23 ديسمبر، 2024 10:13 ص

دوّامة مابعد الانتخابات

دوّامة مابعد الانتخابات

إنتهت الانتخابات البرلمانية وظهرت النتائج بين مؤيد ومعارض ومشكّك, لكنها أصبحت واقع حال ويجب التعامل معها بواقعية والتفكير بجدية بالمرحلة المريرة التي ستعقبها وهي دوّامة المباحثات الماراثونية بين الكتل الفائزة لغرض تشكيل الحكومة وهي عملية شائكة ومعقدة ولا أحد يستطيع التكّهن بنتائجها الدقيقة وبماذا ستنتهي وكيف ستتشكل الحكومة؟

المرحلة القادمة همّ جديد يضاف لهموم المواطن التي لها أول وليس لها آخر وسيقى في حيرة وقلق مما سيحدث ,وهذه الحيرة لم تأتي من فراغ بل جاءت محصلة لتراكمات أفرزتها تصرفات معظم السياسيين العراقيين الذين يتصدرون المشهد السياسي في البلد والذين لم يعملوا طوال السنوات الماضية التي أعقبت التغيير وفق ثوابت وايديولوجيات راسخة فكان أدائهم مهزوزاً ومتقلباً, فالسياسي في جميع بلدان العالم نجده يعمل وفق فكر وايديولوجية آمن بها ونذر نفسه لها ويبقى ثابتاً على نهجه مهما تغيرت الخارطة السياسية ومهما كانت نتائج صناديق الاقتراع ويبقى ولائه لكتلته أو حزبه حتى لو تعرضت لأي انتكاسة في عملها السياسي ويستمر في نضاله لتحقيق المباديء التي آمن بها على أرض الواقع, لكن في العراق ومع الأسف لاوجود لهذه الثوابت في العمل السياسي فنجد السياسي العراقي يتنقل بين الكتل والأحزاب المتضادة في ايديولوجياتها ورواسخها وحسب ماتملي عليه مصالحه وامتيازاته الشخصية, فنراه اليوم صوتاً هادراً عبر وسائل الإعلام يدافع عن كتلته ويهاجم كتلة أخرى تختلف عن كتلته في جميع الثوابت والنهج السياسي وماهي الا أشهر قليلة حتى نجد نفس السياسي الهمام يخرج علينا بنفس وسائل الاعلام وهو ممثلاً ومدافعاً عن نفس الكتلة التي كان يهاجمها ويكيل لها أنواع الشتائم والاتهامات تاركاً كتلته ومبادئه من أجل المنصب والامتيازات, وهنا نطرح سؤالاً مشروعاً هو كيف سيحترم المواطن هذا السياسي الذي لم يستطيع الإخلاص لحزبه وكتلته ولم يتمكن من الصمود أمام المغريات الشخصية والمناصب فتحول نهجه السياسي 180 درجة ؟

من هذا المنطلق أرى بأن مباحثات تشكيل الحكومة ستتمخّض عن مفاجئات كبيرة جداً وستأتي مخالفة لكثير من التصريحات الرنّانة للكتل السياسية والتي سمعناها أثناء الحملات النتخابية للمرشحين وستتلاشى معظم الخطوط الحمراء التي رُسمت من قبلهم وتم التصريح بأنها ثوابت ولايمكن تجاوزها.

ستبدأ العروض المغرية والمناصب وستستخدم جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة وستبرم الصفقات خلف الكواليس من أجل تحقيق مآرب المسك بمفاتيح السلطة, وستبدأ النوايا الحقيقية بالظهور للعيان وستبدأ بعض الكتل التي تعتبر نفسها بيضة القبّان في توازن العملية السياسية بمراقبة التطورات وتسارع الأحداث بحذر وبنفس الوقت ترفع من سقف قائمة مطالبها واعادة

ترتيب صفوفها وانتظار اللحظة الحاسمة لكشف أوراقها وممارسة الضغوط على الكتلة التي ترجح كفتها وتصبح قريبة من عتبة تشكيل الحكومة فتبدأ بممارسة الضغوط والمساومات والمماطلات لتحقيق مآربها ونيل أكبر قدر ممكن من الامتيازات والمكاسب بعيداً عن مصلحة البلد واقتصاده وأمنه واستقراره.

يتوقع الكثير من المراقبين بأن جولات المباحثات ستطول لأشهر غير قليلة كما تعودنا في الدورات السابقة وسيبقى البلد واقتصاده ومشاريع المهمة وقوانينه المعطّلة وأولها قانون الموازنة تراوح مكانها وتبقى رهن مصالح الكتل السياسية وسيبقى الخاسر الأكبر في هذه العملية هو المواطن البسيط الذي تعود ان يدفع ضريبة التناحرات السياسية بين المتنازعين على السلطة من أمنه واستقراره ووضعه الاقتصادي.

نأمل من الكتل السياسية ان تراجع حساباتها وتستفاد من أخطاء الدورات السابقة وأن تضع نصب أعينها مصلحة البلد وأن تحاول إعادة مدّ جسور الثقة بينها وبين المواطن العراقي والتي أصبحت شبه معدومة نتيجة معاناته في هذه السنوات العجاف من تأريخه وعليها ان تعلم بأن المواطن هو الأساس وهو الباقي وهو الركيزة المهمة في ديمومة جميع الكتل السياسية فعليها أن لاتغامر بخسارته وبالتالي ستخسر كل شيء في النهاية.