17 نوفمبر، 2024 7:44 م
Search
Close this search box.

دولة بلا قيادة

تتمثل الوظيفة الاساسية لمجلس النواب في الرقابة على الاداء الحكومي وتشريع القوانين اللازمة للتنمية وتوفير متطلبات الحياة الكريمة للمواطنين بحكم المنصب الذي يمنح النائب قوة التاثير والضغط ، مع تعرض النائب للمسائلة القانونية عند الاخلال بواجب التكليف باعتبار هذه الوظيفة تكليفا لا تشريفا ، لان النائب منتخب من قبل المواطنين خلال عملية الانتخاب(الديمقراطية) التي جوهرها هي عقد بين هؤلاء الناخبون والنائب وفقا للدستور يقتضى بموجب هذا العقد قبول النائب التكليف بتمثيلهم في مجلس النواب مقابل تقاضي راتبا من المال العام لخدماته المتمثلة في توجيه الجهد باتجاه الحلول لمشاكلهم من خلال سلوك اخلاقي متمثلا بالقيم والرؤيا والخبرات .
  لنفرض ان 325 نائب انتخبهم المواطنون الذين يمثلون 35.000.000 نسمة ووفقا للدستور يجب ان يؤدي هؤلاء النواب وظيفتهم بما يحقق الهدف من تقلدهم لهذه الوظيفة ابتداءا من الالتزام بالدوام الرسمي في موقع عملهم (مجلس النواب) الى اداء وظيفتهم التي تتمثل بوضع المنهجية والادلة التي تسترشد بها مؤسسات الدولة في ادارة شؤونها وحل مشكلاتها وتحديد الادوات والامكانيات المادية والبشرية والمعلوماتية اللازمة لاغراض التنفيذ والرقابة والتقييم تحقيقا للمصلحة العامة . لكن حين يحول النواب هذا التكليف تشريفا لهم وتفضيل مصالحهم الخاصة والعمل على رفع امتيازاتهم والتصارع مع بعظهم على المكاسب لهم وللاحزاب الذين ينتمون لها والعمل بدون خطة الذي يمثل ضربا من العبث وضياع الوقت سدى حيث تعم الفوضى والارتجالية ويصبح الهدف الذي انتخبوا من اجله بعيد المنال .
  وفقا للدستور يصبح عمل هؤلاء يفتقد الى المشروعية لانه مخالف لقواعده نظرا لفقدانه صفة تحقيق المصلحة العامة .ابتداءا من عمل هؤلاء النواب بدون استراتيجية والتي يؤدي غيابها الى عدم معرفة اين يسيرون والى اين يتجهون ، واصبحوا حالة منفصلة عن مواقع العمل الحقيقية المتمثلة في ميادينه ليقودون خيالا يتصورونه في عقولهم فقط لا علاقة لهم من قريب او بعيد بالحقائق واصبحوا باعة كلام مترددون فاشلون لا يستطيعون توضيح المستقبل الخاص بناخبيهم وتوضح منطقهم الزائف من خلال تكوين جماعات ضغط بينهم تتحول الى جماعات لغط وبلبلة وضحك على الناس ، رغم عيوب هؤلاء النواب وخطاياهم ، واصبحوا محامون سيؤون لقضية عادلة ، واصبح مجلس النواب ( حمام زجاجي الكل يرى عورة الكل ) . فبدلا من ان يكون هؤلاء ( بمثابة دودة القز التي تعمل بهدوء وبلا ملل في تحويل الاوراق الخضراء الرخيصة الثمن الى خيوط حريرية غالية الثمن، لعبوا دور دودة القطن التي تشوه اوراقه وتلتهم اعز ما فيه لتنتظر العام القادم او المحصول القادم لتعيد الكرة) .
  ان بقاء امثال هؤلاء النواب يخلق ويولد نماذج اخرى سيئة ومشوشة تواجه المشاكل بدون تركيز، ولكن بدون جدوى. لان غياب التركيز يعني التشتت الذي يولد حالة الاضطراب التي تعني الفشل وتفاقم المشاكل والانغماس فيها ، واصبحوا كمن يزيد الجرعة للمريض فيقتله . وضاعت حقوق الناخبين واستغلت موارد الوطن باسراف وهدر وفوضى وعلى اثر هذا التفكير الاعتباطي الغير كفوء وغير فعال تمزقت الجبهة الداخلية واستنفذت طاقاتها في الخصومات والصراعات وتزعزع شعور الناس في حياة افضل اثر تعقد وتشابك الاحداث والمواقف .
  اذن ما المطلوب لمواجهة هذا التخبط المسبب للفشل الذي يعرض سلامة الوطن وحياة المواطنين الى خطر دائم ومستمر؟
  فلكي نتمكن من السيطرة على الفشل لابد ان نصل الى اعراضه ومسبباته قبل النظر الى كيفية علاجه والشفاء منه …. ان سبب الفشل الاساسي  في عمل مجلس النواب والحكومة هو غياب القيادة الناجحة التي تستخدم ذهنها باسلوب التفكير الخلاق ،هذا التفكير الذي يؤمن خطواتها الصحيحة التي يستخدمها للوصول الى الهدف . وغياب هذه القيادة ادى الى ارتجالية صدور قرارات غير صحيحة وغير مدروسة لان فقدان هذه القيادة التي هي محصلة تفاعل بين الشخص والموقف يستدعي الابتكار والابداع وبين مهارات الانسانية قادرة على التفاعل ، ادى الى ضياع القرار الصائب الذي هو جوهر العمل من خلال التفكير المشوش الذي يفتقر الى ارضية رصينة والى الاسس الصحيحة والعمليات المتسلسلة الهادئة ….ففقدان القيادة الرشيدة سيؤدي الى سوء الادارة سواء في مجلس النواب او الحكومة والتي ستطبق علينا اثارها المدمرة من كل ناحية وقد يصل هذا الدمار الى درجة يصعب فيها معالجة الامور ، وفيها ضياع للوطن وتعظيم محنة مواطنيه .
  لكن عسى ان نستقي من ارادة الحياة فينا عزيمة نواجه فيها الاخطار المحدقة بعد ان اتضحت لنا كل الحسابات الدقيقة ومعرفة حقيقة القائمين على الامور ونواياهم التي ابعد ما تكون عن طريق الخير لنا . فمن هذه العزيمة نستمد قوة الجهر بادانة كل من يسئ السلوك من هؤلاء بما يضر بمصلحة الوطن ومواطنيه .
  واخيرا هذه حكاية فيها عبرة لكل من لا يزال لديه عقل ( يحكى ان نمرا في سيرك هندي احيل على التقاعد بعد ان تقدم به العمر ، دفن رأسه بين قائمتيه وانزوى بعيدا عن الاعين لكن الحيوانات الاخرى لم تتركه وشأنه فراح كل من في السيرك من قطط وثعالب وسحالي وببغاوات وسعادين تتحرش به ذهابا وايابا وهو صامت لا يرد تعففاوسأما ، لكن يوم من الايام عندما زادوا من تحرشهم لم يطق صبرا على ذلك فأنتظرهم حتى مروا قافلة واحدة ورفع يده وهوى بها عليهم ،فقضى على الجميع بضربة واحدة).

أحدث المقالات