هذا هو شهر رمضان . شهر الطاعة والهدوء والراحة والكرم والتسامح والتأمّل ، وغسل الروح وشطفها وتطهيرها ، مما علق بأذيالها من درن وخبْث وخبائث . سلام على أرض ، تتجاور وتتصادى وتتباوس فوقها والفجاج ، أجراس كنيسة ، نغمة بنغمة مع تنغيم جامع . الإيمان الحقّ ، هو الإيمان بالجوهر ، وليس الشكل ، أو التمثيل الرديء ، والإخراج السيّىء الذي تنام عليه البلاد ، ويصحو على مرآه العباد . في الزمن الذي كان فيه أهل كركوك ، يتهيئون لشمر تمرات الإفطار الحلال في أفواههم ، طعماً وسنّة ، صاح صائح من بطن المدينة ، أن أمراً جللاً قد وقع . عصبة من وحوش على هيئة بشر ، اقتحموا دار عائلة كركوكلية مسالمة ، وذبحوا بالسكاكين ، الأب والأم وابنتيهما – تخيّلوا الآن ، وجع وحزن الذبيحة الأخيرة – ولأن البلاد تائهة ، والحكومة دائخة ودائحة ، فلا أحد حتى اللحظة ، عرف هوية هؤلاء الذبّاحين . على الأرجح ، أن الذبّاح كان مسلماً وصائماً ، وربما كان مخّه التالف الوسخ ، مقمّطاً بفتوى أو نصح أو تأويل من شيطان أكبر . مسلمون صائمون ساجدون موحِّدون ، يتناطحون بالرؤوس وبالمناكب وبالسكاكين وبالبارود ، حول مسألة ظهور عمر بن الخطاب على الشاشة الملونة ، طويلاً ضخماً وسيماً قوياً ، ذا صوت جهوري مؤثر ، يكسر الصخر ويرعب القلب ، صحبة علي بن أبي طالب – ثمة من عارض ظهوره ، كما حدث العام الفائت ، مع الحسن والحسين – هنا ، شفنا علياً ، على شبهٍ عظيم مع أشهر صوره الشائعة في العصر الحديث . المنطحة في هذا الباب ، هي زيت مضاف ، يسقي ناراً ، يخيل الى ناظرها ، أنها ستنخمد ، حتى تثور ثانيةً ، وقودها الناس وحجارتهم وتجارتهم وسلامهم . ذبيحة تجرُّ حبل ذبائح ، والذابح والمذبوح ، هم مسلمون وصائمون . مسلم صائم مصلٍّ ، يلغّمُ جسده ، ويفجّره بين حشد من مسلمين ، فيقتلهم ، وييتّم أطفالهم ، ويرمّل نساءهم ، وهو على يقين ومعتقد راسخ ، أن روحه وجسده ، سيحطان بعد قليل ، في جنة الله الواسعة ، حيث العشاء ، صار ممكناً ، على أعتاب مائدة العظيم محمد ، وآله الطيبين الطاهرين . مسلمون صائمون قائمون راكعون ، يخرجون جيرانهم من ديارهم بغير حقّ ، ويغتصبون مالهم وحلالهم ، من دون رفّة جفن ، أو نغزة ضمير . مسلمون صائمون حاجّون معتمرون ، نهبوا وسلبوا وقتلوا وكفّروا وزوّروا وضلّلوا وجهّلوا وخدعوا وخانوا ، وخدّروا الناس ، بخرافات وبِدَعٍ وضلالات وأساطير ومنتظرات لا تأتي . مسلمون صائمون ، يسبّون مسلمين صائمين ، بسبب من أسمائهم . مسلم صائم ، جبهته مكويّة من أثر السجود ، يقتل مسلماً صائماً ، لشبهة ثأر وقعتْ قبل ألف واربعمائة سنة . مسلمون صائمون قائمون قاعدون مسبّحون ملتحون معمّمون ، فعلوا بمسلمين صائمين مؤمنين ، ما لم يحدث في كل تأريخ بلاد ما بين القهرين الحديث ، وقد استندوا في هذه الوحشية وهذه الجهالة والضحالة والضلالة ، على فتاوى ، نازلة من مسلمين معمّمين ملتحين ، بُحّت حناجرُهم ، وتقبّحت خِلَقُهم من شدة الكذب . ألذبحُ وأسبابه ، والشتم ومسوّغاته ، واللصوصية وأُصولها ، والخرّاب الذي ولّد اليباب ، لم يكن منبعه ، مسلمون صائمون معمّمون فقط ، لأن جند وجنديات أمريكا الوغدة ، والإنكليز الحرامية ، الذين غزو البلاد وخرّبوها ونهبوها وأمرضوها ، بالبارود ، وبالحثالة التي والتهم وظاهرتهم ، وصارت نعلجات حديد ببساطيلهم ، كانوا كلّهم – أو جلّهم – من مسيحيين مؤمنين صائمين ، قارعين لأجراس المحبة والسلام ، حتى دخلوا قريتنا ، فأفسدوها ، وقلبوها على البطانة . أيها الناس ، اصحوا قبل أن تخسروا آخر ما تبقى . يا رجال الدين ، يا نساء ورجال وأغضاض السياسة ، حرام السكوت ، ومثله التجهيل والتغرير والتضليل . عيب ، والله العظيم ، عيب وحرام ، فما تأكلونه اليوم ، سيصير غداً ، ناراً في بطونكم ، وسمّاً وزقنبوتاً .
[email protected]