في الصف الأول الإبتدائي كنا ندرس القراءة الخلدونية , وفي كل صفحة منها هناك حرف جديد نتعلمه , ونضعه في كلمات ومن ثم في جمل.
وعند وصولنا إلى حرف الكاف , كان العنوان كرسي , كرسي مكسور , مع صورة لكرسي مكسر القوائم أو بعضها.
وأظن ساطع الحصري ربما كان يتقصد في ذلك أن يوجه أنظار الأجيال إلى الكرسي , وبأنه دائما فيه مثالب , ومنبع المصائب , فهو مكسور , والجلوس عليه غير مستقر , ولسوف يسقط من يحاول البقاء جالسا عليه.
لم نفهم ذلك في حينها , وحفظنا “كرسي مكسور” , وكتبناها عشرات المرات , وأمعنا في قراءتها.
واليوم حضر”كرسي مكسور” , في الزمن الديمقراطي المفترض , الذي حارت فيه الكراسي ذات مئات القوائم , فلا يسقط الجالس عليه إذا إنكسر عدد منها , بل يتأبد في الكرسي , حتى يتحول إلى تابوت , أو تلتهمه النيران فيحترق ويحرق مَن فيه.
والديمقراطية أوجدت الخالدين في الكراسي , وهذه ثمرة من ثمراتها الغرائبية العجائبية التي لا تعرفها ديمقراطيات الدنيا.
فالجالسون على الكراسي , ما أن تلامس مؤخراتهم , حتى تلتصق بها إلى الأبد , بل يزدادون توحشا مع الزمن , فهم لا يغادرونها بل يأخذونها معهم , ويأتي غيرهم بكرسيه العتيد.
وبهذا فالديمقراطية في مجتمعاتنا أوجدت عددا متزايدا من الكراسي المتأسدة الغابية الطباع , وكل منها ينادي أنا السيد المطاع , ولدي جحافل من السباع البوليسية التي تديم التسلط والولاء.
هذه هي الديمقراطية في بعض مجتمعاتنا , وما قدم المتمترسون بالكراسي نافعا للبلاد والعباد , ولكل منهم خزائن قارون في بلاد الآخرين , والشعب يتضور جوعا وحرمانا وقهرا , وهم القادة المنتخبون بأمر العمائم المتنعمة بالمكرمات والمتسلطة على الحقوق والمحرمات.
وكلهم يقول لساني على الكرسي وقلبي معه , ولولاه لما كنت بهذا النعيم والقوة والجاه , فلكل حالة سلطتها وجحافلها وقوانينها ودستورها ورموزها التي تتمتع بما تشاء , ويرزقها ربها من حيث لا تحتسب , والتابعون الرتع يسبحون بحمد ربهم , الذي سينالون العز والرفاه في جنات نعيمه الغناء , ومن ضرورات الإيمان السليم أن يقاسوا ويصيبهم الشديد , وعندها يتحقق الفوز المجيد , ولرموزهم نعيم الدنيا والآخرة!!
د-صادق السامرائي