23 ديسمبر، 2024 8:31 ص

دول ودويلة وكاتب!

دول ودويلة وكاتب!

تحتل دراسات الرأي العام مكانة مهمة، في مختلف النظم السياسية نظرياً وتطبيقياً، وهذا يعكس الإهتمام الأكاديمي والحكومي بالرأي العام، لطبيعة تعاملها مع فئات مختلفة من الجماهير لابد لها من الوقوف على آرائها وإتجاهاتها وإحتياجاتها، ويمكنها من التنبؤ بحالات الكمون لتفادي العواقب الوخيمة، وتفادي فرص الإنحراف السياسي والفردي..

من هنا لابد لنا من الوقوف، على تأثير الكتابة في صناعة الرأي العام، ودور الكتاب في توجيه وتشخيص المواقف الوطنية، وأثر ذلك في رسم السياسة العامة للدولة.

تنطلق الكتابة كفعل ليس لمجرد ملأ فراغ أو تعبير عن خلجات شخصية، أو إملاءات آيدلوجية تبتعد أحياناً عن، بوصلة خطوات بناء الرأي العام، وتتناول مختلف مجالات صناعة الرأي وطبيعة العوامل المؤثرة، لإيجاد مخارج للأزمات، وممارسة رأي ضاغط على القوى السياسية، لتصويب دور وأداء السلطات وحثها للتحرك، في زوايا بعيدة عن إهتمامات القوى السياسية والحكومية.

هدف الكتابة الوطنية إيجاد رؤى متقاربة، تختلف بالوسائل وتصب بنفس الهدف، وتحت مظلة الدولة الدستورية والقانونية، وتلامس إحتاجات المجتمع، ومن هنا يأتي دور الكاتب في خضم الأحداث المتلاحقة، وموقفه في صناعة رأي عام.. ومع إقتراب الإنتخابات التشريعية، ستكون هناك عدة عوامل مؤثرة، منها ما يعيقها وآخر يشكك بشرعيتها، وبما أن الرأي العام متأثر في معظم مواقفه أما بالرأي السياسي، أو بوسائل الإعلام أو واقع لا يراه يتلائم مع طبيعة قدرات الدولة على تلبية إحتياجاته، لذا يرى أنه لا يعيش في دولة، وهناك أكثر من قوة تزاحمها وتزيد من ضعفها، وستكون من العوامل المؤثرة، على منع الناخب من المشاركة، أو تقليل شرعية الإنتخابات.

عندما نتحدث عن إنتخابات وسيادة وهيبة، وصناعة رأي عام فأننا نعني الحديث عن دولة، من جوانبها السياسية والثقافية والإجتماعية والتاريخية والجغرافية، وتبني أسسها على قوة القانون لا قانون القوة، ويحكمها نظام ديمقراطي يستند الى الدستور والإرادة الجماهيرية، وحكومة شاملة تتجاوز الطائفية والمكوناتية..

وفق الدستور لابد من كتلة أكبر وبأفضل الإعتبارات والشرعية والقبول لابد فيها من حفظ التوازن، وهنا لابد من مقدمات إيضاح مقومات الدولة وأمنها وإستقرارها السياسي والإجتماعي والإقتصادي، وهناك مخاوف تلوح في الأفق تعبر عن واقع يخص الأمن الإنتخابي، وماله من إنعكاس على شرعية الإنتخابات، أو ما يتعلق بإعاقة المشاركة الفاعلة التي تمثل أغلب الشعب.

إن أهم أساسيات مهام الدولة بأن تكون حارسة، وبظل تلك الحراسة يأمن المحروس من كل خطر يمكن أن يداهمه، سواء أقترف ذنباً أو لم يفعل، ويكون القانون هو الحاكم، وكل الأطراف راضية بمخرجاته محتكمة إليه، وعندما نقول دولة فأننا نعني أن لها سلطة، وهي جزء من عقد إجتماعي تنازلت فيه الجماهير للسلطات الحاكمة، عن بعض إمتيازاتها لممارسة مهامها التي تنعكس بالإيجابية على غالبية شعبها، وواجب الكاتب أن يصف الدولة حين تجاوزها مرحلة الحراسة الى دور الرعاية، وينتظر دولة الرفاهية، ويسلط الضوء هل بالفعل أن هذه الدولة إستطاعت أن تصل الى كل الشرائح وتغطي إحتياجتها، أو أنها تعمل على تشجيع القطاعات للتحول دولة إنتاجية بدل الدولة الريعية والرعاية الإجتماعية، التي يتنظر شعبها بيع النفط لتوزع رواتب، وحتى المعترض أصبح يبحث عن وظيفة لا عن عمل في قطاعات خاصة، يمكن أن تكون أكثر فائدة إقتصادية للفرد والمجتمع.

دور الكتاب والنخب تشخيص الدولة دون مواربة ومحاباة، فهل هي دولة في ظل وجود القتل على الهوية؟ ولانقصد ما مارسه الإرهاب تحت عناوين طائفيةفحسب، وإنما هوية الإختلاف التي وصلت للتطرف وتصفية الرأي الآخر، وهل أن الأسلحة من الحجارة الى الأسلحة الثقيلة التي هي خارج سيطرة الدولة، تجعل منها دولة؟ وهل أن تخلي رجل الأمن عن فك شجار وترك الواجب تحت مخاوف الملاحقات غير القانونية، ومنها الحزبية والعشائرية والعصاباتية هو مبرر؟

لذا يتحتم على الكاتب أن يرى الدولة من الواقع، ويرى ويشير الى أسباب كثيرة تعوق عملها، وعراقيل كبير تمنعها من ممارسة أبسط أفعالها، ولا تستطيع محاسبة فاسد، ولا منع سلاح ولا فرض قانون، تحت سطوة قوى موازية وهادمة للدولة، وبذلك هي لا دولة، عندما تكون فيها دول وهي دويلة.