18 ديسمبر، 2024 3:52 م

رأرقام وحلول عن عجز الموازنة الاتحادية الذي يتفاقم شهرا بعد شهر

رأرقام وحلول عن عجز الموازنة الاتحادية الذي يتفاقم شهرا بعد شهر

لم تكن الموازنة الاتحادية الحالية تحمل اية ميزات محددة , سوى انها افضل من حالة عدم وجود الموازنة كما حصل سنة 2014 , فقد تم تمرير الموازنة في ظرف صعب يمر به البلد سواء ما يتعلق بانخفاض اسعار النفط او توفير متطلبات سد احتياجات المعارك التي يتم خوضها لاستعادة الاراضي المحتلة في بعض المحافظات , او لتغطية احتياجات النازحين الذين يزيد عددهم لأكثر من 2,5 مليون عراقي , وبسبب ظروف العراق الحالية والمتوقعة فان التنمية المستدامة ليست في مقدمة الاسبقيات , فالمرحلة هي مرحلة ازمة لذلك تم اصدار موازنة اقل ما يقال عنها انها ( ترقيعية ) , ورغم هذا الوصف ( القاسي ) على الموازنة فأنها لم تحظى برضا العديد من الجهات , فبعد صدورها ونشرها في العدد 4352 في 16/ 2/ 2015 بجريدة الوقائع العراقية , قرر مجلس الوزراء الطعن لدى المحكمة الاتحادية في المواد التي اضافتها لجان مجلس النواب ولم ترد في مشروع قانون الموازنة المرسل من مجلس الوزراء .

وقد تضمنت الموازنة بان تكون حجم الايرادات النفطية 78,649 تريليون دينار , وقد تم احتسابها على اساس تصدير 3,3 مليون برميل يوميا ( كمعدل ) وبسعر 56 دولار للبرميل الواحد , كما توقعت الموازنة حصول عجز في الموازنة قيمته 25,414 تريليون دينار ويتم تغطية هذا العجز من فائض الايرادات المتحققة والمديونية الداخلية والخارجية , ورغم ان العديد من المختصين قد اشاروا الى ان هذه الموازنة هي خيالية وليست واقعية من حيث حجم الصادرات النفطية وأسعارها بضوء المعطيات الاقتصادية المحلية والعالمية , الا ان احدا لم يستمع لتلك الاصوات وتم المضي في اعداد حسابات الموازنة بضوء آراء من قام بإعدادها في وزارتي المالية والتخطيط في الحكومة واللجان المعنية في مجلس النواب , وكما هو معلوم فان إعداد موازنات تقديرية لا تنسجم مع الواقع الفعلي , من الممكن ان تكون لها انعكاسات مهمة على مجمل نواحي الحياة , كما انها من الممكن ان تكبل البلد بقروض والتزامات لا يقوى على خدمتها وتسديدها في الامد القريب , كما انها من الممكن ان تقود لإجراءات لا تحظى برضا غالبية الجمهور.

وبعد شهرين من سريان الموازنة وأسابيع على نشرها في الوقائع العراقية , بدأت المخاطر تلوح في الافق فقد حذر صندوق النقد الدولي من انخفاض الاحتياطيات الوطنية حيث اعلن عن حدوث تراجع في الاحتياطيات من 78 الى 66 مليار دولار , كما ان الارقام التي تنشرها وزارة النفط العراقية تشير الى حقيقتين , الاولى هي انحراف ايرادات تصدير النفط بضوء الارقام الافتراضية , فضلا عن نقص واضح في الايرادات بضوء الواقع الفعلي لأسعار النفط , وبضوء المعلومات ( المؤكدة ) للشهرين الاولين من السنة الحالية , فان ايرادات كانون الثاني وشباط الماضيين قد سجلتا نقصا في الايرادات النفطية المخططة لأكثر من 4 مليارات دولار , كما ان هناك نقصا في الايرادات بموجب الاسعار السائدة عالميا بمقدار 2 مليارين دولار خلال الشهرين الماضيين , ويعني ذلك من الناحية العملية ان العجز في الموازنة في نهاية السنة سيكون اكثر من 60 تريليون ديناران استمر الوضع على ما هو عليه حاليا .

ولتوضيح ذلك , فان الصادرات المخططة يوميا هي 3,3 مليون برميل بسعر 56 دولار للبرميل , وخلال شهر كانون الثاني الماضي كان من المفترض ان تكون العائدات النفطية 5,729 مليار دولار ولكنها بلغت 3,256 مليار دولار وبنقص مقداره 2,473 مليار دولار , وفي شهر شباط الماضي كان من المفترض ان تكون الايرادات النفطية 5,174 مليار دولار ولكن الايرادات المتحققة فعلا بلغت 3,449 مليار دولار وبنقص مقداره 1,725 مليار دولار , مما يعني ان قيمة الايرادات النفطية المخططة بموجب الموازنة خلال شهري كانون الثاني وشباط الماضيين قد بلغ 4,198 مليار دولار , ويعود السبب الحقيقي لنقص الايرادات الى عدم بلوغ الرقم المخطط للتصدير والبالغ 3,3 مليون برميل يوميا , وبيع النفط بأقل من الاسعار المخططة , فقد بلغ متوسط اسعار مبيعات البرميل خلال كانون الثاني 41,450 دولار للبرميل , كما بلغ المتوسط 47,431 دولار للبرميل خلال شهر شباط في حين ان المتوسط المعتمد في الموازنة هو 56 دولار للبرميل .

ولو استمر الحال على هذه الوضعية الى نهاية السنة الحالية فان قيمة العجز سيزداد شهرا بعد اخر وبشكل يجعل الحكومة مضطرة لاتخاذ اجراءات متعددة في مجال زيادة الايرادات , باعتبار ان قدرتها على تخفيض النفقات محدودة نظرا لوجود نفقات حاكمة لا يمكن المساس بها ومنها رواتب الموظفين ومتطلبات القتال , ولغرض ايقاف النقص في ايرادات الموازنة النفطية , فان الحلول تكمن في العودة الى الصادرات المخططة والسعي الى زيادتها في الاشهر القادمة , لان هذين الاجرائين سيضمنان اقل قدرا من حدوث العجز في الموازنة , فحدوث نقص في الايرادات بمقدار 2 ملياري دولار شهريا سيزيد العجز المخطط بمقدار 24 مليار دولار خلال السنة , مما يجعل العجز بحدود 50 تريليون دينار وليس 24 تريليون مع الاخذ بنظر الاعتبار عدم القدرة على تسديد استحقاقات شركات الخدمة العالمية العاملة في العراق وبشكل يجعل اجمالي العجز اكثر من 60 تريليون دينار , وهذا العجز الكبير سيضر باقتصادنا الوطني لأنه من الصعب تغطيته بغير القروض , سيما وان مؤشرات زيادة اسعار النفط لا تلوح في الافق في ظل الاوضاع الحالية .

وان ما يزيد موقف الحكومة حرجا من الناحية المالية , هو تصاعد النفقات الحربية والأمنية بعد المباشرة بتحرير المدن والمناطق المحتلة , لان العدو ليس عدوا تقليديا باعتباره يستخدم حرب العصابات والكر والفر كما انه يلجأ لاستنزاف الموارد البشرية والمادية ويراهن على اطالة امد النزاع لإضعاف الامكانيات والمعنويات , ومن المتوقع ان تكون المشكلات المالية اكبر كلما زادت النجاحات بتحرير الاراضي ورغبة السكان النازحين للعودة الى ديارهم , حيث ان اغلب المناطق التي احتلت قد تعرضت الى اضرار جسيمة بسبب العمليات العسكرية وما قبلها , وستحتاج هذه المناطق الى اعادة اعمار كلي للدور السكنية والبنى التحتية لإعادة الخدمات من الطرق والجسور والكهرباء والماء والمجاري والمستشفيات والمدارس وغيرها , كما ان اغلب المناطق الزراعية والصناعية ستكون بحاجة الى تأهيلها لكي تكون منتجة بالفعل , ولا نستطيع وضع تقديرات محددة لإعادة الاعمار , ولكن من المؤكد انها لا يمكن ان تنجز من دون انشاء صندوق عربي ودولي لمساعدة العراق ماليا بهذا الخصوص , وهو ما يتطلب جهودا دبلوماسية نشطة للتحرك العربي والإقليمي والدولي , بما في ذلك تبني مجلس الامن قرارا يتضمن الزام الدول بتقديم الدعم المالي للعراق.