بدأ أقول أنا لست من الداعين لعودة حزب البعث للمشاركة في العملية السياسية وبنفس الوقت لست من الذين يقفون ضد ذلك. ولكن أنا أقف مع كل من يريد بناء العراق وينشر السلام في ربوعه بصدق وبكل روح وطنية أن كان حزب البعث أو غيره من الأحزاب السياسية.لا شك أن لكل حزب سياسي من كل الأحزاب ليس في العراق فحسب بل في العالم أجمع تاريخا نضاليا يتشرف به ويمجده بغض النظر عن تاريخ ذلك الحزب أن كان سيئا بنظر الجماهير أم حسنا. وحزب البعث الذي حكم العراق على مرتين عام 1963 وعام 1968 هو في هذا مثله مثل باقي الأحزاب السياسية، فبقدرما تزال القيادات البعثية التي ما تزال على قيد الحياة ترى كل المجد والشرف والأعتزاز بتجربتي الحكم في عام 1963 وعام 1968 قد لا يرى الكثير من العراقيين ذلك. أن المشكلة الأزلية والمزمنة في الأحزاب بشكل عام هو التناقض الكبير بين مبادئها وأفكارها وأدبياتها وشعاراتها التي تنادي بها وبين تطبيق كل ذلك عندما تتسلم سدة الحكم . فكل الأحزاب السياسية تنادي بالديمقراطية والحرية والأنسانية وبالتقدم والأزدهار ورفاهية الشعب ومحاربة الظلم وأحترام حرية الأحزاب الأخرى والرأي الآخر، وما الى ذلك من مفردات أنسانية وتقدمية وثورية. لكنها ما أن تتسلم السلطة حتى تنقلب على نفسها وعلى كل تلك المباديء ولا تكتفي بذلك بل وتنقلب حتى على أقرب رفاق الدرب في مسيرة الحزب والشواهد التاريخية مليئة بالكثير من تلك التجارب للأحزاب السياسية ليس في حزب البعث فحسب بل في الكثير من الأحزاب في العالم.( ما ان أستلم رئيس النظام السابق صدام حسين سلطة الحكم عام 1979 حتى أنقلب على الكثير من رفاق الأمس الذين يفوقونه قدما في الحزب وفهما وألتزاما وأيمانا بفكر الحزب وقضى عليهم في مجزرة قاعة الخلد الشهيرة عام (1979). أن الأحزاب الثورية الحقيقية والصادقة بتطبيق أفكارها ومبادئها والتي تنادي بالوطنية وبأعتمادها على الجماهير لكونها قاعدتها الأساسية في النضال من أجل الأزدعار والتقدم، لابد لهذه الأحزاب أن تراجع كل تجاربها السياسية التي خاضتها من خلال المؤتمرات والندوات الحزبية التي تعقدها سنويا أو بين فترة وأخرى، وخاصة عندما تفشل تلك الأحزاب بتجربة حكم قادتها لفترة من الزمن وهنا المقصود موضوع مقالنا (تجربتي حزب البعث الذي قاد الحكم عام 1963 وعام 1968 ). أو عندما تفشل في الأنتخابات ولا تحقق ماكانت تصبوا ألية ( كما في الأنتخابات التي جرت أخيرا في العراق في 12/5/2018 ، والتي لم تحقق فيها بعض الأحزاب والشخصيات السياسية النافذة ما كانت تتوقعه وفشلت في الحصول على ثقة الجماهير لها). فعلى كل تلك الأحزاب السياسية أن كان حزب البعث وغيره من بقية الأحزاب السياسية أن تعيد النظر بكل حساباتها السياسية من جديد لمعرفة السبب وراء فشل تجربتي الحزب في الحكم هذا بالنسبة لحزب البعث، ومعرفة نقاط الخلل والضعف وماهية الأسباب التي أدت الى عدم حصولها على نفس الأصوات الأنتخابية في الأنتخابات السابقة، هذا بالنسبة للأحزاب السياسية الحالية التي نعيش معها تجربة حكم العراق ما بعد سقوط النظام السابق والأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. هذا أن كانت كل هذه الأحزاب صادقة في رسالتها الحزبية والسياسية وفي كل شعاراتها ومبادئها التي ترفعها وتنادي بها، وألا ما فائدة مبدأ النقد والنقد الذاتي التي تعمل به كل هذه الأحزاب وتعتبره ركنا أساسيا في بنائها الحزبي والأديولوجي. بعد هذا ندخل الى صلب الموضوع ، فمنذ حكومة (الدكتور أياد علاوي) عام 2004 ولحد الآن ونحن نسمع على ضرورة أجراء المصالحة الوطنية!، والكل يتسائل المواطن قبل السياسي مع من تكون المصالحة؟ وظل هذا السؤال مطروحا وبتكرار وبشيء من الأبهام وكأن وراءه سرا وأصبح موضوع المصالحة الوطنية أشبه بالطلسم! على مدى السنوات التي مضت من بعد سقوط النظام البعثي بالعراق ولحد الآن، الى أن أتضح أن المقصود هو أن المصالحة الوطنية التي تكلم ويتكلم بها الجميع وينطرح موضوعها بين الأحزاب السياسية بين فترة وأخرى هو أن صورة العملية السياسية بالعراق لا تكتمل ألا بمشاركة وعودة حزب البعث! للعمل بالساحة السياسية مثله مثل باقي الأحزاب السياسية الأخرى. ومثلما ذكرت في بداية مقالي هذا بأني لست مع أو ضد هذا الحزب أو ذاك. نحن مع العراق ومع من يريد أن يعيد له بناءه وعمرانه وكل خدماته المدمرة والمعطلة وكذلك يعيد له موقعه المتميز في محيطه العربي وبين دول العالم ويعيد له ألقه التاريخي والحضاري، ومعه يعيد للأنسان العراقي كرامته وحقوقه المهدورة منذ أكثر من 3 عقود، وكذلك نحن مع من يحافظ على وحدة العراق أرضا وشعبا ويحافظ على ثرواته وخيراته. أرى ومن وجهة نظري أن مسألة أجراء المصالحة الوطنية التي يتحدث عنها الجميع والتي صرفت عليها الملايين من قبل الحكومة الحالية والحكومات السابقة، هي في ملعب القيادات البعثية أكثر مما هي في ملعب الحكومة والأحزاب الشيعية والسنية والكردية التي تتقاسم الحكم بالعراق وفق نظام المحاصصة!!. فأذا أرادوا البعثيين العودة للمشاركة في الحياة السياسية حالهم كحال باقي الأحزاب السياسية، فعليهم أولا طي صفحة الماضي لتجربتي الحزب في الحكم عام 1963 وعام 1968 بكل ذكرياتها وآلامها المريرة والعميقة، كما وعلى القيادات البعثية أن تقدم أعتذارا للشعب عن أية أخطاء أرتكبت في حق الوطن والشعب طيلة فترة الحكم، لأنهم عليهم أن يعرفوا بأن عودتهم للساحة السياسية مرهون بقبول ورضا الشعب قبل رضا الحكومة وباقي الأحزاب السياسية الأخرى. فالشعب العراقي رغم ما يتفرد به من خصوصية ورغم كل المآسي التي مرت وتمر عليه يبقى شعبا طيبا سرعان ما ينسى ويعفوا وخاصة عندما يشعر بأن هناك مصداقية في الطرح والأعتذاروطلب الصفح. وليأخذ الجميع من تجربة الزعيم (نيلسون مانديلا) في جنوب أفريقيا مثلا يحتذى به لأية مصالحة ليست سياسية فحسب بل وحتى العشائرية!. فكل العراقيين يعرفون قبل البعثيين أنفسهم بأن رئيس النظام السابق قد سرق كل تاريخ الحزب وجيره له شخصيا بعد أن أبعد وأقصى وقضى على كل القيادات البعثية النزيهة والشريفة والوطنية المخلصة للوطن والشعب والحزب من عسكريين ومدنيين والتي لها تاريخها النضالي العريق والطويل والكبير حتى قبل أن يصبح هو نفسه (صدام) عضوا في الحزب!، والتي لو كانت الأمور قد آلت أليها في قيادة العراق لما كنا نصل الى ما وصلنا أليه من حال لانحسد عليه!.( للمزيد راجع قصة /حفل رئاسي/ لمؤلفه سعد العبيدي، وهو وقائع غير مروية عن أحداث مجزرة قاعة الخلد عام 1979، وكذلك راجع كتاب /فايز الخفاجي/ بعنوان: بعثيون من العراق أغتالهم صدام بجزئين، الجزء الأول الشخصيات المدنية، والجزء الثاني الشخصيات العسكرية/ طبع في لبنان.) فأصبح صدام هو القائد والزعيم والمفكر والمناضل وهو الحزب من الألف الى الياء!. (وهنا لا بد من الأشارة وبشيء من المفارقة الغريبة والعجيبة والتي تصل الى حد الضحك!، بأنه وعلى الرغم بكل ما فعله صدام والبعث في العراق على مدى حكمه، بات الكثيرين من العراقيين يحنون على أيامه ويتحسرون عليها بكل ألم!، والأكثرغرابة في ذلك أن أكثر الناس الذين باتوا يتمنون وبنادون بذلك هم اهل الجنوب!!، وتحديدا أهل الناصرية معقل الأنتفاضة الشعبانية الشيعية ضد صدام وحكمه عام 1991!! حيث تنقل لهم الكثير من مواقع التواصل الهوسات والأهازيج التي تمجد بصدام وبحكمه!، هذا أضافة الى الكثير من المواقف والصور والمشاهدات التي تنقلها الفضائيات في بغداد والكثير من المحافظات وعلى لسان الناس التي تلتقيهم والتي باتت تتحسر على أيام صدام؟! بسبب الأوضاع السيئة والمدمرة التي وصل أليها العراق على يد الأحزاب السياسية التي حكمت العراق من بعد سقوط النظام السابق ،وخاصة في أزمة المياه الأخيرة لنهر دجلة والذي سيؤدي الى المزيد من الكوارث الزراعية بعد أن يحيل مناطق الجنوب الى أراضي قاحلة . وهذا بحد ذاته يشكل نقطة عيب كبيرة تحسب على كل الأحزاب السياسية التي قادت الحكم من بعد سقوط النظام السابق على يد الأمريكان وتحديدا الأحزاب الشيعية!). نعود الى صلب الموضوع، فعلى القيادات البعثية أن تعترف ولو مع نفسها بأن رئيس النظام السابق كان هو السبب الرئيس ليس في أنتكاسة الحزب فحسب بل في خراب العراق ودماره وأنعزاله عن محيطه العربي بسبب من سياسته الهوجاء وحروبه العبثية والأهم في كل ذلك كان هو السبب في قدوم الأمريكان للمنطقة بعد أحتلاله الكويت عام 1990؟! ، وبالتالي ادى الى أحتلال العراق وتحطيمه. فلا داعي للقيادات البعثية أن تمجد بشخصية كهذه مرفوضة من قبل غالبية البعثيين الوطنيين حقا، قبل أن تكون مرفوضة من قبل الشعب العراقي. فعلى القيادات البعثية أن تكون نواياها صادقة وجادة في طي صفحة الماضي من الفردية والدكتاتورية المقيتة وأعادة تقييم تجربنها بالحكم والتسامح مع الجماهير العراقية العريضة ونسيان الرومانسيات الثورية! لخمسينات وستينات القرن الماضي. فبعد الذي جرى ويجري بالوطن العربي وخاصة بعد أحداث فوضى ما يسمى بالربيع العربي، فلا الجماهير العراقية ولا الجماهير العربية ولا حتى العالم كله باتت تهزهم مصطلحات العمالة! ولم تعد تطرب الأذن العربية أغاني (ثوار..ثوار.. لآخر مدى…. ولا أغنية من بيت لبيت ومن شبر شير مش حنسلم…)، لأن زمن الأنقلابات وتهميش وأقصاء الآخر قد ولى، فالتوجه الديمقراطي في العراق الجديد جعل من الساحة السياسية مفتوحة لكل من يريد شريطة أن يكون ذلك العمل بنزاهة وجدية وبروح وطنية مع الجماهير ومن أجل المصلحة الوطنية أولا وأخيرا وبدون أجندات خارجية. فعند ذلك ستمتد كل الجماهير العراقية أياديها للسلام مع من يريد الخير للعراق وأبناءه ولا يهم أن يكون ذلك بعثيا أو شيوعيا أو من حزب الدعوة أو من المجلس الأعلى أو من باقي الأحزاب الأخرى. وأخيرا نقول للقيادات البعثية وكل قيادات الأحزاب السياسية العاملة في العراق أذا أردتم الخير للعراق وكنتم صادقيين ووطنيين حقا فأمتثلوا لقول سيد البلغاء الأمام علي (ع) الذي قال( أذا أردت أن تنزع الحقد من قلب غيرك فأنزعه من قلبك أولا.) والله من وراد القصد.