قبل ثلاث سنوات وتحديداً في تأريخ 31/12/2011م مُلئت شوارع العاصمة العراقية بغداد و جميع الشوارع الرئيسية في المحافظات الوسطى والجنوبية بـ لافتاتٍ كبيرة خضراء اللون !! كُتب عليها (شُكراً للمفاوض العراقي ) و (يوم السيادة العراقي) .كُنت أقرأُ تلكَ ألافتات بغرابة ودهشةٍ وتساءُل .قائلاً مع نفسي .هل حَقاً إن المفاوض العراقي يَملك ذلك الدهاء والخبرة السياسية التي مكنته من خِداع أمريكا أو أقناعها بالخروج من العراق بعد عناءها وجهدها الجهيد في إسقاط دكتاتورية صنم صدام التي عجزت جميع الأحزاب والحركات السياسية في الداخل والخارج عن إسقاطه ؟ . وهل فعلا أن أمريكا تملك ذلك الغباء السياسي !! لتَخرُج من العراق دون تحقيق لأهدافها ومصالحها وما أتت لأجله ؟ مكتفيةً بـ (5000) قتيل من الجيش الأمريكي . وهل صدقاً أن الهدف الأسمى لأمريكا من دخول العراق أو احتلاله هو أقامة الديمقراطية ونصرة (الشعب العراقي) الذي أضطهدهُ صدام لثلاثة عقودٍ من الزمن وأغرقه في حروب خاسرة ؟ ..
لم تَرُق لي تلك الشعارات التي تحملها ألافتاتُ الكبيرة , ولم أفرح بها أبداً , على الرغم من تحسُن الوضع الأمني نسبياً طوال أشهر العام 2011م والذي يبدوا أن أمريكا هيأتهُ لسحب قواتها تدريجيا من العراق , بعد أن تخلى (المفاوض العراقي) عن خدماتها وطالبها بالرحيل وفقاً لجدولة الانسحاب المعدة مسبقاً , و بَقيتُ أخشى وأترقب عواقب الانسحاب الأمريكي بحذرٍ وخوفٍ محتمل .
فرح العراقيون وأنا منهم بذلك الأمان النسبي الذي تحقق والذي جَيرهُ أنصار(المفاوض) لصالحهِ.. قائلين لو سياساته وقيادته الحكيمة , لما كانَ ذلك يتحقق أبداً ولما خَرجت أمريكا من
العراق !!. و كُان الشعب يأملُ بأن يستمر ذلك الأمن و الأمان مُتَحولاً إلى وضعه الطبيعي الذي فُقد منذ دخول القوات الأمريكية واحتلالها العراق ..
وبعد هذا استمرت سياسات الـ (المفاوض العراقي) مُتجرئاً على العديد من المواقف والقرارات الأمريكية في المنطقة خَالقاً المزيد من الأعداء والأزمات الداخلية والخارجية التي أرجعت الوضع الأمني لمربع (الصفر) بعد أن أُكمل الانسحاب لأخر جُندي أمريكي من العراق ليعود الحال كما كان عليه خرابٌ ودمار ..
و لتبدأ بعدها أمريكا سياستها الجديدة وخططها المرسومة للمنطقة بشكلٍ عام بما يَخدم مصالح وأهداف الوليد المُدلل (إسرائيل) , لتَصنع (داعش) هذه المرة بديلاً عن (القاعدة) التي يبدوا أن دورها قد انتهى أو انتفت الحاجة إليه.(داعش) التي احتلت أجزاءاً كبيرة من سوريا وجهت للعراق بعد أن وفرَ سياسيوه البيئةَ الملائمة والأجواء المناسبة لـدخولها بإشعالهم فتيل الصراعات و التنافُرات الطائفية والمذهبية بينهم , فدخلت على حين غرة محتلةً الموصل وصلاح الدين ومدناً أخرى من الأنبار وكركوك وكردستان بعملية مخططة و ممنهجة داخلياً وخارجياً .لتُحدث ما أحدثته من تهجير وقتل وتفجير لمراقد الأنبياء والصالحين ومجازر دموية بشعة في (سبايكر) و (الصقلاوية) وغيرها تحدثُ لأول مرة في تأريخ الجرائم الإنسانية . حتى تَشكل التحالف الدولي الغامض في سياسته و دعمه العراق لضرب ( داعش ) . فَـ بين من رأى النية الصادقة والحقيقة لهذا التحالف في دعم العراق ضد (داعش) وبين من رأى انه الصانع والداعم الرئيسي لتلك المنظمات الإرهابية , رحبت الحكومة العراقية بأي خطوة تخطوها الولايات المتحدة الأمريكية قائدة التحالف الدولي اتجاهها سواء باستخدامها سلاح الجو أو الرجوع إلى الأرض التي غادرتها في العام 2011م لتخليصها من شأفة الإرهاب و (داعش) المتضخمة حدَ التورم . الآن وقد أدركتُ دهاءَ المفاوض العراقي وغباء السياسة الأمريكية!! ..