ربما نتحدث في الإعلام بأسلوب آخر عن دولة قطر , وقد وجدت من المفيد أن أتحدث عنها , من خلال زيارتي لها , وتجوالي في شوارعها , وما تركته من إنطباعات أولية , وأملي أن تتكرر زيارتي لأقرأ تجربتها وأستوعبها أكثر.
فدولة قطر جغرافيا وسُكانيا , دولة صغيرة , لكنها ذات تأثير إقليمي وعالمي كبير , ولها صوت فعال في المحافل الدولية والإقليمية.
وعندما تهبط في مطارها , تدرك أنك في دولة كبرى , وليست كأية دولة في المنطقة.
فأسطولها الجوي ينافس شركات الطيران المعروفة , ومطارها بمواصفات عالمية معاصرة , ويزدحم بالمسافرين من أرجاء الدنيا كافة.
وأصبحت قطر تجتذب السيّاح والزائرين من جميع البلدان , وعدد الوافدين إليها ربما يضاهي عدد الوافدين لأية دولة كبرى.
وقد حققت نموا إقتصاديا وعمرانيا وثقافيا متقدما عن دول الإقليم من حولها , فهي صاحبة أعلى دخل للفرد في العالم.
وأنت تتجول في شوارعها , تشعر وكأنك تمشي في دولة عالمية , تمثل الكرة الأرضية , فما تشاهده من حولك , بشر من جميع الأجناس والأعراق والديانات والمعتقدات واللغات , فترى الدنيا بأسرها وقد إحتشدت في دولة قطر , ولا تجد الكثير من أبنائها إلا في الدوائر الحكومية.
وتتأمل الحشد البشري الإنساني الحضاري المعاصر الساعي نحو تحقيق إرادة الحياة , فتتماوج الأسئلة في دنياك , عن روعة المنظر وبهاء الصيرورة والرقاء.
أما وأنت تتجول في سوق (واكف) , فأن الدنيا قد حضرت والعالم بأسره قد توافد للإحتفال بالحالة الإنسانية المعبّرة عن المعاني النبيلة السامية , حيث الفرح الغامر والسعادة الزاهية , وتلاحظ وكأن العرب بدولهم جمعاء قد حضروا إلى هذا السوق , الذي أوجدته الرؤية القطرية المعاصرة المنيرة الوهاجة.
وأنا في خضم المهرجان القطري الإنساني , الذي أشعرني بالعزة والفخر والكبرياء , ومنحني الأمل بالحاضر والمستقبل, تساءلت عن الحل لأحوالنا ومعاناتنا في بلادنا وبلدان أخرى , وتوارد إلى خاطري جواب عنيد , فحواه الحل في التجربة القطرية!!
نعم الحل يكمن في التجربة القطرية المعاصرة , التي حققت نجاحات وإنجازات حضارية فائقة , وذات قيمة وتأثيرات على الحياة الإنسانية.
فالتجربة القطرية تقول : لكي يتحقق الإنسجام ما بين أبناء البلد العربي الواحد , لا بد من تطعيم المجتمع بأبناء الجنسيات المختلفة , أي أن يكون في المجتمع العربي أناس من غير العرب.
بمعنى أن المجتمع العربي بحاجة إلى عوامل مساعدة , لتحقيق حالة الذوبان المتجانس في وعاء الوطن أو الدولة , وبدون هذه العوامل المساعدة تتولد طاقات متناحرة في المجتمع.
فالمجتمع العراقي مثلا , بحاجة لتوافد أجناس بشرية من أرجاء العالم كافة , لكي تكون عوامل مساعدة في تحقيق التجانس الوطني وصناعة قوة البلاد.
وهذه الحقيقة الفاعلة اللازمة للحياة الأفضل علينا أن نعيها وندركها لكي نكون أقوى ونتقدم.
فالعرب لا يمكنهم أن يتجانسوا دون عوامل مساعدة , لأنهم يمتلكون طاقات حضارية هائلة , تنبعح وتتسبب في إنحرافات سلوكية متطرفة وعدوانية على بعضهم البعض.
لست معنيا بالخطأ والصواب في هذا الإقتراب , لكنها الملاحظة والتحليل , والبحث عن الأسباب للتفاعل الأفضل والتواصل الإيجابي مع العصر, أوجد هذا الإستنتاج , الذي تقدم دولة قطر شواهد وأدلة حية ومؤثرة على رجاحته وصدقه ونجاحه وفعاليته للتقدم والنماء.
وهي تعني أن خنق العرب في أوطان , إنما يساهم في زيادة إحتدام التفاعلات السلبية ما بين أبناء المدينة الواحدة والبلد الواحد.
وبناءً على ما تقدم , لا بد لكل دولة عربية ذات قلاقل وإضطرابات أن تتمثل تجربة قطر وتتفاعل معها وتستفيد منها , لأنها تجربة عربية ناجحة بتميز وتستحق الإهتمام والتقدير , والإستنارة الحضارية اللازمة لتحققنا وتماسكنا وتواصلنا مع متطلبات العصر.
تلك حقيقة إطلاق الطاقات العربية وتوظيفها لمصلحة المسيرة الإنسانية.
وهذا ما تؤكده وتمليه التجارب التأريخية عبر العصور , فلم يصبح العرب أمة إلا بعدما تمازجوا مع غيرهم وصنعوا سبيكة وجودهم الإنساني القدير.
تحية لدولة قطر ولرؤية قادتها ورجالها المعبرين عن إرادة صناعة القوة والحياة.
تلك ملاحظة صادقة نقية وحسب.
فهل سنعرف قدراتنا ومهارات توظيفها لصالح تقدمنا وإسثمار أفكارنا الحضارية الصالحة الأصيلة المشرقة؟!!