فعاليات متنوّعة، مموّلة بملايين مجهولة، ولا حدود لها، تستهدف الدولة العراقيّة والإنسان والنبات والحيوان والحضارة والبنيان، وتدعم كلّ ما يقود لهزال البلاد ومحوها!
العراق، ومنذ شهر تقريباً، تتناوب في سمائه طائرات مسيّرة مجهولة الهويّة، نفّذت ضربات دقيقة لأهداف محدّدة في شمال البلاد وشرقها وغربها، والأهداف مقار الحشد الشعبيّ المدعوم من إيران.
الهجمات شملت مقرّ مليشيا حزب الله في قاعدة بلد الجوّيّة في محافظة صلاح الدين، وقبلها معسكر الصقر في منطقة أبو دشير جنوب بغداد، ومعسكر الشهداء في منطقة “آمرلي” بمحافظة صلاح الدين شمال العراق.
وجميعها أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من العراقيّين والإيرانيّين، لم تحدّد الجهات ذات العلاقة أعدادهم.
الأنباء الأوّليّة تشير إلى أنّ الضربات استهدفت صواريخ إيرانيّة نقلت إلى بعض معسكرات الحشد في العراق، والطائرات المنفّذة، بحسب تلميحات رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، وبعض زعماء الحشد، هي طائرات إسرائيليّة، وبعضهم يقول إنّها أمريكيّة.
والمرجّح أنّها إسرائيليّة نفّذت ضرباتها بتنسيق مع واشنطن، وذلك لأنّ نتنياهو ألمح الثلاثاء الماضي أنّ” بلاده تعمل وتتصرّف ضدّ إيران، أين كان ذلك ضرورياً”، وهذه إشارة واضحة لاحتماليّة أن تكون إسرائيل وراء الهجمات!
مواقع الحشد الشعبيّ المستهدفة صارت أثراً بعد عين، ورغم قساوة الضربات ونشرها للرعب بين صفوف المواطنين، وقتلها للعشرات من العسكريّين، إلا أن حكومة بغداد لم تعلق على الحوادث إلا بعد الهجوم الرابع، وهذا الموقف يثير الكثير من علامات الاستغراب والتعجب لعدم قيام الحكومة بواجباتها الدستوريّة من قضيّة اختراق الأجواء العراقيّة، وبالنتيجة نحن أمام موقف رسميّ غير واضح!
الهجمات المجهولة المتوالية دفعت نائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس للردّ ببيان شديد اللهجة، متهماً واشنطن بإدخال أربع طائرات إسرائيليّة مسيّرة إلى البلاد لاستهداف مستودعات الأسلحة التابعة للحشد الشعبيّ، ومحذراً من هجمات قد تطال قادة الحشد.
المفاجئة السياسيّة والميدانيّة تمثّلت ببيان متناقض، صدر بعد ساعات من بيان المهندس، وحمل البيان توقيع فالح الفياض رئيس هيئة الحشد، وأكّد فيه أنّ تصريحات المهندس لا تمثّل الحشد وإنّما تمثّل رأيه الشخصيّ!
هذا الخطاب المتنافر بين زعماء الحشد يمثّل أوّل خطاب عراقيّ داخليّ رسميّ ضدّ المهندس ممّا يشير إلى “اتفاق” رسميّ مع الجهة المنفّذة وكذلك إمكانيّة توجيه ضربات أكثر قدرة ودقة في الأيّام المقبلة!
الهجمات المجهولة تزامنت مع ضجّة اجتماعيّة بعد إعلان الحكومة المحلّيّة في الحلة جنوبيّ بغداد عن دفن (31) جثّة “مجهولة الهويّة”، وهي الوجبة الثالثة من الجثث التي دفنت خلال الشهر الماضي، وهم قرابة 250 ” جثّة مجهولة”!
وبعيداً عن تدقيق هويات المغدورين، وهي في الغالب تعود لعراقيّين، فإنّنا سنحاول التركيز على جثّة واحدة فقط من بين ألـ(31) جثّة!
الجثّة تعود لضابط برتبة ملازم، وسبب تركيزنا عليها أنّها بداهة يفترض التعرّف عليها لأنّها لضابط من الجيش العراقيّ، ولديه وحدة عسكريّة يفترض أنّها تعلم فترة تغيبه عن الالتحاق لوحدته وغيرها من المعلومات التي ربّما تساعد في التعرّف عليه!
ثمّ كيف تعرفوا عليه أنّه ضابط برتبة ملازم وفي ذات الوقت يقولون إنّها جثّة مجهولة، ثمّ أين وزارة دفاع التي يفترض نقل معلومات جثّة الضابط إليها، ومع التطوّر التقنيّ يمكن نقل صورة الضابط المغدور، في ذات اليوم لكلّ الوحدات العسكريّة في البلاد، وبالمحصّلة يمكن التعرّف عليها؟
هذا التجاهل، أو التغافل يجعلنا نشكّك بوجود غايات أخرى وراء هذا الموضوع الاجتماعيّ والإنسانيّ الدقيق، والساحق للإنسان والتعايش المجتمعيّ!
وهكذا يعيش العراق في حالة الصراع مع المجاهيل!
طائرات مجهولة تقصّف وتَقتل، وجثث مجهولة تُقتل وتُدفن، وسياسات مجهولة، وأجندات مجهولة!
العراق سائر نحو مستقبل مجهول، وتوقّعي، القديم الجديد، أنّ حرباً مليشياوية شيعيّة – شيعيّة قادمة في العراق لا محالة، وحينها سيحترق الأخضر واليابس، وستدخل البلاد في نفق مجهول جديد، وسيدور العراق في أفلاك مجهولة تُفقد الناس الطمأنينة والأمل بالغد، والحياة والوطن!