لابد من مراجعة قضية (الإستفتاء الكردستاني (غير الملزم) حول الإنفصال الكردي) عن الجسم العراقي بعيداً عن العواطف وبعيداً عن لغة الانفعالات والصراخ القطيعي المنفعل لابد من مناقشة ما حدث بعقلانية هادئة للبحث عن مخرج علمي حقيقي لهذه الأزمة التي يمكن أن تغيير وجه العراق ومستقبله والمنطقة بأسرها وقد تجر ويلات ومصائب مضافة وقد تؤدي إلى تخفيف الإحتقانات العرقية والطائفية إذا ما تمت بشيء من الحكمة والعقل والتروي!
لماذا رحب القسم الكبير من الشعب الكردي بقرار الإنفصال ؟
لماذا فشلت العملية السياسية التي صممها وأشرف عليها بريمر المعتمدة على (المحاصصة التوافقية ودولة المكونات) من توحيد (مكونات) الشعب العراقي ولم تثمر هذه المحاصصة عن توافق ؟! بل أدت إلى كوارث متلاحقة أنتهت بمطلب الإنفصال الكردي ليس عن وطن بل عن عملية سياسية فشلت في إستيعابهم !
إن ما يحدث اليوم هو ناتج منطقي جدا لما حدث بالامس وما سيتكررغداً
(لعملية سياسية) وأحد مخرجاتها (التوافقية) القائمة على مشاريع و(محاصصات) طائفية وعرقية قسمت المجتمع العراقي إلى مكونات طائفية وعرقية ودينية
قائمة على براغماتية متخلفة و(ديمقراطية العشائر والمليشيات) و وحشية دموية وتخلف مظلم في ظل (دولة) الفشل والفساد مع غياب وتشويه وتكفير ومحاربة المشروع الوطني !
نعم تقاسمنا المناصب (تحاصصنا) بدء من أعلى منصب لإدناه قد تكون تلك (الحصص) غير عادلة وقد تكون في بعض الإحيان غير متوازنة وقد تعتمد مبداء (القوة) أكثر من إعتمادها مبداء الحق تحكمها (براغماتية متوحشة) إلا إن هذه (المحاصصة) دفعت نحو (تصارع المكونات) وتعزيز إنفصالهم السياسي لذا كانت كل الإنتخابات قائمة على أسس طائفية وعرقية وكان حصة الوطنية هي الأضعف من بين كل الحصص. نعم لم يكن هناك أي جهد يعزز الإنتماء الوطني بقدر الإهتمام بتعزيز أقصى ما يمكن حصده من حقوق كل مكون ولو على حساب المكونات الأخرى فكان هناك (تغول كردي) في كردستان وكان هناك (تغول شيعي) في الوسط والجنوب و(صراع سني) محتدم على المناصب في الغرب والشمال لتقاسم (حصة السُنة) !. وكانت الحكومة في واد والشعب بكل (مكوناته) في واد آخر وكانت الشعارات والصور والأعلام الطائفية والعرقية هي السائدة على مباني الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والأمنية وبكل الوسائل المرئية والمسموعة لتعلن إنتماء هذه المؤسسة لهذه الطائفة أو العراق أوالحزب في إستعراض قوة متعصب ولم نكن نرى دوائر ومباني “وطنية” بل تحولت دوائر الدولة إلى ضياع طائفية وقومية وحزبية وعائلية فاشلة أو فاسدة.وغابت الثقافة الوطنية أو أضمحلت بأحسن الأحوال وقدمت هويات متعددة على حساب الهوية الوطنية المغيبة لذا يستحيل أن لا تكون غير هذه النتيجة تقسيم العراق حسب المكونات وفض (الشراكة) وكل يأخذ (حصته) و (إستحقاقه) هذه النتيجة لتلك المقدمات ولن نتجنب التقسيم والصراعات المذهبية والطائفية والعرقية ما لم نغادر هذه المشاريع المكوناتية الطائفية إلى المشروع الوطني (الواحد) الجامع لكل العراقيين بكل مكوناتهم وإنتمائتهم وثقافاتهم ومن دولة المكونات إلى دولة (المكون الوطني) … ولا تتوقعوا غير ذلك !!!!!
العملية السياسية الحالية والسياسيون الحاليون هم من أنتج التقسيم الطائفي أبتداء ومن الطبيعي أن تمنحوا هذا الحق لغيركم ولن يصلح حال العراق إلابالعودة الى الحل الوطني الجامع والقضاء على الطائفية المتخلفة والعرقية المتعصبة !.
كان لنشوء الدول القومية في القرن السابع عشر وما تلاه مبرراته العملية بل حاجته الوجودية لكن تطور مفهوم الدولة مع تطور مفهوم المواطنة وتطور مفهوم الديمقراطية والاكثرية والاقلية تقلص مفهوم الدولة القومية ونشط مقابله وتوسع وازدهر مفهوم تنوع الثقافات ومنها تنوع القوميات تحت مظلة توسع الليبرالية وبين هذا التوسع وتغير مفهوم الدولة العقائدية أو القومية وحتى الحزبية إلى مفهوم الدولة المؤسسة وعولمة الانسانية …أصبحت القومية ثقافة حرة (في ظل تنوع وتلاقح الثقافات وتعسف اللبرالية المنفتحة ) وممارسة إنسانية حرة بعيدة عن السياسة بعد أن أصبح إضطهاد (مواطن واحد) جريمة رأي عام يحاسب عليها (المجتمع) إن سكت عليها أو مررها دون محاسبة وعقاب!. وأصبح للحيوان حقوق في ظل دولة الحضارة تجاري حقوق الإنسان في ظل دول الخرافة والفساد والفشل والتعصب.
بل بدأت دول المهجر تعني بتطوير وابراز ثقافات المهاجرين القومية قد لا يجدونها في بلدانهم! . العالم تغيير ويتغير بشكل اكبر من أي تصور …
ونحن نتراجع ونتخلف ونندحر بشكل فاق مستوى الخيال
ولن يتوقف هذا الانحدار عند دولة العشيرة والقبيلة …!!!
ونحن باتجاه دولة المليشة ثم دولة العصابة بعد أن تسحق دولة القبائل
حصل التصويت (الغير ملزم) وصوت الكرد لصالح الإنقسام وأصابت الكرد نشوة الإنتصار وتحقيق الحلم القديم الجميل الذي بذر بذوره سايكس وبيكو . وصحى باقي العراقيون على واقع جديد بدأ يتشكل (عراق جديد) منقسم ومهدد بتقسيم آخر ورفض العقل الجمعي ! وفي اليوم التالي بدأت طبول الحرب تقرع وتزايدت التهديدات والتصعيد ولاحت نذر الحرب على كل سماء العراق التي اكتست بالسواد وتراجعت لغة العقل إلى لغة حماسية ورفض العقل الجمعي تصور الصورة الجديدة والاسماء الجديدة التي هي الحصيلة النهائية لدولة (محاصصة المكونات) ودولة (الشراكة) وهناك مساعي لإطفاء لغة الحوار والتفاهم نحو لغة قطيعية لا تعرف إلا إتجاه واحد …التصعيد والحرب والإجتثاث ومات وسط كل هذا السؤال الضروري : لماذا؟
علينا التوقف والتساؤول ما هي الأسباب الذي أدت لهذا وهل هناك حل يجنبنا الكوارث (الحربية) التي يكون ثمنها دائماً الإنسان والثروات والحضارة وتكون نتائجها التخريب والدمار والموت والتي تنتهي دائماً باللجوء إلى الحوار في رعاية أممية بعد كوارث إنسانية! …
لابد من المراجعة الصادقة المتعقلة الحريصة واكتشاف الخطاء الكارثي الذي صممه برايمر ونفذته العملية السياسية الطائفية العراقية والتخلص منها إلى ما ينتج (الوطنية) والحب والسلام لكل إنسان بغض النظر عن مكونه (كل المكونات محترمة ومصونة ولها كامل الحقوق الثقافية والدينية والعقائدية) وثقافته وعرقه (حر في الإختيار حر في الممارسة) وينتج حضارة راقية متطورة منتجة دافعة متصاعدة نزيهة ويقضي على المحاصصة والشراكة وتكون للدولة فيها فكر سياسي واحد وحقوق سياسية واحدة لكل إنسان لا تختلف من إنسان إلى آخر. دولة العدالة والمساواة .
لا بد من إيقاف التصعيد وإعلاء صوت العقل الحريص فعلاً على العراق والبحث عن حل يجنبنا ما وصلنا إليه والذي (تشاركت) كل الأطراف السياسية فيه حينما كانوا يلتهمون حقوقهم وحصصهم ولا يفكرون إلا بالمزيد على حساب الوطن الممزق أصلاً بالمحاصصة والمكونات والإرهاب !
لن يحصل التقسيم في الوقت الحاضر على الأقل لعدة اسباب مادية ولوجستية وسياسية. وهذا التصويت (غيرملزم) ويعبر عن رأي الغالبية الكردية ! لكن وليس من السهولة على الكرد الإنفصال كما ليس من السهولة على كل عراقي الإنفصال . لذا لابد من إسكات طبول الحرب وجمع شتات العراقيين وإعادة اللحمة الوطنية من جديد لا بالقوال ولكن بالأفعال والقرارات والقوانين والتطبيق العادل والحقيقي وإلا فليس للشركاء إلا جريمة المشاركة في تمزيق العراق فهم شركاء فيه ولكل منهم حصته ولا يعاب على الكرد فض الشراكة والإنسحاب بالحصة (بموجب مبداء المحاصصة التوافقية والمشاركة السياسية) ! . ولن ينتج هذا التصعيد إن استمر غير المآسي والكوارث والخسائر ليس للكرد فحسب بل لكل عراقي من المخيمات إلى المنطقة الخضراء ومن كردستان إلى الفاو دون أي إستثناء لأحد . بل التصعيد سينتج كوارث جديدة أخرى وإنقسام جديد آخر علينا أن نحسب حسابه هو الآخر . لابد أن لا نجعل الإنفصال هو الحل لكل من يشعر بالمضلومية أو إختلال حصته أو غبن شراكته. ويجب التعامل مع قرار التصويت على الإنفصال بوصفه قرار سياسي ومؤشر لخلل ما ! ويجب مواجهته بقرارات سياسية بعيداً عن قرارات الحرب والتصعيد والتشنج وبما يحقق (المصالح المشتركة للشعب العراقي) ؛ ولكل من يعارض قرار الإنفصال ويسعى بصدق لتجنبه لأنه (يتعارض مع الروح الوطنية) لا حل أمامه غير (الحل الوطني) الذي يعمق الشعور الوطني ويؤسس للوحدة الوطنية التي تدعم وحدة البلد وقوته وعليه أيضاً ان يتجنب الحلول الطائفية المتخلفة والعرقية المتعصبة بل ويحارب النزعات والممارسات الطائفية والخطاب الطائفي لأنه يؤسس للفكر الإنفصالي بل هو القرين له . لابد من القضاء على كل ما يخدش الوطنية من أجل تحقيق المشروع الوطني ؛ والحل الوطني يقتضي المشاركة الوطنية الجامعة فيه ؛ والحل الوطني لا يؤمن (بفكر) الأقلية ولأكثرية ويذوب حدود المكونات ويفعل العوامل المشتركة ويتفهم معاناة كل مواطن فضلاً عن معانات مكون محدد ؛ لابد من الدولة العادلة التي تسموا على الصراعات الحزبية وتلتسق بالمواطن وتتفهم معاناته قبل أي مكون سياسي آخر وتلك هي مسؤولية الدولة الوطنية .
لابد من المراجعة الشاملة ولابد من الرجوع الى الحق والعدالة بكل شجاعة ولابد من دولة (المواطن) . والتسليم بأن البقاء على حافة الطائفية والعرقية تثمرتقسيم والتعصب يجر تعصب والإرهاب يتبعه إرهاب والتطررف يصنع تطرف . ومن يخاف على وحدة العراق عليه أولاً أن يخاف على وحدة الشعب العراقي ويخاف على كل عراقي لذا لابد من نبذ العنف ولا للحرب ولا للمقاطعة نعم للسلم والوئام الإجتماعي والأخوة الوطنية والمصالح والمصير المشترك .
وأخيراً الحل الوطني الجامع يتطلب إنكفاء وطني والإبتعاد قدر الإمكان عن الحلول والتدخلات والمصالح الإقليمية والدولية إلا بما يخدم الروح الوطنية والمشروع الوطني .
لابد من أن يعي الجميع الحقيقة كما هي لا كما يريدون : حقيقة عمل مؤسسات الدولة ومدى تجاوزها على الروح الوطنية وعل حقوق الإنسان وما هو مقدار عدالة الدولة ومصداقيتها وحرصها وما هي حجم الإنتهاكات والتجاوزات والتعسف التي تمارسها بعض مؤسسات الدولة والأجهزة المرتبطة بها . ما هو حجم الشفافية في سلوكياتها . ما هم حجم الفشل وما هو حجم الفساد ؟ وما هي أسباب فشل الدولة وأسباب فسادها ؟ . كم ساهمت القوانين في خلق الروح الوطنية وتعميقها وبالعكس ؟ لابد من قول الحقيقة كما هي ولابد من معالجة الأخطاء الكبرى بدء من تصميم العملية السياسية وكتابة الدستور وتشريع القوانين وطبيعة تكوين الدولة ومكانة التكنوقراط فيها لابد من مراجعة كل الأوضاع التي أوصلت العراق إلى حافة الإنفجار والتشظي وبغير ذلك لن ينصلح العراق وستندلع حروب أخرى ومآسي لن تتوقف تدمر الإنسان وسنذهب إلى إنقسامات جديدة لا تبقي من العراق شيء غير التاريخ والذاكرة .
وتجاوز هذه الأزمة لن يكون عبر حكومتين (المركزية والإقليم) أو طرفين محددين (العرب والكرد) فقط بل لابد من حوار وطني صادق لا يستثني فيه أحد لابد من تجميع كل الطاقات (العراقية) بدون تحديد مواصفات خاصة فلكل عراقي نصيبه في المساهمة في الحل ولكل عراقي همومه ومشاكله الخاصة ولكل عراقي موقفه المخاصم أو المناصر للحكومة ولايحق لإحد (مهما كان ) إستثناء أحد مهما كان ما دام عراقياًّ ! ولكل شركاء في هذا الوطن بغض النظر عن عقائدهم واديانهم واعراقهم وثقافاتهم والحل الوطني هو الذي يساهم كل المواطنين فيه ولا مجال للإستثناءات والإجتثاث والتهميش والمحاصرة والإبعاد والحكومة الوطنية هي التي توفر الأمان للجميع وتحتظن الجميع وتُؤمن الجميع من اجل أن يشارك الجميع في بناء وطن الجميع .
عندما تكون هناك حكومة مسؤولة عن (كل مواطن) وتحقق له العدالة الحقيقية سيتمسك المواطن بها ولن يفكر بالإنفصال عنها لإنها انفصلت عنه وما الهجرات إلا نوع أكثر بشاعة ومأساوية من الإنفصال السياسي !!
ولكل من يريد أن يعرف الجواب العملي الحقيقي على السؤال لماذا الإنفصال عليه أن يعيد صياغة السؤال لماذا الهجرة عبر بحار الموت وإذا كانت الحكومة العراقية والمسؤولين العراقيين لا يعرفوا سر هجرات الموت عليهم أن يسألوا دول المهجر فهم يعرفون الجواب الدقيق عن سر هجرة العراقي (وإنفصاله) عن وطنه وفي بعض الإحيان نكرانه للهويته الوطنية …
بكل تأكيد هناك (أسباب) تجعل الإنسان يكفربوطنه ويمزق هويته وقد يتبراء منه! وقد يذبح حمامته الجميلة البريئة!… لا تذبحوا الحمام