19 ديسمبر، 2024 1:52 ص

في تلك الليلة التي إرتحلت فيها  الذاكرة بعيداً.. نحو الازقة والمدن والطفولة.. كنت أتأمل حينها بلوحةٍ قديمة كانت مركونة في إحدى زوايا مرسمي..وهي مفعمة  بروائح الازقة البغدادية القديمة فكانت قراءات الذاكرة وإرهاصاتها وخربشاتها على سطح الجدران العتيقة.وهي تحرث في تضاريس الغياب.

كانت شناشيل الذاكرة مثل، مهفة تتثائب، في ظهيرٍة قائضةٍ.

 بعد أن نام الذباب …على سقف الخان الخشبي القديم، وعلى ضفاف جراح عربات الحمير الكسولة.

 إستشاط بعدها  آذان الزقاق، كي يوقظ قيلولة بائع الفرارات.

فحمل البائع، أحلام الطفولة، ودار في الحارات والشوارع.. وهو يصيح بأعلى صوته.. فرارات.. فرارات..

وفي زقاق (الحيدر خانة)..  كان بائع الفرارات قد التقى ببائع حلوى(شعر البنات) وكان الآخر يناجي ويشرأب بعنقه، نحو أسرار الشبابيك والشناشيل المعتقة بالعشق.. والتي تطل منها الصبايا الغنوجات.. (شعر بنات وين أوليّ ووّين أبات )…. والصدى كان يرتحل بعيداً الى أزقة أخرى..

 وكان أيضاً في ذلك الزقاق رجلاً أعرج وهو  يمخربعباب الرصيف مسرعاً.. باحثاً عن رزقه اليوميّ ..  وثمة قطة تدور حول بائع كبة البرغل وحين تيأس القطة من أن تنط عالياً الى صينية بائع الكبة  لكي تأخذ بحصة جوعها،.. تتسلل حينها بهدوء عابرة الى بيتٍ في الجهة المقابلة،  لتطارد فأرة بيت الجيران، أو تشاكس  بذيلها النزق شوارب الهّر المكبوت.

….

رحلت الشناشيل والذاكرة والازقة .. وأرتحلنا نحو ضفاف بعيدة

 فتذكرنا حينها كيف كنا  نتعلم ابجديات السير في سنوات طفولتنا الاولى.. وحين كان الرعد يفزعنا فكنا سرعان ما نهرع ونحتمي بإحضان إمهاتنا .. اما اليوم وبعد أن تشظتنا في المنافي بعيدا عن الزقاق وبعيداً عن المدينة .. لانجد شيئاً نحتمي فية حين ينخر الحزن  بأرواحنا الوحشة، غير دفء الذاكرة ومزامير العشق .

.. حلمت ذات ليلة إن قلبي والشمس كانا كلاهما مختبئان في معطف الضباب..
وحين أيقظتنيّ الوحشة تطلعت من وراء نافذتي بعيون قد أثقلها النعاس..
شاهدت الاشجار وهي مازالت نائمة والارصفة دون عابرين..

أحدث المقالات

أحدث المقالات