منذ بدء الخليقة توالت الإمبراطوريات والممالك والدول والحكومات على حكم الأرض, لكن أين هي تلك الدول ؟ كلها زالت وجاءت غيرها خصوصاً تلك التي إتخذت من الدين غطاءاً وستراً لها فيكون زوالها من المحتوم حتى وإن إمتدت فترة حكمها عقود من الزمن, وسبب زوالها لأنها إتخذت من الدين – الكتب السماوية – ستراً لها لأنها فشلت بالتوفيق بين النظرية الدينية وبين التطبيق لتلك النظرية وسبب الفشل ذلك يعود للإمبراطور أو الملك أو الحاكم أو الخليفة أو الرئيس لأنه لم يكن ملتزماً بتطبيق كل مفردات النظرية الإلهية, بل كل إنشغاله بتطبيق ما يتناسب مع نزواته وشهواته الدنيوية…
ومن أوضح المصاديق على ذلك الأمر الدولة الأموية التي عمل من يسمون أنفسهم خلفاء على توطين أنفسهم كخلفاء لكنهم أبعد ما يكون عن هكذا عنوان لأنهم لا يمثلون الإسلام – كدين سماوي – لا من قريب ولا من بعيد وأفعالهم خير دليل على ذلك, فمنهم من سب وقاتل الصحابة والخلفاء الراشدين ” رضي الله عنهم ” ومنهم من إنتهك حرمة مكة والمدينة والفروج المحرمة ومنهم من مزق القرآن والذي يعد دستوراً سماوياً وأغلبهم شارب للخمر, وكل ذلك أدى لزوال حكمهم وخلافتهم الشيطانية, لكن ومع تلك الأمور المخزية التي لا تمت للإسلام بصلة تجد هناك من يمجد بهم ممن يدعي إنه شيخاً للإسلام وأحد أئمته ورموزه, فحصر الخلافة الحقيقية في بني أمية !! ومن أبرز هؤلاء الذين يقدسون بنو أمية هو إبن تيمية حتى وصل به الأمر أن يحصر الخلافة فيهم وجعل استخلاف الأرض محصوراً فيهم, بل أكثر من هذا جعل عنوان ” المهدوية واليوم الموعود ” فيهم فقط وفقط !! وهذا ما نجده واضحاً في قوله في منهاج السنة ” ج 8 / ص 170 ” …
((وهكذا كان فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي, ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة : معاوية ، وابنه يزيد ، ثم عبد الملك ، وأولاده الأربعة ، وبينهم عمر بن عبد العزيز. وبعد ذلك حصل في دولة الإسلام من النقص ما هو باق إلى الآن ، فإن بني أمية تولوا على جميع أرض الإسلام ، وكانت الدولة في زمنهم عزيزة ، والخليفة يدعى باسمه عبد الملك وسليمان ، لا يعرفون عضد الدولة ، ولا عز الدين ، وبهاء الدين ، وفلان الدين. وكان أحدهم هو الذي يصلي بالناس الصلوات الخمس ، وفي المسجد يعقد الرايات ، ويؤمر الأمراء ، وإنما يسكن داره ، لا يسكنون الحصون ، ولا يحتجبون عن الرعية)) …
وهنا نلاحظ إن إبن تيمية قد قدح حتى في الخلفاء العباسيين كل ذلك من اجل بني أمية والتمجيد بهم وحصر الخلافة وإستخلاف الأرض فيهم !! وعلى هذا الأساس تجد الآن ظهور ما يسمى بالدولة الإسلامية ( داعش ) التي تدعي إنها دولة إسلامية قائمة على منهاج السنة النبوية ورفعت شعار البقاء ” باقية ” وهي في حقيقتها دولة زائلة كدولة بنو أمية التي أكل الدهر وشرب عليها لأنها تسير على نفس المنهج في القتل وسفك الدماء وإنتهاك كل ماهو محرم ومخالفة شرع الله وما شعاراتهم إلا ستراً وغطاءاً لهم كبني أمية وحتى إن هؤلاء الدواعش قد ركزوا على إبن تيمية وإعتبروه مصدر تشريع لهم لأنهم وجدوا فيه ضالتهم حيث شرعن الفكر التكفيري الدموي القاتل من أجل أن يغطي على جرائم وقبائح وفضائح بني أمية…
لكن هنا نسأل هؤلاء الدواعش التيمية, أين دولتكم ؟ فهي زائلة وتتشرذم ودولة الحق وأهل الحق والخلافة الحقيقية هي الباقية والمتسمرة, ونستدل عليكم بما أثبته المرجع الديني العراقي السيد الصرخي الحسني في محاضرته الرابعة عشرة من بحث ( الدولة المارقة في عصر الظهور منذ عهد الرسول ” صلى الله عليه وآله وسلم ” ) حيث أثبت في تلك المحاضرة إن حقيقة النهج التيمي في التدليس الشنيع لصالح أئمتهم الأمويين المروانيين والسفيانيين وحَصْر الإمامة بهم من خلال ما أورده ابن كثير في تفسيره حيث نقل الخلافة من آدم عليه السلام كفرد وشخص إلى القوم والجيل .
إذ استدل سماحة المرجع الصرخي لتأكيد كلامه على ما ورد في تفسير ابن كثير في تفسير الآية 30 من سورة البقرة , إذ قال : قال تعالى {{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}}. البقرة: 30…
وقد أشار المرجع الصرخي إلى إن (هذا النص القرآني بمفرده أو بانفراده كافٍ للدلالة على وجوب الإمامة والإمام؛ وجوب تنصيب و تحديد وتشخيص الإمام من الله سبحانه وتعالى، فالملائكة وهي العقول النورانية لم يؤخذ برأيها ولا اجماعها في تحديد وجعل الخليفة، ولم يؤخذ برأي أهل الحل والعقد منها لتحديد وجعل الإمام والخليفة، فالله سبحانه وتعالى تجاوز هذه العقول الملائكية النورانية والملكوتية واختار بنفسه الخليفة والإمام، وتصدى بنفسه لتحديده، فهذا الحال مع الملائكة وهم العقول النورانية فكيف مع الناس، الذين يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء بتصريح الملائكة وإمضاء الله سبحانه وتعالى لهذا التصريح).
1ـ تفسير ابن كثير: أ ـ قال (ابن كثير): {{يخبر (تعالى) بامتنانه على بني آدم بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم بقوله: {وإذ قال ربك للملائكة}، أي واذكر يا محمد إذ قال ربّك للملائكة، واقصص على قومك ذلك، {إني جاعل في الأرض خليفة}، أي قومًا يخلف بعضهم بعضًا قرنًا بعد قرن، وجيلًا بعد جيل، كما قال (تعالى): {هو الذي جعلكم خلائف الأرض}، وقال: {ويجعلكم خلفاء الأرض}، وقال: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون}، وليس المراد ها هنا بالخليفة آدم (عليه السلام) فقط كما يقوله طائفة مِن المفسرين}}.
وقد علق المرجع الصرخي على ما ورد في تفسير ابن كثير الذي ثبت نهجه التيمي الداعشي المارق :
هنا تعليقان: تعليق 1 : على النهج التيمي في التدليس الشنيع لصالح أئمتهم الأمويين المروانيين والسفيانيين وحَصْر الإمامة بهم، فإنّ ابن كثير نَقَلَ القضية مِن آدم (عليه السلام) كفرد وشخص، إلى القوم والجيل، ولإبعادها أكثر عن الحق وأئمة الحق، فإنّه نقلها مِن خلافة آدم وبني آدم للجن، فنقلها إلى خلافة بني آدم بعضهم لبعض، جيلًا بعد جيل، لأنّ خلافة آدم للجن لا تخدم منهجه التيمي، وكذلك فإنّ خلافة بني آدم للجن لا يخدم منهجه، لأنّه سينصرف الذهن مباشرة إلى آدم كفرد وشخص قد جعله الله (تعالى) إمامًا، لكن ساء فعله، فقد غفل عن كون استخدام عبارة (القوم، وجيل بعد جيل) لا تصح ولا تناسب مع لفظ (خليفة) التي أجمع العلماء على أنّ المراد منها آدم (عليه السلام)!!! وخفي عليه أيضًا أنّه لا يمكن تعميم المعنى إلى خلافة جيل الإنسان لجيل الجن… لأنّ عبارة (جيل بعد جيل) لا تناسب خلافة جيل الإنسان لجيل الجن، لأنّ الإنسان والجن مِن جنسين مختلفين مِن المخلوقات، إضافة إلى أنّه سيقع في محذور أنّ آدم كشخص سيكون مِن تطبيقات المعنى، فيكون آدم (عليه السلام) قد خَلَف الجن قبل أن يخلق الله أحدًا غير آدم، وقبل أن يخرج آدم مِن الجنة، وقبل نزوله إلى الأرض لممارسة مهمّة وتكاليف الخلافة!!! ).
تعليق 2 : فيه خطوات: (1) تفسير مخالف لمنهجه التيمي التجسيمي الأسطوري في المنع والتحريم للتأويل في المعاني، فبالرغم مِن أنّ العبارة وكلمة (خليفة) مفردة وواضحة في الخلافة الحقيقية لشخص مورد الكلام والإشارة الذهنيّة أو الذكريّة في الكلام، لكن ابن كثير التجأ لتأويل المعنى، فتحدَّث عن خلافة قوم، بل عن خلافة قوم لقوم، وهذا بعيد جدًا عن المعنى، ويصعب التأويل إليه، إلّا بتكلف ومؤونة شديدة!!! فليتكرّم علينا شخص ويبيّن لنا ما هي الألفاظ والصيغ في النصّ القرآني التي تدل على أنّ المراد ليس آدم (عليه السلام) فقط، ولا القوم فقط، بل المراد القوم (مِن الإنسان) بعد القوم (مِن الإنسان مِن بني آدم)؟!!.
(2) والغريب جدًا أن يصدر مِن ابن كثير هذا الكلام، حيث يأتي بشواهد قرآنية تدل على خلاف ما يريد، فكل الشواهد التي أتى بها بصيغة الجمع {خلائف..خلفاء..يخلفون} التي يمكن الاستفادة منها القوم والأقوام التي يخلف بعضها بعضًا!!!.
(3) والغريب أيضًا أنّه بعد أن أتى بصيغ الجمع {خلائف..خلفاء..يخلفون}، فرَّع عليها صيغة المفرد، فقال {وليس المراد ها هنا بالخليفة آدم (عليه السلام)}، وهذا قياس باطل، أي ليس قياسًا منطقيًا!!! ).
(4) والصحيح في القياس أن يفرّع على كلامه النتيجة {وليس المراد هنا بالخلائف أو الخلفاء أو الذين يخلفون}، (صيغة المفرد لها مدخلية في تحديد وتوجيه المعنى، والنص القرآني وكل من يقرأ يفهم أن المقصود هو آدم عليه السلام إلا المارقة) ولكن هذا أيضًا لا يتم لأن صيغة الجمع لا تتناسب مع ذكر آدم عليه السلام الذي أتى بصيغة المفرد.
(5)مع ملاحظة أنه لو قال شخص{أن المراد بالخلفاء آدم عليه السلام} لأمكن الردّ عليه مباشرة بأن هذا الكلام غير تام وغير مناسب؛ لأن آدم شخص مفرد فهو ممكن أن يكون خليفة ويناسب معه استخدام لفظ خليفة؛ لكن لا يصح أو لا يناسب أن يكون آدم عليه السلام خلفاء، ولا يصح أو لا يناسب أن يستخدم معه لفظ خلفاء، وهي بصيغة الجمع!!!.
(6) نعم مع التأويل يمكن ذلك، لكن لا يصحّ التأويل مع عدم وجود قرينة مناسبة تصرف المعنى من المعنى الحقيقي والأقرب و المنسبق إلى المعنى المجازي والأبعد والمُؤوَّل إليه.
(7)وعدم الصحة تتأكد عندما يكون الشخص ممن لا يقول بالتأويل بل يمنع التأويل ويكفّر من يقول بالتأويل بل يحرم التأويل حتى مع استلزامه تشبيه وتجسيم الخالق وتسفيهه، سبحان الله وتعالى عما يقولون ويفترون…