23 ديسمبر، 2024 12:14 ص

ذلك السلاح القاتل

ذلك السلاح القاتل

تُحلق أحياناً في سماء الروح نسائم جميلة شفافة من حلم ربما يعيد للنفس بصمة أملٍ وسراب يطير هنا وهناك في ساعات وليالٍ وأيام. يبقى الفرد يتشبث بتلك النسائم لعلها تنتشلهُ من واقع إجتماعي مادي مــزر. هذا الوهم يرسم في روح ألأنسان لحظات من سعادة خفية لاتلبث أن تزول حينما تنكشف غيوم ذلك الوهم ويتحول الى واقع آخر أشد وطأة من الواقع ألأول الذي كان الفرد يتخبط فيه. من أشد ألأسلحة تأثيراً وخطورة على نفسية ألأنسان هي تلك اللحظات التي يعيش فيها منتشياً لتحقيق هدف يسعى إليهِ بشق ألأنفس ومن ثَمَ يكتشف فيما بعد أن ذلك الحلم لم يكن إلا سراباً فاضحاً لايمكن علاجه إلا بحسرات ودموع تستنزفها حالة ذلك المسكين الذي وقع في دائرة الغش والخداع وكل ماترمز إليه صفات – الوحش في الأنسان . 
لم أفكر يوماً أن أكتب عن هذه الحالة لأنها تقودني الى لحظات من حزن ليس لها مثيل – حالة الغش وخداع المواطن من أجل إيجاد فرصة عمل له..ماهي إلا وهم وكذب وتدمير لبقايا الكرامة ألأنسانية بكل شكل من اشكالها. قادتني الصدفة الى متابعة برنامج – خط أحمر- الحلقة 78 التي تتحدث عن وجود شركة وهمية لتزوير الباجات ومحاولة خداع المواطن البائس المسكين الباحث عن لقمة عيش بالحلال في أي مكان ينتمي الى خارطة الوطن الكبير. كان موضوع الشركة خطيراً يساهم في تدمير الروح النفسية للأنسان العراقي بشكل لايقبل الشك لكن الروح الشريرة التي تحتضن جسد ذلك المخادع تمادت في ألأنغماس في سرقة وخداع الفقراء وإيهامهم بتوفير فرصة عمل لهم. الجهود ألأمنية الكبيرة لمديرية إستخبارات المالية وألأقتصادية في وزارة الداخلية قد وضعت حدأ نهائيا لتجاوزات هذه الشركة الوهمية تجاه المواطنين الباحثين عن لقمة عيش. لاأعرف كيف ستكون حالة الفقير القادم من البصرة الى بغداد من أجل تقديم أوراقة الى هذه الشركة وقضاء وقت طويل وطريق صعب وبالتالي يجد أن القضية لم تكن إلا حالة من الغش والسرقة وضياع 190 الف دينار رسوم المعاملة التي كبلته بها الشركة. كيف ستكون حالته النفسية حينما يعود الى عائلته التي تنتظره بفارغ الصبر لينتشلها من حالة العوز المادي ؟ أسابيع طويلة تمضي وصاحب الشركة وقوانينه وشروطه الكاذبه تلعب بأعصاب ذلك المحتاج لأي قشةٍ من بصيص أمل يستطيع من خلالها تجاوز حالة البطالة والحاجة المادية لكل شيء. 
تم خداع 25 ألف شخص على مدى خمس سنوات..أي جريمةٍ هذه في تاريخ ألأنسانية! البلد يمر بأقسى حالات البطالة والسرقات المنظمة وخلق صور كثيرة من أوهام تصب كلها في تحطيم الروح النفسية والمعنوية للفرد العراقي الفقير. أنا لاأعرف كيف يستطيع إنسان أن يأكل حقوق ألآخرين وينام الليل وكيف يطعم أطفالة من أموال السحت والغش والخداع؟ أم أن هذه القضية بالنسبة للسارق ماهي إلا نوع من ثقافة وقوة تدبير العقل من أجل الحصول على مبالغ مضاعفة ولايهم إن كانت حلال أم حرام . أنا لاأعرف كيف أصبح ألأنسان يفكر بهذه الطريقة البشعة؟ لو كنت مسؤولاً عن تطبيق القانون ووقع أؤلئك الذين يعتدون على حقوق ألآخرين بهذه الطريقة البشعة لشنقتهم جميعاً في نفس المكان الذي تم فيه خداع ألآخرين. سلاماً أيها الفقراء المغلوبين على أمركم…سلاماً تربة العراق. وألف شكر لكل من ساهم في المراقبة والمداهمة والتحقيق من أجل كشف تلك الشركة الوهمية.