على غير العادة والمتوقع فان الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) بات كثير النسيان وقليل التذكر ، الأمر الذي يثير الحيرة ويبعث على الاستغراب ، ليس فقط كونه المسؤول الأول الذي يتربع على عرش أكبر إمبراطورية سياسية وعسكرية وحضارية في العالم فحسب ، بل وكذلك لكونه ينتمي إلى أصول شعوب قلما تتهاون حيال تمسك أجيالها بذاكرتها التاريخية والاعتزاز بمخيالها الجمعي . بحيث إن ذلك الأمر مكنها من النجاح في صراع البقاء والتواصل ، برغم كل المآسي الإنسانية التي لحقت بها على مرّ التاريخ من قبل (أسيادها) المتحضرين . واليوم يفاجئنا ، لا بل يصدمنا ، الرئيس (أوباما) حين يتحدث عن دور الصراعات الطائفية والعرقية في كل من العراق وسوريا ، بطريقة كما لو أن مجتمعات / حكومات هذه البلدان هي المسؤولة عن انبثاق وتوطن الجماعات الأصولية المسلحة ، ومن ثم استشراء عنفها الطائفي بهذا القدر من القسوة والوحشية ، جراء إصرارها وتعنتها على انتهاج هذا الضرب من السلوك البربري في التعامل مع الآخر !! . ألم أقل لكم أن (أوباما) أضحى بحاجة ماسة إلى من ينشّط له ذاكرته المعطلة وينقّي له وعيه المشوش ، بحيث يتمكن من استيعاب ما يراد له أن يطمره في غياهب النسيان من أمور ، وإدراك ما يراد له أن يركنه في دهاليز اللاوعي من قضايا . ولإسعاف ذاكرتك وتنشيط مخيلتك نقول ؛ لعلك يا سيادة الرئيس تناسيت ما لدولتكم (الديمقراطية) جدا”من دور غير مشرف وغير إنساني ، لا في صيرورة تلك الجماعات وتناسلها وتهجينها فحسب ، وإنما في تدريبها على أساليب القتل الهمجي ، وتسليحها بأعتى الكراهيات الدينية / الطائفية والأحقاد القومية / العنصرية ، لكي تذبح وتتذابح بتلك الطريقة البشعة ؟! . هل نسيت يا سيادة الرئيس إن دولتكم (المؤفرة) هي من أسقط الدولة في بلدي وقوض هيبتها وفكك مؤسساتها وعطل قانونها ، بزعم إن النظام السابق كان يستغلها لبناء ترسانة من أسلحة الدمار الشامل ، في حين ثبت للقاصي والداني أن لا وجود لها بالمطلق ؟! .
وهل نسيت يا سيادة الرئيس أن أول من أدخل (فرق الموت) المرتزقة إلى العراق ، لتباشر زرع الفتنة الطائفية بين مكونات المجتمع العراقي ، هو سفير حكومتكم (الحريصة على حقوق الإنسان) السابق المحترم (نغريبونتي) ؟! . وهل نسيت يا سيادة الرئيس إن عناصر قواتك المسلحة المدربين على مراعاة القيم (الحضارية والإنسانية) ، هم من كان يحطم أبواب الدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية ويحث سلالات (علي بابا) لممارسة مهرجانات السرقة لممتلكاتها وكرنفالات التحطيم لأصولها ، وان تعذر عليهم فعل ذلك فلا بأس من حرقها ، فالأمر مباح لهم ومن دون أية قيود ؟! . وهل نسيت يا سيادة الرئيس إن حكومتكم (الرشيدة) هي من وزع أسلاب الدولة العراقية على قادة المليشيات التي جاءت بصحبة قواتكم وتحت حماية بنادقها ، لتؤسس ما كان مخطط له من قبل في مراكز بحوثكم الرصينة وأقبية مخابراتكم الحصينة ؟! . وهل نسيت يا سيادة الرئيس إن دستور العراق الحالي الملئ بألغام الأزمات والمحشو بصواعق الصراعات الموقوتة ، صيغ بموافقة حكومتك (العادلة) ووضع تحت إشراف مسؤوليكم (النجباء) ؟! . ولكي لا أطيل قائمة التذكير بانجازاتكم العظيمة في العراق (الدم – مقراطي) ، أتساءل أفبعد كل هذه الأفعال الشنيعة والممارسات الفضيعة ، تأتي وتحدثنا – وكأننا بلاهاء – عن العصابات والمليشيات المسؤولة عن استشراء دوامات العنف الطائفي والعنصري ، التي تجتاح العراق وبلدان أخرى من العالم العربي – لا أريد أن اتطرق هنا إلى دور أمريكا في موضوع سوريا – لتحاول الإيحاء لنا بأن أمريكا بريئة من دماء العراقيين التي تسفك على مذبح الديمقراطية المزعومة ، ملثما الذئب بريْ من دم يوسف !! . وأخيرا”وليس آخرا”؛ كيف تسنى لك يا سيدي الرئيس نسيان واقعة إن (مشعل الحضارة) الذي حملته دولتكم (المباركة) ، لتمدين الهمج والبرابرة من الهنود الحمر والأفارقة والآسيويين ، عبر حملات التطهير والاستئصال لشأفتهم بطريقة (رحيمة) ، بحيث أنهت وجودهم الإنساني والحضاري من على وجه البسيطة . سوف لن ينالنا نصيبا”من إشعاعه الحارق ونوره المهلك ، ولكن هذه المرة بطريقة لا تتلوث بها أيديكم ، وإنما ترك مهمة انجازها لأصحاب الشأن أنفسهم بطريقة نظيفة وغير مكلفة !! .