5) هل نحن – إذا كنا إلهيين – عقليون أم نقليون أي وحيويون؟
لا بد من أن نقرر ابتداءً بأن العقليين الإلهيين، منهم من هم دينيون أو نبويون أو نقليون أو وحيويون، باختلاف المصطلح ووحدة المضمون المصطلح عليه، أي مؤمنون بأن الله قد بعث الأنبياء والرسل، وأنزل الكتب، وأوحى لأنبيائه ورسله إيحاءً إلهيا بالدين، ومنهم من هو عقلي إلهي ديني تأويلي، أو عقلي إلهي غير ديني، أو ديني ظني، كما كنت عليه من أول تموز إلى أواخر تشرين الأول عام 2007. فبالنسبة للعقليين الإلهيين الدينيين، فهم يؤمنون بمصدرين من مصادر المعرفة الدينية، العقل والوحي، وبالتالي هم لا ينكرون النص الديني، ولكنهم يقولون بالصواب والخطأ العقليَّين فيما هو العقل الفلسفي، وبالحسن والقبح العقليَّين فيما هو العقل الأخلاقي، وبالتالي يضطرون إلى اعتماد التأويل لكل ما يتعارض من نصوص الدين مع العقل الفلسفي والعقل الأخلاقي والحقائق العلمية. وهم عندما يؤمنون بالوحي كمصدر ثان للمعرفة العقائدية، فهم يخضعون الوحي للعقل، إما إخضاعا حقيقيا صادقا، أو إخضاعا مُدَّعىً أو مُتوهَّما، باعتبار أن العقل هو من يملك صلاحية إصدار الحكم بصدق أو كذب ما يُدَّعى أنه وحي، والجمع بين العقلية والوحيوية يوجب تأويل كل نص غير عقلي الظاهر تأويلا عقليا، وبتأويل الظاهر غير العقلي من النص الديني بمعنى مجازي، بشرط عدم تكلف التأويل والوقوع في التبريرية. بينما النقليون أو الوحيويون فهم ينكرون للعقل أي دور في الاعتقاد، أي في تصديق الدين، ولذا سُمّوا بالمُعَطِّلة، أي الذين يعطلون دور العقل في الاعتقاد، أو يجعلون للعقل في أحسن الأدوار دورا هامشيا هو أقرب للتبرير منه إلى التعقل، بحيث يكون العقل مقودا مُتّبِعا بدلا من أن يكون قائدا مُتّبَعا. ولكن حتى الدينيين (العقليين) يقعون بقدر ما في مغبة تعطيل العقل. والوحيويون المسلمون يقعون هنا في تناقض رهيب مع مقولات القرآن كمصدر أساسي للمعرفة الدينية بالنسبة لهم، لأن القرآن ينكر على أتباع ديانات أخرى كونهم وجدوا آباءهم على ملة فكانوا على آثارهم مقتدين. وإلا، إذا ما استثنى أنفسهم هؤلاء المسلمون وحدهم من هذه القاعدة، فهذا قول بالجبر، ينافي عدل الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لأنه يكون قد خلق أناسا على دين، فلم يدركوا وجوب مراجعة ما وجدوا عليه آباءهم، وكان آباؤهم صدفة ومن سوء حظهم على دين باطل، فاعتبرهم كافرين مستحقين للعقاب بسبب كفرهم. بينما خلق أناسا آخرين على دين آخر، وهو في هذه الحالة الإسلام، وهم كذلك لم يدركوا وجوب مراجعة ما وجدوا عليه آباءهم، ولكن آباءهم كانو صدفة وكذلك من دون اختيارهم، ولكن هذه المرة من حسن حظهم، على دين يفترض أنه دين حق، فاعتبرهم مؤمنين مستحقين للثواب بسبب إيمانهم. وهذا النوع من التفكير واضح فيه التجني على الله سبحانه، والتشكيك بعدله، من حيث يشعر معطلة العقل، أو من حيث لا يشعرون. لكنهم لا يعترفون بشرعية هذا الاستدلال، لأن منهجهم الوحيوي النقلي النصي اللاعقلي ينفي قاعدة الحسن والقبح العقليين، ومن هنا يكون العدل الإلهي عندهم عدلاً لا بحكم العقل، بل بحكم الوحي، فقاعدتهم مفادها ما يفعله الله فهو عدل، وما يأمر به فهو حسن، والصحيح أن العقل وحده هو من يستطيع فحص ما إذا كان ما ورد في نصوص دينية ما، هو حقا مما فعله، أو يفعله، أو سيفعله الله، أو مما يريده الله فعلا أو تركا، أمرا أو نهيا، وإلا فالاستدلال على صدق وحي ما أو كتاب مقدس ما بنفس ذلك الوحي أو الكتاب المقدس، أو ما يعتبرهما أتباعهما وحيا أو كتابا مقدسا، هو من الدور المحال عقلا، كما مر. وفي الواقع إن جميع المسلمين – بما فيهم العقليون -، لا بل جميع الدينيين هم بدرجة أو بأخرى من المعطلة، أي من المعطلين، أو في أحسن الأحوال المهمشين لدور العقل.