الخامسة من عصر كل جمعة ولو من داخل قبري في مقبرة الحسن البصري
وهويركز على بصريته حتى في مدفنه في اشارته الى مقبرة الحسن البصري شاخصا مهما في المدينة ليجاور السياب والبريكان والفحام وياسين العمر وابن سيرين ومعتزلتها .
اخيرا يوجه نداء محزنا الى كل الاحزاب والمستقلين الذين لم تذكرهم سورة الاحزاب يدعوهم لانقاذ (شط العرب/ العذوبة / الحياة ) والذي فقد عذوبته فاستحال بسبب قلة الاطلاقات المائية الواصلة اليه ، استحال الى قناة بحرية قتلت كل شيء نمى بمحيطها، ويذكر الحجاج بهذا الشط عبر صورة بانورامية محزنة ، فبعد ان وجه نداءه الى الاحزاب الحاكمة ها هو يتلو عليهم قصة فؤاد الشطي والتي ذكرها في منتصف قصيدته روزنامة تحت عنوان (قطع مبرمج)
انا اتذكر الان صديقي المسرحي الكويتي
فؤاد الشطي ولسوف تعرفون
لاحقا لماذا تذكرته
قطع مبرمج اخر في منتصف القصيدة ايضا :
ولسوف اتذكر الان المذيع الكويتي
التلفزيوني الوسيم(ماجد الشطي) وسوف تعرفون لاحقا ايضا لماذا تذكرته واخيرا فالقصيدة توجه نداء الى الاحزاب الحاكمة :
انتبهوا لطفا
الشطيان:فؤاد الشطي، وماجد الشطي
وبقية الشطيين الكويتيين كان
اجدادهم الفقراء الطيبون ، ينقلون
الماء العذب من شط العرب بقوارب نظيفة
الى الكويت منذ اكثر من مئة
عام وهم يحملون الى الان لقبهم العذب الذي اخذوه من ماء
شطنا
فلنخجل من شط العرب الان
وهنا مربط الفرس في نهاية القصيدة فشط العرب الذي تعرض للسان الملحي سنة 2018 وقبلها بسبب عدم الاهتمام به وساهمت الملوحة باهلاك الحياة لما حوله وتعرض اهل البصرة نتيجة لذلك لنقص كبير في امدادات المياه الصالحة للشرب .
يأتي الحجاج ليذكر هؤلاء الحاكمين بما في هذا الشط حتى وقت قريب ويضرب مثلا بعائلة الشطي الكويتية التي كانت حتى وقت قريب عملها هو نقل المياه الصالحة للشرب من شط العرب الى الكويت قبل ان يكون فيها محطات تحلية مياه البحر .
وهكذا يضع صرخته لانقاذ شطنا المغدور من هذه الاحزاب الحاكمة ومن دول الجوار والحكومة التي لم توليه ادنى اهتمام وحتى اليوم لا توجد رؤية واضحة المعالم لانقاذه.
هكذا يضع الحجاج كل هذه الرؤى السياسية والمعالجات المجتمعية كي لا يكون شاهد زور على الزمن الذي يعيشه اليوم وكي تبقى صرخته مدوية بوجه الفاسدين حتى اخر لحظات عمره وهذه الصرخات والشهادات العظيمة يكون فعلا قد سجل شعره في النهضة والاصلاح.