حين يفقد الانسان الثقة بالحاضر ، والامل بالمستقبل ،يعيش غالبا على ماتخلل ماضيه من احداث جميلة …هنا يمكن ان تنتقدوه حين يردد (كنا هكذا ، فعلنا هكذا ، حققنا كذا وكذا )أو تنتقل اليكم عدوى الألم والحسرة التي يشعر بها وتشعرون بالمواساة …هذا مايحدث حين يتحدث العديد من الصحفيين السابقين عن انجازات الماضي التي تركوها ورائهم منذ ان اصبحت وزارة الاعلام العراقية (محظورة امريكيا ) بتأييد من اغلب اصحاب الكتل والاحزاب القادمة ل(تغيير ) العراق بعد عام 2003 ..
بصراحة ، لقد (غير) اولئك الوافدين وجه العراق ، غيروا خريطته ، فسيفسائه ، اخلاق سكانه وحالتهم النفسية ..وكان من بعض ضحايا ذلك التغيير منتسبي وزارة الاعلام الذين قضوا اشهرا يتظاهرون تحت حرارة الشمس لاعادتهم الى وظائفهم وتعرضوا الى العنف ثم انتقلوا الى مرحلة الوقوف تحت الاشجار المواجهة للوزارة ( المرحومة ) بانتظار رحمة الحكومة الجديدة الهجينة المتكونة من كافة الاطياف والملل والمذاهب تحت عنوان ( مجلس الحكم ) لمنحهم حقوقهم المالية على الأقل ..
احدى الموظفات المسنات تذكرت الاغنية المصرية (تحت الشجر ياوهيبة ) وهي تخطو بتؤدة لتتخذ لها مكانا تحت الاشجار القريبة من وزارتها التي تحولت الى انقاض تتشح باللون الاسود ..كانت قد اعتادت الحضور في نفس الموعد لاسابيع بعد ان صار متعذرا عليها وعلى زملائها استلام رواتبهم ، وبانتظار الرواتب التي قد (تأتي او لاتأتي ) كما يقول شاعرنا الكبيرعبد الوهاب البياتي ، جلست القرفصاء تحت ظلال شجرة واستسلمت للذكريات الجميلة ..تخيلت مكتبها ، الاخبار والتحقيقات المكدسة فوقه لغرض تصحيحها لغويا ..متعتها وهي ترى المادة منشورة في اليوم التالي رغم انها لاتحمل اسمها لكن لمساتها اللغوية واضحة عليها ، ورغم الاذلال الذي رافق جلستها لكنها خشيت مبارحة مكانها خشية احتلاله من زميل او زميلة اكثر منها شبابا وقوة فكل شيء بات يؤخذ بالقوة مؤخرا حتى ظلال الأشجار !!!
بعد ايام ، فوجئت الموظفة التي بدأت مدخراتها تنفذ بوجود مكاتب ومقاعد تجلس عليها موظفات الحسابات (السابقات ) وهن منهمكات باعداد قوائم على أمل تسليم الرواتب في الاسبوع المقبل ..وتحت الاشجار ايضا……مصادفة ، مرت امرأة متسولة مع طفلين بثياب قذرة واطلقت ضحكة شامتة وهي تقول :” هاي تاليها ..موظفات تحت الاشجار ” …فردت عليها احدى المحاسبات قائلة :” اللهم لاشماتة ياخالة ، كلنا عراقيون ومصيبتنا واحدة” ..
وخفت وطأة المصيبة وحصل موظفوالاعلام على رواتبهم وشعروا بحسنات ( التغيير ) حين ارتفعت رواتبهم بمرور السنوات وتم تنسيبهم على الدوائر التابعة لوزارة الثقافة ..هم لايريدون ان يتبطروا على ( النعمة ) المادية رغم عدم شمولهم بالسلم الوظيفي كبقية الوزارات والغبن الذي رافق درجاتهم الوظيفية ثم تصفير رصيد اجازاتهم مؤخرا فهم (مذنبون ) وان لم يرتكبوا ذنبا ..وذنبهم الوحيد انهم كانوا اعلاميين في زمن القائد (الضرورة)، لكن اغلبهم يشعر بالحسرة لأنه غادر الابداع الصحفي وترك الهم الصحفي واصبح موظفا ينتظر راتبه فقط ..لعلها جريمة من جرائم ( التغيير ) ان يتحول الصحفي الى موظف لايجاري الموظفين الحقيقيين مكانة وحقوقا وظيفية ولايطارد احلامه الصحفية ويزرع حروف ابداعه في الاصدارات المختلفة فهو محكوم بدوام رسمي طويل جدا واوامر ادارية مجحفة وامزجة المدراء العامين ..موظفو الاعلام يتحرقون شوقا الى عودة وزارتهم ( الاعلام) والى صحف رصينة مستقلة لاتنادي باسم رموزاواحزاب او كتل، ليشعروا حقا ب( التغيير ) ..