23 ديسمبر، 2024 12:45 ص

د. سلمان كاصد:..و “صنعة السرد”

د. سلمان كاصد:..و “صنعة السرد”

نلاحظ أن المتون السردية عامة، وفي الراوية الجديدة، بالذات، تجذب مختلف الاهتمامات لموقعها السحري- الفني والمترابط بإمكانيات كتابها وقدراتهم على استجلاء الظواهر الشخصية و التاريخية واليومية الاجتماعية.فالرواية جنس سردي بات منفتحاً على الحياة وتغيراتها وديناميكيتها ، ولها القدرة على الاستعانة بكثير من المكونات الفنية والأدبية والثقافية المتعددة و التي تقع في منطقة موازية لها، ودمجها في متنها ، وهذا ما جعلها في كل الآداب القومية – المحلية و العالمية جالبة للاهتمام ، فالرواية بالذات وكما تؤكد ،الأمريكية، سوزان سونتاج: “تكافح الجفاف الذي يشعر به ويواجهه البشر في حياتهم ، بغض النظر عن زمانه ومكانه وأنواعه”. في مجال دراسة الرواية العربية الحديثة ،تحديداً، صدر للدكتور “سلمان كاصد” كتابه الجديد ، والمعنون” صنعة السرد” / دار الروسم- اتحاد أدباء وكتاب البصرة – ط1 / 2014. وقد وقع ” صنعة السرد” على( 163 ) صفحة- قطع متوسط . ويذكر انه سبق و أصدر الناقد د. “سلمان كاصد” عدداً من الكتب النقدية منها:” الموضوع والسرد” مقاربة بنيوية تكوينية في الأدب القصصي للقاص والروائي” مهدي عيسى الصقر”،و”عالم النص” قدم فيه دراسة بنيوية انحصرت في الأساليب السردية لعالم الروائي والقاص” فؤاد التكرلي”، و”قصيدة النثر” دراسات في الشعر العربي الحديث، و” الجذر والهوية” رؤى و دراسات في الرواية العربية، و”الكتابة على الطين” مجموعة دراسات نقدية في النثر والشعر، إضافة لما صدر له من مجاميع قصصية و روايات منذ مساهمته الأولى في (12 قصة بصرية) بحلقتها الثانية1971 -1972 ، كما عمل في “الملحق الثقافي” لجريدة الاتحاد الإماراتية وقدم عبره عدداً لا يمكن إحصاؤها من الدراسات و المتابعات للفعاليات الثقافية عن السينما والمسرح والتشكيل والعمارة والموسيقى والتراث والحداثة وقراءات نقدية وحوارات متعددة مع شخصيات عربية معروفة ، خاصة في الشأن

الثقافي- الفني. تألف” صنعة السرد” إضافة للمقدمة من الفصول التالية: الرمز..اختزال الحكاية/دراسة في رواية” نساء البساتين” للحبيب السالمي،حكايات زمن الموت عن رواية ” دروز بلغراد” لربيع جابر، نظام..الباحث عن الهوية / حول رواية جبر الدويهي” شريد المنازل” ، المثقف وفقدان الروح/ دراسة لرواية “دمية النار” تأليف بشير المفتي، سبعة طرق للموت/ عن رواية عز الدين شكري فشير – عناق عند جسر بروكلين، البطل يكتب روايته/ دراسة تخص رواية “العاطل” لناصر عراق ، تنوع سردي لعلاقات مرتبكة/ عن روايتي أحمد عبد الملك ” القنبلة” و” الأقنعة”، ماذا أراد الروائي أن يقول؟ تناول فيها رواية عبدة خال” ترمي بشرر”، رواية تبحث عن اسم دراسة تناولت رواية إبراهيم الكوني” مَنْ أنت أيها الملاك؟”، ثنائيات الاغتراب دراسة حول رواية” حليب التين” لسامية عيسى، مجنون زينب الاكتمال في الآخر عن رواية لـ ” جمعة اللامي” حملت اسم” مجنون زينب” ، رحلة في العقل الجمعي حول رواية “أم الدويس..” لعلي أبو الريش، وهذه الدراسات المتعددة في كتاب” د. كاصد” ، وبحدود إطلاعنا المتواضع، نرى أنها تميزت في تغطية النتاج الروائي العربي الراهن ، شرقاً و غرباً ، وهو ما يحسب لـه في “صنعة السرد”. نرى أن المشهد الروائي العربي، حالياً، يتشكل من جديد في إطار الجهد الثقافي الذي اخذ يتجمع في عوامل ومجموعة من التمظهرات والمؤتمرات الثقافية العربية التي أخذت، نتيجة تعدد الرؤى وانتشار تبادل المعلومات والتواصل (العنكبوتي)، وسمة عالم العولمة الذي يميز عصرنا، ،دون الأخذ بأهدافها الخفية أو المعلنة،وانطلاقاً من قبلنا بحسن النوايا، نرى أنها ترعى تجمعات اجناسية عربية تحديداً، لكنها، مختلفة ثقافياً. والسؤال هو: كيف ذلك؟. هذا يجري من خلال إطلاق منافسات إبداعية تختص بنوع وجنس أدبي- ثقافي بعينه، ومثاله في الجوائز الثقافية التي تعنى بالشعر والرواية والمسرح وأدب الرحلات والنقد ، بشكل عام ومنفرد، ولابد للنقد العربي أن يتتبع هذه التجمعات الاجناسية التي بدأت تقدم له بانوراما متسعة وكون كتاب “د. كاصد” معني بالرواية العربية فسيكون الحديث عنها تخصيصاً، نلاحظ إن رواية المشرق العربي تحاذي ،بل، تنافس رواية المغرب العربي ولهذا ، كان

لابد لـ”صنعة السرد” من التمتع بقراءات واعية ودقيقة مع التزام الحيادية لواقع الرواية العربية وأشكالها وثيماتها والعناصر التي تلتقي عندها، ومن المدهش ،حد الغرابة، أنّ ثمة عناصر كثيرة ومتشابهات متطابقة، بدأت تتفتح في الرواية العربية ،بالرغم من اختلاف الظروف الاجتماعية، والأجواء والعناصر اللغوية- إلى حد ما- والتشكلات الثقافية التي تحكم المنتج الروائي كلاً على حدة. في هذا الإطار يتتبع د.” كاصد”، الرواية العربية عبر ومن خلال نماذج عرفها المتلقي ، واطلع عليها ، كلها أو بعضها ،كونها تمثل خلاصة ما قدمه الروائيون العرب، خاصة أصحاب الخبرة و ضمنهم الأقلام الجديدة، ومن خلالها يمكن للنقد رصد هذه الملامح وتلك التحولات، ومن الغرابة أن هذه التحولات الفنية الروائية جاءت من خلال أولاً الكتابة اللاقصدية، وثانياً التداول والمشابهة القصدية، ويمكننا أن نؤكد إن العنصر الأول أكثر تحكماً في هذا المنتج بعيداً عن” الميتافكشن” الذي يعد النقاد أكثر تمثلاً لنزعة أو وظيفة الخروج على حدود السرد، والتخلي عن تقاليد الواقعية بإنشاء تعارض بين المُتخيّل والسرد، وخلق تضاد بين الوهم والواقع عن طريق بناء وهم قصصي- روائي، ثم الكشف عن هذا الوهم ، أو ما يحاول بعضهم طرحه تحت مسمى” السرد المفتون بذاته”، وهو خلق حالة من التداخل والتشابك الروائي بين رواية وأخرى،داخل الرواية الكبرى ومسرودها، وهو ما ذهبت إليه النظرية “البنائية” من خلال “التضمين”، منذ أراء ” تودوروف” وحتى “الشكلانيين” الجدد وحركة وتوجهات ما بعد الحداثة التي لم تأتِ- من خلال المصطلح- بما هو جديد فيه. هاتان المحاولتان، ما هو تلقائي، عفوي، بارع، يحاول أن يشكل ذاته بذاته، مقابل، ما هو قصدي، تقليدي، عبر تتبع النص الأقدم في مشابهة لا تقدم جديداً بل هو سقوط في المماثلة والتكيف الذاتي ، باتجاه العمل بذاته، هنا كان لـ(د. سلمان كاصد) أن يبحث لا عن هذه المشابهة أو اللامشابهة ، بل ذهب نحو العناصر المشتركة التي يرى أنها تربط هذه الأعمال الروائية مع بعضها، ونقصد بالمشابهة المتغايرة، بصورته الأدق، أي البحث عن جواب لسؤال مهم هو: ما الذي يجمع هذه الأعمال الروائية العربية مع بعضها ، بالرغم من أنها نتاج بيئات وملامح، وقيم اجتماعية- تاريخية قد تكون متنافرة هنا

وقارة هناك لحد ما ، كما هي نتاج رؤى ومفاهيم وثقافات متعددة ومختلفة، بعيداً عن كونها ” رواية عربية”؟.ولابد من طرح السؤال التالي: هل بدأت الرواية في العالم العربي تتجمع كجنس أدبي واحد غير متعدد، أي ما ينطبق على الروائي المصري من مفاهيم تحاكم المضمونية فيه، هي ذاتها المفاهيم والقوانين التي تحاكم المضمونية في الروية العراقية و الخليجية، السعودية والقطرية والإماراتية مثلاً ، و المغاربية و اللبنانية والسورية ، حسب الدراسات التي قدمها ” د. سلمان” في كتابه ؟. نرى إن الجواب على هذا الأمر يكمن في القوانين التي بدأت تتشكل وتتشابه في العالم الروائي، كون الرواية العربية، بالذات، أخذت تتشكل وتتشابه لا في الأشكال الفنية فيها فقط ، بل بالبنى الموضوعاتية فيها أساساً، ذلك ما نجده في ” صنعة السرد” من خلال دراسات تناولت المنجز الروائي العربي بالنقد والتحليل في تونس ولبنان والمغرب ومصر وقطر والسعودية والأمارات وليبيا وفلسطين والعراق. “صنعة السرد” يقدم كشفاً نقدياً دؤباً لواقع الرواية العربية الراهنة ويذهب فيه د.” كاصد” ، من خلال دراسات تطبيقية ومهاد نظرية متماسكة، إلى أن الرواية العربية، لم تجترح لنفسها شكلا جديداً بما قدمت من اطر تقليدية لأشكال مختلفة فيها، إذ بقيت موضوعاتها تدور في أشكال متشابهة، إلا ما عده في كتابه انجازاً جديداً، لكنه يقر بأنه قليل، حيث يرى إن البحث عن الهياكل المعمارية الروائية الجديدة العربية ، يعد أمراً شاقاً، لكنه يستدرك في المقدمة بأن هذا لا يعني إن الأعمال الروائية التي لم يتناولها، لا تمتلك صدمتها،وميزتها، فربما العكس تماماً، فثمة روايات عربية صادمة النهايات، مفزعة الإيحاء والتصور والدلالة، غير إن كل ذلك يجري ضمن إطار الموضوعة لا الشكل الروائي المنجز.