19 ديسمبر، 2024 1:05 ص

ذاك الطاس و ذاك الحمّام

ذاك الطاس و ذاك الحمّام

قبل واقعة المهدي أبن الهادي بستة أشهر , كنت في صدد كتابة مقال عن ظاهرة تعيين أبناء المسؤولين في السفارات العراقية في الخارج , بعد أن اشار أحد أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي إلى تنامي ظاهرة تعيين أبناء المسؤولين في سفارات العراق خصوصا في دول الاتحاد الأوربي ودول الخليج العربي ودول الدائمة العضوية في مجلس الأمن , ولا أتذكر حينها لماذا أرجئت كتابة هذا المقال , واليوم أريد أن أتحدث بشئ من الصراحة وبشئ من الشجاعة ليس فقط عن التصرف الصبياني لأبن وزير النقل هادي العامري الذي هيّج مشاعر الناس فحسب , بل عن عموم ظاهرة أبناء المسؤولين في العراق الجديد .

هنالك قول شائع في الأوساط العلمية والحوزوية مفاده أنّ (( أبن المرجع نصف مرجع )) وفي عراق اليوم (( أبن المسؤول مسؤول ونص )) , وهذه القضية تشّكل حساسية مفرطة عند أبناء الشعب العراقي بحكم ارتباطها بسلوك أبناء المقبور صدّام حسين عدي وقصي و أبناء طلفاح و آل المجيد , الذين عاثوا فسادا وإجراما في المجتمع , فكانت تصرفاتهم تعكس الطبيعة الإجرامية والاستعلائية المتغطرسة للنظام الديكتاتوري آنذاك , وعندما سقط هذا النظام المجرم الفاشي و ولّى إلى مزبلة التاريخ , كانت فرحة الشعب العراقي بالخلاص من سلوك هذه الحثالات من أبناء المسؤولين , تساوي فرحتهم بالخلاص من الديكتاتورية والتسلط والقتل , لكّنها للأسف الشديد الفرحة التي ما دامت , فظاهرة أبناء المسؤولين قد عادت وبأضعاف ما كانت عليه أيام النظام السابق , بل وبشكل أكثر استفزازا لمشاعر الناس , لان الناس تعتقد أنّ زمن الديكتاتورية والتسلط قد ولّى .

فمن غير المعقول ونحن في ظل نظام ديمقراطي أن تعاد هذه الظاهرة وبهذا الحجم وهذا الشكل المقزز , وبالرغم من أنّ العشرات من الكتّاب العراقيين قد كتبوا عن خطورة استفحال هذه الظاهرة وتناميها في ظل النظام الجديد , وحديث كل وسائل الإعلام عن هذا الموضوع , إلا إنّ أحدا لم يسمع ولم يرّد , وكأنّ هؤلاء الكتّاب و وسائل الإعلام تتحدّث مع الحجر , والعجيب في الأمر إنّ الحكام الجدد يستخدمون ذات الأساليب التي تستخدمها الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة في اللجوء إلى أسلوب كبش الفداء , فدائما هنالك ضحية لتهدئة غضب الناس , أمّا أن تكون هنالك اجرائات حقيقية لمعالجة هذه الظاهرة , فهذا أمر لم يحدث ولن يحدث لا في ظل هذه الحكومة البائسة ولا في ظل الحكومة القادمة , إلا إذا انتفض الشعب لكرامته وأزاح كل هؤلاء عن مواقع الإدارة و الحكم , أو أنّ هزّة عنيفة أو انقلابا حادا في ضمير الحاكم القادم تجعله ينقلب على كل هذا الفساد ويزيح كل هؤلاء من خلال حكومة تكنوقراط غير متحزبة تعيد تصحيح كل المسارات الخاطئة في العملية السياسية الجارية .

فحين تكون الكفاءة والنزاهة هما المعيار الأول والأخير لاختيار الوزير أو المسؤول في الدولة بعيد عن المحاصصات الحزبية الفاسدة , حينها فقط سيشهد المجتمع زوال ظاهرة تسلط أبناء المسؤولين , ويفترض أن يكون قادة البلد هم أول من يجسدّ هذا التوجه , وأقصد تحديدا رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء و رئيس مجلس النوّاب والوزراء والنوّاب والمحافظون , فمن غير المعقول أن يذهب عدي واحد ليأتي محله ألف عدي , وكل هذا وندّعي أننا بلدا ديمقراطيا , أتمنى أن تكون حادثة أبن وزير النقل هادي العامري مدخلا حقيقيا لمعالجة هذه الظاهرة , وأن نتجاوز أسلوب كبش الفداء الذي تستخدمه الأنظمة الفاسدة .