19 ديسمبر، 2024 1:05 ص

دُوستويفُسكي في ساحة التحرير..!!

دُوستويفُسكي في ساحة التحرير..!!

الشخوص  في الروايات الخالدة تتواتر في كل الازمة  حيث هناك مساحة واسعة لها أن تتحرك متجاوزة حدث اللحظة..والمأساة تكرر لأننا لم نحسن تخطيها بأعتبارها تجربة مريره..وعند دُوستويفٌسكي  هي ضغط عارم جدا ومستنقعات من كوابيس واحلام يقظة دموية ووسواس ينتج  بشكل متتال العنف والفضائع المتفاقمة وعواصف فتاكة..ثنائيات الجرم يبدو أنها تنتشركما هو الهواء الملوث في سماء صافية..هكذا يصور لنا هذه المشاهد الواقعية وبتركيز مذهل كما في أن يجمع..بين  القاتل والخطيئة وبالمقابل الشمعة والكتاب المقدس في الجريمة والعقاب..أن ازمات الحروب وما بعدها تخلق حالات من اللا معقول الحياتي فبدل التفاني والتضحية والبناء نلحظ تخبط نفسي مرضي يؤدي بالنتيجة الى فعل سلبي يربك التدرج الكوني للانسانية..ويمكن مشاهدة ذلك هناك حيث كانوا يعيشون ابطال رواياته ..وامتدادهم هنا في ساحة التحريرعند سائق السيارة أو عمال البناء أو عند أمرأة تشحذ في شارع عام نماذج متنوعة من فعل عام قد يشبه هؤلاء الذي يصورهم دوستويفسكي  في رواية الغبي من خلال روغوجين وهو متسلح بمدية  وكوابيس الشبق عند زفيدر يغايلوف في الجريمة والعقاب واغتيال شاتوف  في رواية (الممسوسون)..في كل الازمنة ثمة المضكيين والنصابيين والجواسيس ومنحرفي الاخلاق والمجرميين والنسوة المهانات والفتيات المذلولات…والمهوسسن بامراض العصر الادمان الكامل بالاعتداء على حقوق الاخرين رغم تخمته  هذا هو العامل العالمي الذي هو ( الاعتداء) المشترك لهذا العالم المأساوي والذي يخرج منه  المرء (مصابا بنقيض اخلاقي) رغم كميات الخير الهائلة التي نراها في نفس الشخوص أو في غيرهم من الاسوياء..
هكذا أراى دُوستويفسكي  يتجول في شوارع السعدون وهو يعبر عن تراكمات حياته المعذية والتي جعلته يميل للحدة وتكون مخرجاته معقولة للعنف المعاش في جسده…في البنادق المصوبة …أو في الضمير المبرح الذي يملي عليه أن يعيش كانسان مختلف حتى ولو على حساب الاخرين..لكن في النهاية هناك هالة كبيره  من ( الذعر الصوفي) الذي يبدأ تدفقه بعد الفعل السلبي ..هنا يتدخل بشكل مرعب ورهيب ..وخاصة عند انساننا المحلي ويبدو له فعله في عدم التمادي في فعل الجريمة البشع ..لان الانسان العراقي صفته الاساسية الخير قبل الشر..لكن كيف يمكن أن نوظف هذا الترهيب كسلوك شخصي حتى نعبر الافعال الضارة في واقع عاش ظروف الحرب اللعينة..التي تجعلك من حيث لاتدري مزدوج بين الشجاعة والجبن..بين الوطنية والخيانة..بين الحياة والموت ثنائيات متناقضة لكن لمن الغلبة في النهاية…
يقول دُوستوفسكي ( الانسان سر , وينبغي  استكشاف هذا السر بوضوح, وأن قضى المرء حياته كلها للنهوض بهذه المهمة فلا يقول أنه اضاع وقته).
فلابد أن نستمر في البحث عن ذات الانسان في مكنوناته الداخليه حتى نرى الانسان كما نحب أن نراه..
ويبدو أن دٌوستوفسكي ما زال يجري تحت نصب الحرية ليتطلع لبناء حياة جديده اساسها الفرح رغم الحزن.