23 ديسمبر، 2024 5:13 ص

ذكريات طريق بغداد _الموصل مابين منشآة النيسان وسيارات الجارجر الحديثة..

ذكريات طريق بغداد _الموصل مابين منشآة النيسان وسيارات الجارجر الحديثة..

اليوم بدأت رحلتي الى الموصل من بغداد لقضاء إجازة مفتوحة وحسب الظروف. انطلقت من الصباح الباكر من موقع سكني في بغداد متوجهاً الى الطريق السريع الذي يوصلنا الى الطريق الرئيسي بغداد /الموصل وبداية من اول سيطرة وتسمى سيطرة الشوؤن والتي هي في نفس موقع السيطرة القديمة في عصر الثمانينات .ومن هنا بدأت الذكريات وانا اتكلم مع ابنائي عن أكثر من ثلاثين سنة مضت كانت البلاد تخوض حرباً شرسة اخذت الاخضر واليابس. كانت المنشآت النيسان كما كنا نسميها اكثر وسائط النقل والتي امتلكتها شركة النقل الحكومي في ذلك الوقت لتبيعها بعد سنة أو سنتين الى القطاع الخاص وأصبح كراج العلاوي يعج بهذه السيارات .وكانت هناك وسيلة أخرى للنقل وهو القطار الذي يسير في رحلات يومية من الموصل إلى بغداد والعكس إضافة إلى بغداد البصرة مروراً بأغلب المحافظات العراقية ..وهكذا كان يلتحق أبناء القوات المسلحة الى وحداتهم أو عند النزول باجازة الى عوائلهم كانو يسمون العسكري الذي يرتدي ملابس الخاكي ابوخليل وكان ابوخليل هذا مثالاً للصبر لايعرف الحر أو البرد ولايعرف شيء اسمه الخوف ولايعرف كل وسائل الراحة والتسلية التي نعيشها اليوم ..كان لايركب السيارة الصغيرة التاكسي الا للضرورة القصوى حيث أن كل تنقلاته تكون إما بالمنشأة أو القطار وذلك لرخص اسعار الأجرة فيها .لايعرف السيارة السوبر الا عندما يستشهد فيضع في صندوق فوق السيارة يلف جسده الطاهر العلم العراقي ..
وعودة على الطريق عبرنا التاجي ومعسكرها المعروف ومنشآة النصر العملاقة وصولا الى المشاهدة ثم الدجيل وهذه المناطق الزراعية كنا عندما نصلها نعرف اننا وصلنا العاصمة بغداد ..اقتربنا الآن من قضاء بلد وبدأت اولى الذكريات مع مطعم الامل الشهير في حينها ويالمفاجئتي لم يبقى اي أمل لمطعم الامل ..المطعم الذي كان يأكل به الآلاف يوميا كان اغلب العمال من الإخوة المصريين الذين كانت اعدادهم كبيرة في الثمانينات حيث وصل العدد الى أكثر من أربعة ملايين شخص وهم يعملون بكل مفاصل الدولة والقطاع الخاص كون العراقيين أغلبهم مشغولون بالحرب ..نظرت الى مطعم الامل بحسرة وقد أصبح أنقاض حطام بسبب الحروب في هذه البلاد …مناظر الحروب وتبعاتها لاتسر الناظرين من مناظر دمار وخراب لمدن كانت عامرة بالامس القريب .
عبرنا بلد وانا اتذكر عندما كنت اوقف سيارتي الخاصة في تسعينات القرن الماضي لاشتري انواع التمور العراقية والعنب والرمان التي تشتهر بها هذه المنطقة الزراعية…
عبرنا قضاء بلد ثم الاسحاقي وصولا إلى سامراء العاصمة العباسية سر من رأى وكان الطريق السريع ايضا متروك بسبب الدمار الذي حصل في الجسر على الخط السريع ولابد أن نرجع الى الطريق القديم الذي يمر بالقرب من سامراء .اقتربنا من المدينة وذهب خيالي بعيداً الى عصر الخلافة العباسية واتخايل الجنود وهم يلبسون عدة الحرب وسيوفهم وخيولهم عند بوابة المدينة وعلى بعد أمتار كان يجلس الخليفة العباسي المعتصم بالله ابن الخليفة هارون الرشيد خيال لمنظر هيجني الى تاريخ النهضة الإسلامية .تداركت نفسي عندما سألني ابني وانا اعبر الجسر فوق نهر دجلة ومنظرها الخلاب وانا أرى القبب الذهبية لمرقد الاماميين العسكريين في سامراء ..ما أجملك أيها العراق في كل العصور حتى ذكريات الحرب أصبحت جميلة رغم مآساتها .. .
عبرنا سامراء ومسافة قريبة حيث هناك قصر العاشق ويقول المؤرخون أنه تم بناءه من قبل الخليفة العباسي المعتمد على الله …
عبرنا مسافة قصيرة وعدنا الى الخط السريع في منطقة الحويش ونحن نتجه إلى مدينة تكريت كان الطريق شبه خالي من السيارات وكانك تشعر أن العراقيين اصبحوا جليسين منازلهم فقط …
في تكريت وعلى الطريق العام الامور طبيعية والمدينة استعادت عافيتها بشكل جيد وذلك من خلال تبليط الطرق وحركة الاعمار منظر يفرح النفس فالاعمار عكس الدمار …وبعد عبورنا لمدينة تكريت وصلنا الى منطقة الحجاج وقد أصبح فيها الاستراحة بين بغداد والموصل في مطعم (( القلعة )) مطعم شامخ كبير وفيه كل الخدمات المطلوبة .أصحابه من السادة البرزنچية من السليمانية ومهتمين بنظافة المطعم وكل خدماته تعتبر درجة اولى .
وبعد أن أنهينا استراحتنا توجهنا الى مدينة البيحي وما ادراك ما بيجي لم تسلم من الحرب في كل شيء لقد طال القصف كل احياء المدينة .حتى أصبحت مدينة أشباح لايوجد فيها إلى قليل من السكان وأصبحت مطاعمها وأسواقها الفاخرة كومة من الركام متروكة وانقاض بناء بحاجة إلى جهود كبيرة لاعادتها …

تذكرت مطعم ماشاءالله ومطعم الزيتون والسيارات واقفة ليلاً ونهاراً والحياة مستمرة بين عسكري نازل إجازة وآخر ملتحق الى وحدته .
عبرنا مصفى البيحي والذي لم يسلم هو الآخر من الدمار ولم ارى تلك الشعلة التي كانت موقدة ليلا ونهارا لتقول للعالم هنا بلد البترول والغاز …ووصلنا مقابل مطعم الامين وهو الآخر لم يبقى سوى هيكل بناء .. وصلنا مفرق قضاء الشرقاط..كانت في الثمانينات وقبلها تبدأ محافظة نينوى من هنا حيث كان القضاء يتبع ادارياً لمحافظة نينوى وكان جنوب الموصل ونواحيها كلها تتبع قضاء الشرقاط واهم دائرة كان الجميع يراجعها هناك كانت هي دائره التجنيد..عبرنا المفرق متوجهين إلى قرية تلول الباج وهناك تسمية أخرى تسمى العاصمة تلول الباج وعن هذه التسمية وحسب الراوي لهذه المنطقة انه كان في الستينات يمر ومازال القطار من قرب قرية تلول الباج فاوقفوه وصعدو فوقه وقالو كلماتهم المعروفة ((حنا الحكومة والعاصمة تلول الباج )) ظناً منهم أنهم اسقطو الحكومة وإن من يمثلها القطار وهذه القصة على عهدة القائل لانني لا اعرف تفاصيلها .
توجهنا بعدها طريق صحراوي بين هذه القرية الى مفرق الحضر .الذي لاتوجد فيه اي حياة مجرد تقاطع شوارع ….كنت متلهفاً لاصل مفرق القيارة والقطعة الخضراء والتي يتذكرها كل مسافر القطعة المكتوبة الموصل ٥٠ كم ..كنا احيانا ننزل في هذا المفرق عندما كان سكننا جنوب الموصل أو في مفرق حمام العليل .عبرنا مفرق القيارة ونظرت إلى تلول ثابته على يمين الطريق اوكما نسميها گطر نجمة ووصلنا الى وادي الگصب وثم عين الكبريت التي تبقى تفوح رائحتها على مر السنين. وصولا إلى مفرق حمام العليل هذا المفرق الذي يذكرني بالشاحنات للجارة تركيا التي كانت مستمرة ليلا ونهارا أما لنقل كبريت المشراق أو تحميل وقود من مستودعات حمام العليل.
كم انت كبير ايها العراق عاش على خيراتك اشقاءك العرب وجيرانك وكل اصدقاءك ومازال أبناؤك يصارعون البقاء من أجل لقمة العيش ..
عبرنا مفرق حمام العليل ووصلنا الموصل واستنشقنا هوائها العذب رغم تلوثه بالحروب .خرجت اولى الآهات عندما وصلت دورة بغداد ولكنني عاشق لك يا مدينتي الحبيبة وعيون العاشق تستر كل عيوب معشوقته ..
يامدينة الطهارة والصلاة يامدينة الفقراء والأسواق العامرة .انفضي غبار الحرب فلقد مللنا الترحال .أما حان الوقت أن ننام باحضانك ام اننا سوف نبقى مسافرين نترحل بين منشأة النيسان وسيارات الجارجر الحديثة….