23 ديسمبر، 2024 2:22 ص

الديمقراطية هي إحدى المثل العليا المعترف بها عالميا كما أنها إحدى القيم الأساسية للأمم المتحدة , وتهيئ الديمقراطية بيئة مناسبة لحماية حقوق الإنسان وأعمالها على نحو فعال , وهذه القيم مكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما جرى تفصيلها بشكل أكبر في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، الذي تتجسد فيه طائفة كبيرة من الحقوق السياسية والحريات المدنية التي تستند إليها الديمقراطيات الصحيحة.

هذه المقدمة عبرت عنه بالحرف الواحد الأمم المتحدة ونضيف عليها أنها ببساطة حكم الأغلبية على أن يتم مراعاة الآراء المختلفة التي تتعارض معها وتبدأ من العائلة حيث يكون الأب هو الراعي لأسرته وعليه أن يحترم أفرادها وطبعا هو مفروض كواقع حال وليس منتخب صعودا الى القبيلة والمدينة ومن ثم الدولة التي تديرها حكومة يفترض أن تكون منتخبة ولكن خارج حدود الدولة هل توجد ديمقراطية؟

بمعنى هل تستطيع الدولة أي دولة ممارسة حريتها في تنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى؟

من الطبيعي إن العلاقات الدولية نظمتها مجموعة من المواثيق والأعراف لا يمكن تجاوزها أو إهمالها نتيجة تراكم خبرات المجتمعات الإنسانية في جوانب معينة مثلا العلاقات بين الدول المتشاطئة على البحار ومجاري الأنهار وكذلك في الأجواء وتمتد الى التعامل بين أي دولة وباقي دول العالم وهكذا تبدأ حرية الدول بالتقيد وفق ما أقرته واتفقت عليه فيما بينها باتفاقات ثنائية أو جماعية أو تحالفات.

في داخل الدولة أي دولة هل تستطيع الحكومة أن تمارس سلطاتها بشكل مطلق دون الخضوع للرقابة الدولية؟

هناك أعراف وقوانين تم الاتفاق عليها تصب جميعها في خدمة إنسانية المواطن في أي دولة بشكل رسمي ترسخ له حريته في اعتناق الدين والفكر والسكن والنقل والتعليم والصحة وما شاكل وهذه الأعراف تحضا الى حد ما برعاية ودعم المجتمع الدولي وآي سلوك ينافي هذا سيشهد في بعض الأحيان تدخل منظمات حقوق الإنسان وردع حكومة ذلك البلد لتعود الى رشدها وإلا من الممكن أن تتعرض الى مضايقات دولية قد تكون كبيرة ومهمة حتى قد تخدش سيادتها.

كل ما تقدم على الصعيد الفردي يعزز الديمقراطية في داخل أي بلد والعمل بها مهم ويرعى حقوق الإنسان ولكن من الجانب الآخر تسعى كل حكومة وطنية تفهم واجبها تجاه شعبها لتطوير إمكانياتها في كل الاتجاهات إبتداءا من الخدمات التي تقدمها الى مواطنيها وانتهاءا بتوفير الحماية لهم من أي اعتداء خارجي أو داخلي ولكن هل يسمح لكل دولة أن تطور إمكانياتها العلمية والقتالية مثلا؟

من هنا تبدأ مصادرة حرية بعض الدول وهنا يبدأ تقسيم العالم الى قوي يسمونه الأول أو المتحضر وموضع ثقة دولية يحق له كل شيء وآخر نامي أو متخلف لا يحق له أن يطور نفسه حتى وان امتلك كل الإمكانيات العلمية والمالية وعليه أن يستورد حاجته من أي شيء من الدول الغنية المتطورة إضافة الى خضوعه الى إرادة العالم الأول والانكى والأدهى والأمر فإنهم لا يسمحون لهذه الدول حتى بالاتحاد مع بعضها مهما كانت أواصر الترابط بينها خشية أن تقوى بل وأكثر من ذلك ربما راح العالم القوي يسعى الى تقسيم شكلها الذي هي عليه ليس على مستوى البلدان العربية والإسلامية فقط لا بل يسري ذلك حتى على الدول الأوربية أو المسيحية فقد ذاب الاتحاد السوفيتي الى مجموعة من الدول وأصبحنا نسميه السابق كما قسمت يوغسلافيا وأصبحنا أيضا نسميها السابقة بينما اتحدت الألمانيتين الغربية والشرقية وصارت ألمانيا فلماذا هذا الكيل بمكيالين ومن الذي يتحكم في مثل هذه الحالات ويسعى الى فرض إرادته على العالم وإذا كانت ثمة من احترام للديمقراطية فهل يعقل أن تطبق على الأفراد ولا تطبق في الجماعات والشعوب؟

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى سعى المجتمع الدولي الى تبني فكرة إنشاء منظمة دولية تنظم العلاقات الدولية وتمنع وقوع اعتداء من طرف على آخر فكانت عصبة الأمم المتحدة التي فشلت في الوصول الى غايات إنشاءها فانفرط عقدها بعد قيام الحرب العالمية الثانية وعادت الفكرة الى الطرح مرة أخرى وتشكلت على أنقاضها هيئة الأمم المتحدة التي لازالت قائمة الى هذه الساعة ولكنها تعمل وفق ديمقراطية القوي المنتصر حيث انقسم العالم القوي أيضا الى قسمين شرقي وغربي ودخل في صراع غير معلن وسباق في التسلح عبروا عنه اصطلاحا حينها بالحرب الباردة شاءت الظروف وكنتيجة طبيعية لذلك الصراع بين القطبين أن ينتهي الطرف الشرقي وان تنمو قوة الطرف الغربي بشكل غير طبيعي تمكنت فيه الولايات المتحدة الأمريكية من فرض هيمنتها عليه وصار الكل بما فيهم المجتمع الدولي بهيئته ينصاع الى إرادتها بطريقة أو بأخرى وحتى الدولة الغربية ذاتها حفاظا على مصالحها وتجنبا للاصطدام بها.

ربما يعترض البعض على هذا الكلام ولكننا نعيش الآن حالة تؤكده فقد سبق وان وقعت اتفاقية في فترة حكم الرئيس باراك اوبما بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول تحديد تنمية القدرات النووية الإيرانية بحضور عدد من الدول الأوربية أسموها (5+1) ولكن حكومة الرئيس ترامب أصبحت تنظر إليها من منظور مختلف وبناءا على مصالحها ألغت هذه الاتفاقية وانسحبت عنها من طرف واحد وقد اعترضت الدول الأوربية في بداية الأمر لهذا السلوك تعاطفا مع إيران أو احتراما لكلمتها أو حفاظا على مصالحها هناك ولكنها رضخت للإرادة الأمريكية التي سلكت كل السبل لإخضاع إيران الى إرادتها وإجبارها على الاستسلام لشروطها وتصاعد سقف المطالب الأمريكية وتصاعدت معه العقوبات التي فرضت على الدولة الأضعف حتى باتت طبول الحرب تقرع والمنطقة على حافة هاوية الوقع فيما لا تحمد عقباه هذا إذا تجاوزنا دواعي احتلال العراق وأفغانستان وما حصل ويحصل في عدد من دول المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر وبذرائع مختلفة.

إذن الديمقراطية شعار جميل فضفاض من طرف واحد تستخدمه الدول العظمى للتغطية على قسم من سلوكياتها تجاه الدول الأضعف بينما في الحقيقة غير ذلك تمام نصبت فيه نفسها شرطيا قراراته غير قابلة للرد وتستمد فيه قوتها وشرعية قراراتها من المنظمة الدولية.