كان اللواء الركن سنان عبد الجبار ابو گلل المعاون الاول لمدير الاستخبارات العسكرية العامة لشؤون الاستخبارات كافة عام ١٩٩٠ ، وكان من أوائل ضباط ركن المديرية المطلعين على القرار الذي اتخذ بأستعادة الكويت ،حيث ابلغ القائد العام للقوات المسلحة مدير الاستخبارات العسكرية العامة ف ر صابر الدوري وآخر تموز بقرار القيادة السياسية ان من بين خياراتنا ان فشلت الجهود السياسية ان نقوم بعملية عسكرية تجاه الكويت ! وعليكم في الاستخبارات تهيئة مستلزمات المواجهه في حال اتخذنا القرار
ويذكر اللواء سنان ان المدير العام استدعاه لمقره حال رجوعه من لقاء القائد العام ، وأبلغه بتوجيه الرئيس بتهيئة مستلزمات المواجهه لكنه اخبره بأننا امام مسؤولية كبيرة وخطيرة وعلينا ان نضع القيادة السياسية بالصورة الحقيقية لقدراتنا و قدرات حلفاء الكويت وما سيترتب عليها من مخاطر كبيرة ، و أمره بإعداد تقرير مفصل عن القوات الأجنبية المتواجدة في الخليج ، وما الرد المتوقع منهم في حال اقدامنا على هكذا عمل كبير !
قال اللواء سنان للمدير العام : سيدي هذا معناه ان نقول ( لا ) لقرار القيادة السياسية !
اجابه المدير العام في كل دول العالم تتخذ القيادة السياسية قرارات الحرب بناءا على معطيات وتقديرات الاستخبارات ولهذا من واجبنا ان نرفع الحقائق كاملة ولا تخشى شيئا ستكون رقبتي قبل رقابكم في حال عدم رضى الرئيس عن تقاريرنا .
أعدت المعاونية الاولى التقرير الذي طلبه المدير العام والذي بين الهوة الكبيرة بين تكنلوجيا الأسلحة الامريكية مقارنه بمعداتنا العسكرية واحتمالات الرد والمجابهة وأرسل بتوقيع المدير العام الى رئاسة الجمهورية
جاء رد الرئاسة ( تتصرفون وكأنكم تجار سلاح تروجون للأسلحة الامريكية الاستخبارات لا تريد تحرير الكويت ! زودونا بأسماء الضباط المشاركين بإعداد هذا التقرير ولا تتدخلوا بالسياسة مرة اخرى )
إجابت المديرية وبتوقيع المدير العام بأن المدير بنفسه هو من اعد التقرير ويتحمل كافة المسؤولية عن كل حرف ورد فيه !
بعد ايام صدر امر من الرئاسة( وعلى غير المعتاد ) بأعفاء اللواء الركن سنان ابو گلل من المعاونية الاولى ودمجها مع معاونية ايران والشمال ويكون العميد الركن وفيق السامرائي مسؤولا عن الملفين ايران والشمال ودول الخليج !وتحرير الكويت ! كانت صدمة كبيرة لنا لم نعرف معناها حينها فكيف يستبدل في وقت عصيب كهذا صاحب الملف المطلع على تفاصيل عمل معاونيته ويكلف بها مسؤول ملف ايران والشمال !
حاول المدير العام معرفة الأسباب فأخبره سكرتير رئيس الجمهورية حامد حمادي بأنه قرار الرئيس ولا رجعة فيه
وفي 10-1-1991، بعد اشهر من استعادة الكويت استدعينا إلى رئاسة الجمهورية بصورة عاجلة نحن ضباط الركن الأقدمين في مديرية الاستخبارات العسكرية العامة ، وفور وصولنا إلى مبنى المجلس الوطني – مقر الرئيس الرسمي – أُدخِلنا إلى قاعه الاجتماعات هناك وجلسنا حسب القدم العسكري ، ولم يكن المدير العام حاضرا معنا أول الأمر، لذهابه مع وزير الدفاع وأعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة لتفقد القطعات في منقطة حفر الباطن جنوب العراق .
قبل وصول القائد العام للقوات المسلحة رئيس الجمهورية قاعة الاجتماعات بدقائق، دخل الفريق الركن صابر الدوري مدير الاستخبارات العسكرية العامة قاعة الاجتماع وكانت ملابسه العسكرية يغطيها التراب – إذ يبدو انه اسُتدعي على عجل إلى الاجتماع – وما إن جلس في مقعده الأمامي المخصص له حتى دخل الرئيس صدام حسين لقاعة الاجتماع ، وكان يرتدي النطاق فوق بدلته العسكرية وما ان وصل الى المنصة حتى ورماه بغضب على طاولة جلوسه أمامنا
في بداية الاجتماع تحدث الرئيس بانفعال موجها كلامه لمدير الاستخبارات: {هناك قصور كبير في المعلومات عن سير تحشدات العدو …… إنكم في الاستخبارات ستكونون سببا في خسارة بل تدمير العراق في هذه الحرب، عكس الحرب العراقية الإيرانية عندما كنتم احد الأسباب الرئيسية لنصرنا على إيران}،
طلب مدير الاستخبارات العسكرية الحديث وقال:
{سيدي أنا اعترف لك بأننا غير قادرين على تزويدكم بالمعلومات الكافية كما كنا نفعل في الحرب العراقية الإيرانية وسأبين لكم الأسباب، خلال الحرب العراقية الإيرانية كنا نحصل على المعلومات عن طريق عدة مصادر منها
أ- التنصت على شبكات العدو الإيراني اللاسلكية بواسطة المعدات الفنية والوسائل الفنية الأخرى , والحلفاء الآن بما إن المبادأة بأيدهم فأنهم لا يستخدمون الأجهزة اللاسلكية في التحدث مع تشكيلاتهم إضافة إلى إن أجهزة اتصالاتهم متطورة حيث يصعب علينا اختراقها.
ب- المصادر البشرية: لقد كانت لدينا مصادر بشرية في بعض الدول العربية ومنها السعودية وقد أمرتم بقطع الاتصال مع كافة تلك المصادر بعد اتفاقية مجلس التعاون العربي وعندما استأذنتكم بإبقاء شعرة معاوية معهم رفضتم طلبي حتى لا نثير السعوديين.
ت- في مراحل التحشد الأخيرة للعدو كنا نستخدم الطائرة ميك 25 لتصوير تلك التحشدات وقد فاتحتكم رسميا لإجراء استطلاع جوي تصويري لتحشدات قوات دول التحالف ولم تحصل الموافقة وهمشتم سيادتكم على المذكرة ((إن صابر الدوري يريد إشعال الحرب قبل أوانها حيث إن الأمريكان سيسقطون الطائرة حال تحليقها ))
ث- بعدها طلبتُ من سيادتكم إن يقوم ضباط الاستخبارات باستخدام الطائرات ألسمتيه لاستطلاع الشريط الحدودي بين الكويت والسعودية ورفض الطلب أيضا… لهذا السبب تجدون سيدي الرئيس إن معلوماتنا ليست بالوضوح الكافي كما كنا في الحرب مع العدو التقليدي ايران}.
سكت الرئيس لبرهة وقال للمدير العام ((لقد اقتنعت بتبريراتك))
وانتهى الاجتماع دون إن يطلب الرئيس من احد المختصين رأيه، وعند نهوض الرئيس وتوجهه نحو باب الخروج، توقف عند باب القاعة والتفت إلى وفيق قائلا باستهزاء:
ماذا تقول يا وفيق؟!..
فأجابه وفيق بكل تملقه المعروف و ريائه الذي عاش فيه طوال عمره وهو مطأطئ الرأس:
(اني جندي سيدي وسأموت تحت حذائك )
خرج الرئيس وطلب من المدير العام اللحاق به وخرجنا من الاجتماع عائدين الى مكاتبنا
وبعد سنين عرفنا سبب اعفاء اللواء سنان ابو گلل حيث اخبرني اثناء زيارته محافظا لميسان كيف ان الرئيس اثناء تكليفه بمهامه كمحافظ لميسان اطلعه على تقارير وفيق السامرائي السرية التي كتب فيها للرئيس عن طريق حسين كامل :
( ان المدير العام ومعاونه الاول غير مقتنعين بتحرير الكويت ولا يزودون القيادة بمعلومات وافيه لأسباب مريبة )
لهذا امر الرئيس باعفاءه من منصبه وطيب خاطره المدير العام بتكليفه مهام ادارة مدرسة الاستخبارات .
وهذا ايضا ما أعترف به وفيق في كتابه حطام البوابة الشرقية حيث افرد فصلا بعنوان( صدام يتوعد بإعدام مدير الاستخبارات)
قائلا: كتبت لصدام ان مدير الاستخبارات غير مقتنع بتحرير الكويت وقال لي انك ستدمر العراق بهذا القرار فأسدعاني وجها لوجه لمعرفة ما قاله مدير الاستخبارات وعزفت على الوتر الحساس لصدام فأكفهر وجهه وقال سوف يعلم صابر ما معنى خيانة عضو في القيادة العامة)
رحم الله اللواء الركن سنان ابو گلل مفخرة ابناء العراق ومحافظة النجف واسكنه فسيح جناته.