18 ديسمبر، 2024 10:50 م

(ذاكرة يد).. مدخلٌ إلى جحيم أقبية الموت

(ذاكرة يد).. مدخلٌ إلى جحيم أقبية الموت

عرض: جورج منصور

لم يكن موضوع كتاب (ذاكرة يد) للروائي كريم كطافة، الصادر عن دار سطور بغداد، غريبا عليَّ، إلا أن تفاصيله ولغته الأنيقة والسلسة والمباشرة البعيدة عن التزويق اللغوي واللف والدوران، هي كلها مجتمعة شدَّتني إلى الكتاب وجعلتني أقرأه بنهم وأنتهي منه بزمن قياسي.
أقول هذا لأن الشخص الذي يعود الفضل إليه في كشف جماعة (الأيادي المبتورة) وتسليط الضوء على محنتهم وإخراج فلم وثائقي عنهم ثم إيصالهم إلى أميركا ولقائهم بمسؤولين كبار وعلى رأسهم الرئيس جورج بوش (الابن) ومساعدتهم في الحصول على أياد اصطناعية … إلخ، هو المخرج الأميركي دان نورث- صاحب شركة (نورث ستار) للإنتاج السينمائي والذي كان مكلفا بتدريب مِلاكات تلفزيون شبكة الإعلام العراقي (العراقية) عندما كنتُ مديرا عاما له، وكذلك مصطفى الكاظمي الذي عرَّف دان نورث بالمجني عليهم أصحاب الأيادي المبتورة، والذي كان حينها مديرا للبرامج في تلفزيون الشبكة. وكان دان نورث قد أرسل لي السيناريو ونسخة من الفلم قبل إنتاجه من أجل مراجعته وإبداء ملاحظاتي عليه.
إضافة إلى ذلك، فإن أحد الضحايا المبتورة يده اليمنى، باسم سلمان عبد الأمير الفضلي، كان يعمل مراسلا صحفيا عندنا في التلفزيون. وعندما أردتُ عام 2003 مقابلته في برنامجي الإذاعي (حقوق الإنسان العراقي بين الأمس واليوم) ليتحدث عن معاناته في السجن وكيف بُترت يده، طلب مني دان نورث أن أتريث مخافة أن يقلل ذلك من السبق الإعلامي الذي يرمي إلى توظيفه لزيادة أصداء الفلم الذي يشتغل عليه عن جماعة “الأيادي المبتورة” أو “جماعة الدولار”.
يستخدم الكاتب أحد الضحايا المبتورة أيديهم، وهو صلاح حسن زياد- مدرس اللغة العربية في الرمادي، ليقص حكايته من تابوت الأمن، ويخاطب صدام حسين عن جرائمه في العراق بلغة فيها الكثير من التهكم: “سيدي الرئيس”، ويحاجج قراره التعسفي الذي طال 11 شخصا والمتمثل بـ “قطع اليد اليمنى من الرسخ مع وسم الجبين بعلامة X “. واعتبارها “خيانة عادية مخلة بالشرف”. ترى أية خيانة وأي شرف كان في مخيلة صدام حسين المريضة ؟.
نقرأ في صفحة 27 حيث يخاطب الضحية الجلاد: ” لقد عشنا على مدى أربع وثلاثين سنة – بالمناسبة هي تقريبا عمري كله – بالقرب من مفرمة عملاقة بشفرات باشطة.. المفرمة تدور في صالة مظلمة مكتظة بالبشر.. دورانها عشوائي لا أحد يحزر المنطق الذي يضبطها.. وبالتالي لا أحد من الضحايا يدري متى تكون رقبته أو يده أو ساقه أو أذنه أو لسانه هو الذي سيقطع .. أنت مع المفرمة لا تملك سوى أن تنتظر، الانتظار هو المنطق الوحيد السائد في الصالة المظلمة. منطق الحظ .. هكذا كانت حياتنا مع مفرمة اللا قانون..”.
الكتاب شيّق ومؤلم ومرعب في مادته ومحتواه وتفاصيله، لكنه وثيقة تأريخية يجب أن يقرأها كل من تسول له نفسه أن يدافع عن صدام حسين وبطولاته الجوفاء وجرائمه التي لا تكفيها كتبٌ ومجلدات.
ملاحظتان سريعتان.. الأولى: كان برأيي أن يبدأ الكتاب بمقدمة تعريفية ومدخل أو توطئة وإن كانت قصيرة. ثانيا: خلا الكتاب من الإهداء الذي كان يستحقه الضحايا، خاصة كاكه عزيز الذي توفي بعد أن بُترت يده ودُفن في مقبرة (محمد السكران) ببغداد وكذلك صاحب الفكرة ومخرج الفلم وما حققه للضحايا دان نورث.