19 ديسمبر، 2024 12:24 ص

ذات المساء

ذات المساء

عبر أثير موج البحر تيممت بعبيرك.. شيء ما شدني إليك كان ذلك دون قصد مني او منك…
احب صوت البحر، فأنا اجده خير نديم رغم صفعاته حين يعتريه الغضب مني… لاشك ان ثورته هي من أجلي اتقبلها طواعية هكذا كنت أحسبها… فربما ذات مساء حين ارمي بنفسي على رمال ساحله يدغدغ خيالي بمن احب وهكذا كانت كل مساءاتي

حتى أيقظني ملاك احلامي حين نرت فراشاته اللامعة لتضيء فجوات عتمة في باطن ذهني… ثم قال: أنظر هناك في تلك البقعة النائية هي فتاة احلامك.. خذ شمعة الحب معك وسر اليها افترش لحظاتك معها لوحات زيتية أصفق بيديك حسرة الى من تحب، ليجلب لك ما تشتهي ففتاة احلامك وامانيك هي بين يديك … فإن سار الأمر عكس ما تحب فهو بسبب تصرفك أنت فلا تلمني بعدها… كان ذلك ايضا في ذات المساء

كنت ساعتها قد بدأت أطوي صفحات عمري الذي مسح آثار أيامه خاصة بعد ان بات يميل الى الانزواء والوحدة، فقد طمس بأصابعه القدر شمعة عنفوان الشباب … وأزال من على باب بيتي عنواني الذي أحب…

افترشت الكثير من النواصي والاعتاب لا استجداء لحب، او لقلب، بل كوني ابحث عمن لا مثيل لها في عالم مليء بالنساء…

حيث يعتصر الفؤاد وينزف القلم هوسا بجنون حب حين يقترب منها … كنت ابحث عن لغة حب غير مسبوقة في عالم مجنون بصخب الحب، ففيه باتت أيقونات إلكترونية سريعة التغير فكنت أنت حين توقفت منهكا عن البحث في ذلك المساء…

شعرت بغصة تعتصرني بشدة، لكأني يئست في الانخراط بدوامة المستحيل تلك التي لفت دوائرها بي حتى رمتني نحو المجهول في عالم الظلمة فيه نهاية مطاف… أدركت ذلك من تحسسي وجه رافقني رحلتي، فامتزجت التجاعيد معه، فصورته وجه تحتار الأخاديد التي أوهنته من ان تترك بقعة نضرة فيه … يحدوه الأمل منها، فامسكت بيده الى نفس المكان الذي اعتاد الركون إليه في نفس ذات المساء…

ولكن!؟؟ من غير الممكن ان تكون حياتي صفحات من عذاب …ما أن يغضب القدر فيها حتى يطلق كل نوائبه بحثا عني … وما ان أراها بدوري حتى اهرب جريا دون وجهة معينة فيصطادني بكثرة فخاخه …

شكوت أمري اليه، فقط لكي يدرء هوسه الجنوني بي، فأنا لا اطيق أكثر، ولا استطيع مجارات جراحات قلب أظنه قد توارى لحدا في حجرات موصدة، ودون ثقوب لمفاتيح نبض لم تعد تورق ما أسقطت في سنين كانت مقبلة بعنفوان وطموح.. لقد توسلت إليه بشدة أن يقذف بي على سواحل ذكرياتي رأفة بي ورحمة منه، في تركه لِلَعنتهِ التي اثخنتني موتا، فعقص بأصابعه، وإذا به ها هنا من جديد في نفس ذات المساء…

باتت حياتي وصدقني يا صديقي البحر … قصاصات ورقية.. نصفها مبتل بدموعي والنصف الآخر طار بعيدا معك الى حيث لا أدري، علك حتى وإن رأيتني اهفو لنبض في آخر نفس لا يثيرك او يقلقك … لابد أن حدسك يخبرك أنه لا يدوم، لذا لا تثير أية جلبة لتُهَيج امواجك، أو تلطمني صفعا أو زمجرة .. أعلم أنك سجاني بفضاءك الكبير هذا … وأنا أيضا اخبرك ربما لأول مرة بصوت عال … الى الجحيم بما تظنه في… فلست عاجزا كلية، لكني أشعر بأن الله لم يورث عمري أيام سعادة أو صباحات ندية، فأعكف متقبلا ما يأتي دون التمرد على قدري … وإن كانت قناعاتي تطلب مني التمرد احيانا فلا شيء يمكن الحصول عليه دون قتال حتى الحب…

وها انا الآن قريب منكِ اعرض عليكِ شموع من ايام عمري، خلفتها في زمن ما في محاطات توقف، احسبني كنت قد تركتها في حال عودة، أظني قد نجحت!؟؟ وبما أنكِ هنا في بقعتك هاته التي استوطنتها وحدةً مثلي، أعرض عليك رفقة ما تبقى من عمرينا، لا اخفيك أنت التي كنت ابحث عنها…

رفعت رأسها وهي تراه ممسكا بشمعة تتقد رونقا ببهجة بعد أن أضفت من النور الى تلك المساحة…

قالت: يا لقساوة قلبك ويا لحظي التعس … أنه أنت الذي أُخبرت بأني سالتقيه في خريف عمر في مكان بعيد، ذلك بعد أن يحتسي القدر كل أيامي وأيامه خمرا معتقا، دونه تتراقص عارية عن الإرادة كونها لا تؤمن بأن الحب أقوى من كل الاقدار … لكن يبدو أن لنا في الحياة من نصيب مثلما قالت لي ملاك الحب في ذات المساء….