بغداد ولادتي وطفولتي وحياتي .وانا طفل كانت مدرستي المحمدية الابتدائية في سوق حنون بغداد التي تكاد ان تتوسط المحلتين الاشهر .الفضل وابو سيفين ،بكل ما تحمله من ذكرى لبدايتها الجميلة دخلت الى مدرسة المحمدية للبنين عام/ 1952 م وعمري في السابعة .طلابها من المناطق المجاورة لسوق حنون -سوق أبو دودو- قنبر علي- أبو سيفين – شارع غازي – ساحة السباع – حمام المهدي محلة ست هدية-بعد أن باع صاحب الملك، البيت الذي ولدت فيه عام 1945 م في الكرخ منطقة الفحامة ،تحولنا الى خلف السدّة الشرقية لبغداد الرصافة ، في بيت من الحصران. يفتقر الى كل الوسائل الحياتية، ويومياً اذهبُ صباحاً، انزل من السدة الترابية الى شارع المجزرة لذبح المواشي في شيخ عمر، ومن ثمّ الى علوة المخضر-رأس شارع غازي، وادخل في سوق أبو سيفين، السوق الضيق لبيع الخضروات في البصطيات ثمّ الى الكفاح وادخل في سوق حنون وفي نهاية سوق حنون مدرستي المحمدية للبنين جميلة ونظيفة إدارة المدرسة كانت تصرفُ لنا وجبة غذاء كاملة، بعد أن اكتشفت إنّ الطلاب الذين معي تشكيلةٌ من المذاهب الدينية، الشيعي والسني والكردي والفيلي والمسيحي واليهودي والإيزيدي والشبكي،،شدّة ورد..هكذا كان العراق !! ما كان هنالك تعصبٌ طائفي بين العراقيين ابدا .كانت تجمعنا خيمة العراق الموحد وصورة الملك فوق السبورة بالمدارس
وفي مناسبة عاشوراء وإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، نذهب الى مجلس عزاء الحاج منيشد الكناني هو الوحيد كان هناك رحمهُ الله في داره الواقعة قرب السدّة الترابية في كم الأرمن مجاور الى بيوت اخواننا المسيح ، الان شارع الخط السريع المعلق حول بغداد .وبيوتنا في مكانها الان مستشفى الكندي. كنت اشاهدُ زملائي في المدرسة ايضا معي في العزاء جالسين على الحصران يسمعون محاضرة رجل الدين بكل دياناتهم ، وكنا مسرورين للتجمع الكبير حول التعاطف معنا ، وكان الحاج منيشد الكناني رحمهُ الله رجلاً ميسور الحال يقدّم وجبات غذائية للثواب، والأكلة المشهورة كانت تمن وطرشانه ) فـ « العين تهمل والبطن جوعانة» ، هذه الحياة كانت بدائية، فيها المحبة والتعاون وطيبة أهلنا، كنا نفتقر الى وسائل الإعلام المرئية، إمّا السمعيه فكانت إذاعة بغداد فقط نسمعها في المقاهي ،كنا نعيش متسامحين متحابين.. في بغداد وحكومة الملك ونوري سعيد، لم تقدّم لأهلنا مكسبا.. اتذكر قصيدة للشاعر جمعة الحلفي رحمة الله .كتبها عن وجع العراقيين، من أهل الصرائف في بغداد يقول فيها ،،خلف السده مطمورين ،كومة من الصرايف والبشر والطين ، مهمومين چنه من العطش والجوع . الى اخر القصيدة ..
..
عام ١٩٥٨ / جاءت ثورة المرحوم الشهيد عبد الكريم قاسم .ثورة الفقراء المنقذ رحمه الله .بعد مرور عام على استقرار الحكومة عام ١٩٥٩ وزع عبد الكريم قاسم بيوت جاهزة سكنية على الفقراء من الشعب العراقي مثلا .للشرطة في الالف دار/ بغداد الجديدة وللعسكرين في منطقة الزعفرانية ..ووزع الى الموظفين في الطوبجي والاسكان وبقية مناطق في بغداد . اما غير الموظفين قطاع الخاص وزع عليهم مدينة الثورة .ومدينة الشعلة هذا الرجل المخلص للعراق رحمك الله يازعيم أنت اسكنت فقراء الصرائف العراقيين في بيوتٍ صحّية من الحجر والحديد وأسست لهم الماء والكهرباء وتبليط الشوارع وبناء المدارس النظيفة، قتلك الحاقدون الطائفيون والحرامية ، الساقطون، مع الأسف لو كان عنده قبر، لكان سبعون بالمئة من العراقيين يزورون قبره ويترحمون عليه .طالبنا هذه الحكومة «السيبندية » أن يكون هناك قبر مزارٌ للزعيم في بغداد، ولم يُستجب لطلبنا احد رحمك الله يازعيم
قبل ثلاثين عامّاً، ذهبتُ أزور مدرستي المحمدية في سوق حنون قمبر علي، وجدتها مكباً للنفايات.. لا حكومة صدام عمّرت هذه المناطق، ولا هذه الحكومات تُعمّر، الله ياعراق.. نحتاجُ منقذاً آخراً مثل الشهيد عبد الكريم قاسم ..لينقذ العراق من الخراب الذي نحنُ فيه .