23 ديسمبر، 2024 5:17 م

ديمقراطية في (الآخرة)

ديمقراطية في (الآخرة)

عند مشاهدتها لريبورتاج حول حياة ووفاة الفنان الأميركي (مايكل جاكسون) في احدى القنوات العربية بعد مرور ثلاث سنوات تقريبا على وفاته، تساءلت ابنتي ببراءة: لماذا كل هذا الإهتمام بموت شخص واحد بينما يموت العشرات منا كل يوم دون أن نعرف حتى من هم؟ أثار انتباهي ما قالته طفلة عراقية، لاتدرك معنى السياسة ولا يعنيها مايدور على الساحة، وفجرت كلماتها في داخلي أنهارا من الألم والتساؤلات والغضب. لقد هيمن الحدث على كل القنوات العربية والعالمية وحتى العراقية في حينها، واستمر حزن بعضها لأربعين يوما. وكبرت القصص والاستنتاجات حول أسباب وفاة جاكسون وتحدث المحامون وخضعت الجثة للتشريح.. الخ.. برغم أن الكل كان يعلم أن سبب وفاته كانت تعاطيه للأدوية. ولولا (ستر الله) لتدخلت الأمم المتحدة كما تدخلت سابقا في قضية مقتل (الحريري) لتكشف عن ملابسات الحادث الذي لا توجد فيه ملابسات. ولا أقصد انتقاد ما حدث، بل العكس، فالإهتمام الكبير بشخصية مشهورة سواء كانت سياسية أو فنية أو ثقافية هو سمة الدول المتقدمة. ولكن ألم يسيل الدم العراقي انهارا، ويمر مجرد خبر في نشرة الساعة الثامنة؟ فأين هو الإعلام والحكومات والأمم المتحدة من إغتيال العلماء والأطباء والسياسيين ورجال الدين وكل العقول العراقية التي تلاشت على رصيف الحروب المجهولة الهوية…ولم يجد غيابها أي صدى يذكر؟ وهل ستوضع أخبار الإنفجارات والموت الذي طحن ومازال ابناءنا لسنوات مضت في خانة الحرب (الديمقراطية) التي يعيشها البلد، ليحصد من راح ضحيتها (الشهادة) فقط؟ هل فكر الإعلام بجرح طفل قضى يومه بانتظار والده ليتلقى أشلاؤه في المساء؟ وهل سلط ادواته على امرأة تحار في قوت يومها بعد ان قتل زوجها في غفلة منها وهو يكد في عمله اليومي؟ ورغم كل الإجراءات الأمنية المشددة التي يحصد تشديدها المواطن العراقي في الزحام المروري وحرب الاستفزاز التي تعلنها المفارز التي يقلقها قدوم الموت مع كل من يجتازها ، مازال هنالك اختراق بل اختراقات للانظمة الأمنية، ومازال الموت (قسمة) العراقي، لكننا لم نشاهد مظاهرة احتجاج او قرار دولي او حتى كلمة تعاطف عربية.

في اميركا التي بذرت الموت في بلدي، تحول موقع برجي التجارة الى رموز، فقد تم اعادة بناءهما ليس كبرجي تجارة بل كشواهد تذكارية تحمل صور كل الذين قتلوا في هجمة الحادي عشر من ايلول، فهل يختلف لون دماؤنا عنهم؟

لقد خلق الله الناس سواسية، وليس ثمة فرق في قيمة الدم، بيد أن المساواة بين البشر اصبحت مجرد أفكار تطرح في فنادق الدرجة الأولى على لسان ضيوف المؤتمرات الذين لا يعنيهم من قوانين الحقوق والمساواة سوى التمتع بامتيازات مالية (متساوية) مع منافسيهم. وبما أن ليس من المعقول أن يتساوى دم عامل نظافة مع دم وزير أو فنان مشهور في الحياة الدنيا، فليس أمام العراقي من أمل سوى إنتظار المساواة الإجبارية في العالم الآخر حيث يمكنه هناك فقط أن يجد الحرية والديمقراطية.

[email protected]