يفترض بعد عام 2003 أن العراق دخل مرحلة جديدة, تغيرت فيها وجوه الحكام وملامح الحكم أيضاً, فقد تحول النظام من رئاسي ألى برلماني, ومن دكتاتوري ألى ديمقراطي, ومن حزب واحد ألى أحزاب متعددة, الا أن أبناء الرافدين سرعان ما أدركوا أن اللعبة لا تعدو أن تكون أختلاف مسميات, فالحزب الواحد ما زال يتصدر المشهد, وكل الذي أختلف في الصورة كثرة الأيادي, التي تغرف من صحن العراق وتملأ الجيوب! بمعنى آخر ( بدلنة عليوي بعلاوي).
لم يطرأ أي تغيير حقيقي على حياة المواطن الفقير, عدا أداء المراسيم الدينية بحرية تامة, الا أن ثورة (الحسين عليه السلام) لا يمكن أن تختزل بأي حال من الاحول بأداء مراسيم الزيارة, فالحسين ثورة بعنوانها الكبير( هيهات منا الذلة), وهي أكبر من أن تتحول شعاراً للسماسرة, كما قال الشاعر المبدع نهاد الخيكاني” لله درب حسين مو للسمسرة”.
المواطن الحالم بزهد علي أبن طالب (عليه السلام), سرعان ما وجد نفسه محاطاً بألف حجاج, رغم أنه لم يفق بعد من حكم حجاج واحد, فقد أكتشف أن زهد حاكم القارات الخمس, الذي أختلف شكل ثوبه, من تزاحم الرقاع فيه , ومل من خصف نعله, الذي تهرأ من كثرة, السعي لقضاء حوائج الناس, ليس له أثر في سلوك الحكام الجدد.
بما أن الحسين عليه السلام ثورة مستمرة, وعلي أبن طالب عليه السلام نهج أصلاحي متكامل, ومدينة فضائل أنسانية, تغلبت على كل طروحات الفلاسفة والمفكرين التي تدعوا لتحقيق العدل, كان لابد للشعب أن ينتفض ليحفظ كرامته, ودماء أبنائه, ويغير وجه العملية السياسية المشوه.
كثرة الضغط تولد الأنفجار, وهذا أمر لا خلاف فيه, فتراكمات 13 سنة من التخبط والغرق في دوامة من فقر ودم ولدت ضغطا , على الشعب العراقي , وأرهقت كاهل الفقراء والجياع, والمنكوبين بفقد البيت والأبن والوطن, فعراق ما بعد سقوط الموصل ومجزرة سبايكر, غير مدركات المواطن العراقي, الذي رأى بأم عينه أن الدم العراقي رخيص جدا, لدى مستوردي اجهزة كرات الكولف!
المرجعية الرشيدة لم تتوان عن النهوض بأعباء تخلى عنها الساسة, وأكتفوا بالتجوال بين أوروبا والمنتجعات السياحية, فبدأ المراجع بصناعة الحشود العسكرية, والمدنية وبدأت تتشكل ملامح أخرى للعملية السياسية في العراق.
أنتصارات متلاحقة في الجانب العسكري, ودعوة للقضاء على الفساد في مؤسسات الدولة, ومباركة للتظاهرات التي تدعوا للإصلاح, ودعم رئيس الوزراء, كل هذه المنجزات تحسب للمرجعية.
حزمة أصلاحات قدمها رئيس الوزراء لم ترض الشارع العراقي فهو لم يصطد بعد أسماك قرش كبيرة, ليقدمها للشعب, ولم يقطع رؤوس الافاعي الكبيرة, التي تنهش جسد الدولة العراقية,
حزمة الاصلاحات لم تضمن حقوق أرملة شهيد في الحشد الشعبي, قدم نفسه قربانا للوطن, ولم تنصف ضحايا الأرهاب, ممن مزقت اشلائهم العبوات الناسفة, والسيارات المفخخة, ولم تنصف حملة الشهادات العليا, أو تنقذ اليتامى من دوامة اليتم والفقر.
لا يمكن أن تتحقق الإصلاحات بين ليلة وضحاها, أمر مفروغ منه, الا أن الكتفاء بدمج الوزارات ليس كافيا دكتور حيدر.
الشعب ينتظر من رئيس الوزراء الإطاحة برؤوس كبيرة, في مختلف مؤسسات الدولة, مافيات الوزارات, القضاء, فتح ملفات المصارف, وتهريب أموال العراق ألى الخارج, التحقيق في ملفات الدوائر المحتكرة, من قبل عوائل المسؤولين والمدراء العامين, أنصاف الشهداء, من أبناء الحشد الشعبي وضحايا الإرهاب, وتقديم المقصرين الى العدالة, دكتور حيدر أنحر ثيران وعجول الفساد, وقدم قرابينك للشعب الذي ما زال ينتظر.