المؤلف هو الاستاذ جودت هوشيار، والكتاب مطبوع في أربيل بمطبعة كاروان عام 2011، ويقع في 200 صفحة من القطع الكبير، ويتضمن اكثر من عشرين مقالاً، تتضافر لتكون نسيجاً بالغ الثراء، ولتمنح القارىء إطلالة على الكنوز والدرر الكلاسيكية الكوردية التي ما زالت حبيسة الجدران في مكتبات العالم، ومنها على الخصوص المكتبات الروسية إضافة إلى عدد لا يستهان به من المخطوطات الكوردية في مكتبات بلاد ما وراء القفقاس (أرمينيا، جورجيا وآذربيجان) حيث تشتجر هذه المقالات التي تضمها دفتي الكتاب مع بعضها، لذلك جاء عنوان ذخائر التراث الكوردي في خزائن بطرسبورغ الذي اختاره المؤلف اذ هو عنوان أحد المقالات الواردة في الكتاب ليكون عنواناً دالاً للكتاب، حيث أن هذه المقالات تمد خيوطاً شفيفة لتتواصل مع بعضها لأتمام فكرة المؤلف وغايته التي هي باختصار الدعوة إلى محاولة استرداد المخطوطات الكوردية الموجودة في متاحف ومكتبات العالم استرداداً مجازياً بتصويرها تمهيداً لتحقيقها وطبعها ونشرها من أجل اطلاع الكورد أنفسهم والمثقفين والباحثين منهم تحديداً والأجيال القادمة واللاحقة على كنوز هذا التراث، خاصة وأن أثمن جزء من هذا التراث أي المخطوطات الكوردية المحفوظة في مكتبات بطرسبورغ تتعرض اليوم إلى التلف بسبب الظروف الطبيعية وقطع التمويل الحكومي عن المؤسسات العلمية والمكتبات العامة في روسيا . وقد سلط المؤلف في كتابه هذا الضوء على مجموعة كبيرة من المخطوطات الكوردية النفيسة والنادرة والأصيلة التي تحتضنها خزائن الكتب في روسيا وخاصة خزائن بطرسبورغ التي كانت عاصمة لروسيا في عهد النظام القيصري والتي كانت تتركز فيها الدراسات الاستشراقية في ذلك العهد، ويذكر المؤلف بأن هذه المخطوطات كانت حبيسة تلك الخزائن، ولم يكن يعلم بوجودها إلاَ بعض المسؤولين عن حفظها، ويضيف المؤلف قائلاً : ولربما كانت تلك النفائس ستبقى في طي الكتمان والنسيان لولا اهتداء المستشرقة الروسية مرجريت رودينكو ( 1926 – 1976 ) إليها وقيامها بكشف النقاب عن محتوياتها في خمسينيات القرن المنصرم . ويتحدث المؤلف خلال فصول الكتاب باسهاب عن هذه المستشرقة التي أختارت من حقول الاستشراق، حقل الكوردلوجيا لتختص به، وفي جانب من حديثه عنها، يقول المؤلف بأن الانجازات الباهرة التي حققتها رودينكو طوال ربع قرن (1951 – 1976) في خدمة التراث الكوردي قد شكلت نقطة التحول الرئيسية في دراسة واحياء هذا التراث وأن هذه الانجازات قد حفزت العديد من المستشرقين وكذلك الباحثين الكورد لولوج ميدان تحقيق المخطوطات الكوردية وفي مقدمتها المجموعة التي تحتضنها خزائن بطرسبورغ .
ويضم الكتاب أيضاً مقالين عن المستشرق الروسي الكبير فلاديمير مينورسكي (1877-1966) الذي كان أول مستشرق أثبت بالشواهد العلمية التاريخية والدلائل اللغوية وبالتحليل العلمي والمنطقي بأن الكورد هم من أصل آري وأنهم أحفاد الميديين، وفي هذين المقالين، يتحدث المؤلف عن جوانب عديدة من حياة هذا العالم الجليل وعن مكانته العلمية الرفيعة في عالم الاستشراق وحياديته العلمية التي أشتهر بها، وكذلك عن نتاجاته عن الكورد وكوردستان باللغات الروسية والفرنسية والانجليزية.
وفي الكتاب أيضاً مقالات عن المستشرق يوسف ايكوروفيج اوربيللي (1887-1961) الذي كان يعد المرجع الأعلى في روسيا في كل ما يتعلق بالدراسات الفيلولوجية واللغوية الكوردية وذلك لتضلعه في دقائق اللغة الكوردية وتفاصيل قواعدها اللغوية، الذي تحت اشرافه صدر في العهد السوفيتي العديد من الكتب والمعاجم (الكوردية – الروسية ) و( الروسية – الكوردية ) . ويتطرق المؤلف إلى الاسهامات الكبيرة الاخرى لهذا العالم الجليل في تطوير الدراسات الكوردية ومنها قيامه بمراجعة الأبجدية اللاتينية الكوردية وموافقته على تطبيقها واستخدامها في المؤسسات التربوية والثقافية الكوردية في الاتحاد السوفيتي، تلك الأبجدية التي قام بوضعها الكاتب والأديب الكوردي الكبير شاميلوف بتكليف من اللجنة المركزية للحزب البلشفي في جمهورية أرمينيا السوفيتية.
ثم يتطرق المؤلف إلى الاعمال الاخرى التي قام بها اوربيللي، هذا العالم الجليل والعالي الشأن فيقول : بأن من أهم الانجازات التي حققها اوربيللي في مجال تطوير الكوردلوجيا هو تأسيسه لقسم مستقل علمياً وادارياً ومالياً للكوردلوجيا في معهد الاستشراق في لينينغراد (بطرسبورغ حاليا) وذلك في سنة 1958 حينما كان مديراً للمعهد المذكور. بعد أن كانت الدراسات الكوردية حتى ذلك الحين فرعاً من الدراسات الايرانية، ويمضي المؤلف قائلاً بأن هذه الخطوة كانت الأساس لتطوير الكوردلوجيا في العهد السوفيتي خصوصاً بعد أن ضم القسم أفضل وأهم الكوردلوجيين من الروس والكورد السوفيت الذين قدموا في السنوات اللاحقة انجازات علمية كبيرة وكثيرة، ويذكر المؤلف بعض الأسماء اللامعة من الذين عملوا في هذا القسم باشراف اوربيللي مثل : كوردوييف، تسوكرمان، رودينكو، جليلي جليل، موسيليان، سمير نوفا، يوسوبوفا، ديمينتيفا. وهناك مقالات وفصول اخرى في الكتاب تتطرق إلى دراسات الباحثين الكورد في جمهوريات ما وراء القفقاس والتي تتعلق بالكورد وكوردستان من جغرافيا، تاريخ، لغة، فلكلور، أدب، فنون، آثار، سياسة، وهي دراسات علمية رصينة وغنية بالمعلومات والافكار والاستنتاجات الذكية . وقد حاول المؤلف من خلال تسليط الضوء عليها، تقديم خلاصة لمحتويات تلك الدراسات، وهناك قضايا ومواضيع كوردية اخرى حظيت باهتمام وعناية المستشرقين سيقف عليها القارىء عند مطالعته لهذا الكتاب .