18 ديسمبر، 2024 9:05 م

دولة الكاظمي العاجزة في مهب الريح

دولة الكاظمي العاجزة في مهب الريح

لا يمر يوم الا وتترسخ فيه حالة العجز الحكومي المتمثلة برئيس الحكومة السيد مصطفى الكاظمي واركان وزارته والذين يتوحدون في سلوكٍ واحد وهو التخبط وسوء الادارة والفشل في معالجة اية مشكلة من مشاكل العراق الانية والمستقبلية. ورغم ان التسويق الاعلامي للسيد الكاظمي بانه الرجل ذو اليد البيضاء القادم من بعيد كمنقذ للعراق بعد الانهيارات التي عرفتها حكومة عادل عبد المهدي نتيجة تغول الفساد والعجز الحكومي وانفلات مليشيات الحشد الشعبي التي تحولت الى مافيات قتل وتصفية وسرقات في مواجهة غضب الشارع الشيعي بالخصوص، الا ان الامال التي عقدها الشعب العراقي على السيد الكاظمي وحكومته تبددت شيئاً فشيئاً نتيجة التخبط وسوء الادارة واستمرار مافيات الفساد وازدياد توحش واجرام المليشيات وانفلاتها بشكل اكبر من السابق. ولعل وباء كورونا شكل فرصة للطبقة السياسية والمليشياوية لالتقاط الانفاس واعادة حساباتها لانها اوصلت البلاد الى حافة الهاوية، وهي ايضاً كانت فرصة للحكومة للعمل بنوع من الاستقرار للسيطرة على بعض الملفات المهمة والبدء بإجراءات تصحيحية تعطي املاً للمواطن العراقي في مستقبله ومستقبل ابناءه… ولكن للاسف الشديد لا الاحزاب والمليشيات اعادة حساباتها ولا الحكومة تمكنت من وضع رؤية لمباشرة خطوات اصلاحية فعلية، وبدل ان نرى تحسن نوعي ولو طفيف في الاداء الحكومي اقحم العراق في مشكلة نوعية جديدة وهو العجز عن دفع رواتب الموظفين واللجوء الى الاقتراض الداخلي والخارجي لدفع الرواتب وهو الحل السهل المؤدي لا محالة الى كارثة الافلاس للدولة العراقية وانهيار عملتها وحدوث ثورة اجتماعية دموية تحرق ما تبقى من مستقبل العراق وأجياله وتودي بالبلد الى صراعات دموية قد تكون اقرب الى السيناريو الليبي..

ولعل المستغرب هو التحجج الدائم بانخفاض اسعار النفط في حين ان العراق عاش تجربة امر خلال فترة حكومة العبادي حيث استلم ميزانية خاويه من حكومة المالكي وانهيار اكبر في اسعار النفط مع سقوط حوالي 40% من اراضي البلاد تحت سيطرة احتلال (تنظيم داعش) الارهابي، وقاد العبادي البلاد في هذه المرحلة الحرجة وتمكن من اعادة بناء الجيش والقوات المسلحة ووفر الامكانيات المادية للمعركة لاعادة تحرير اراضي العراق واضطر الى تحمل نفقات مليشيات الحشد الشعبي من تسليح ورواتب ورغم كل هذا لم تكن لديه مشكلة في موضوعة الرواتب…

اذن تبادر الى الذهن السؤال الاساسي اذا كان العبادي الذي مر بكل الظروف والمعطيات الاصعب والأقسى قاد البلاد وخرج بها من النفق المظلم فلماذا يعجز الكاظمي وحكومته عن ادارة البلاد رغم انهم يعيشون في ظروف لا يمكن مقارنتها بأية حال بالظروف التي عاصرت العبادي وحكومته؟؟؟؟؟؟

حقيقة سؤال اجده في ذهن كل عراقي بل وربما حتى في اذهان الدول الكبرى الداعمة للعراق، فموارد النفط يومية واستقر وضعها نسبياً وللدولة العراقية موارد مهولة (برغم السرقات والفساد) فمن موارد المنافذ الى ضرائب شركات الهاتف النقال (والتي حول تحملها على المواطن بزيادة كلفة بطائق شحن الهواتف) الى ايرادات الضرائب ورسوم وزارة الداخلية بكافة مفاصلها الى رسوم بقية وزارات الدولة ورسوم البلديات وخصوصاً امانة بغداد وواردات السفارات والقنصليات العراقية في الخارج الى جباية الكهرباء وممكن اعطاء المزيد من الأمثلة واخذا بالاعتبار الزيادة غير المعقولة في الرسوم فعلى سبيل المثال كان استصدار وكالة من كاتب العدل يكلف 3 الاف دينار في حين جرى رفعها تدريجيا وصولا الى مبلغ يقارب 30 الف دينار، وهذا المبالغة في الرسوم طبقت في كافة رسوم الدولة العراقية، وبلا ادنى شك فان الرسوم والضرائب التي يدفعها المواطن العراقي بالمجمل هي اعلى من نظيراتها في الدول المتقدمة قياساً على الدخل الفردي واحيانا دون القياس على الدخل الفردي هي اعلى… اذن اين المشكلة؟؟؟؟؟ اين تذهب كل هذه الاموال؟؟؟؟؟ وفي نفس الوقت مازالت المشاريع الوهمية والورقية للحكومة ومحافظيها كما هي على الورق كل حكومة تسلم التي تليها نفس المشاريع الكارتونية التي لا اساس لها على ارض الواقع في مقاربة مضحكة لتراجيديا مأساوية يعيشها المواطن العراقي من يوم لآخر….

واذا ما راجعنا بعجالة اهم محطات او انجازات الكاظمي وحكومته سنجد انه فشل في مواجهة المليشيات واتخذ قرارات تراجع عنها بشكل فوري، وعجز عن تنفيذ وعده بمكافحة الفساد وشكل لجنة شكلية اتخذت قرارات ضد بعض صغار الفاسدين ولم تخرج نتائج عملية لها سوى اعتقالات بسيطة بدون اية نتائج لما بعد عملية الاعتقال وهل مازال المعتقلون قيد الاعتقال ام تم الافراج عنهم؟؟؟؟ وهل تم استرداد ولو دولار واحد ام لم يتم؟؟؟؟

فشل في معالجة قضية انفلات المليشيات الحشدية ووصل الامر بتهديد حياة رئيس الوزراء شخصياً ثم تنفيذ اجندة ايرانية صرفة لضرب السفارة الامريكية وقوات التحالف ادولي المناهض لـ(تنظيم داعش) بغية الحط من فرص الرئيس الامريكي ترامب في اعادة تجديد ولايته هذه المقامرة التي ستكون عواقبها وخيمة على العراق وقيادات المليشيات والتي ستواجه بردة فعل امريكية شرسة ان استمرت في استفزازاتها او احدثت خسائر فعلية في المصالح الامريكية في العراق.

وعلى مستوى الخدمات لم يكن الوضع افضل بالنسبة لحكومة الكاظمي من الحكومات السابقة، فملف الكهرباء الذي حاول العبادي انهاؤه بشكل جذري بتعاقده مع شركة سيمنز الالمانية وشركة جنرال الكتريك الامريكية والذي تم تجميدها لاحقاً من قبل حكومة عادل عبد المهدي حتى لا تنقطع الواردات الايرانية من الدولارات العراقية لشراء الكهرباء والغاز، واستمر بنفس حالة التخبط مع مساعي اعلامية وشكلية بضغوط امريكية لتوقيع اتفاق الربط الكهربائي الخليجي ثم الربط الكهربائي مع الاردن، والتي حتى لو نفذت لن تنهي مسألة استنزاف موارد العراق من استيراد الطاقة الكهربائية، فالطاقة الكهربائية وحتى بالنسبة للدول الضعيفة اقتصادياً كالاردن هي مصدر للدخل القوي للدولة وليس مصدراً للانفاق المدعم حكومياً في حين ان الطاقة الكهربائية في العراق هي مصدر للانفاق واستنزاف موارد الدولة والمواطن معاً في العراق… اذن كل ما كان يتطلبه الامر من الكاظمي هو تفعيل عقدي شركة سيمنز وجنرال الكتريك لاعادة بناء محطات الكهرباء في العراق وتوفير فائض بالطاقة خلال 2-3 سنوات، وهذا لم يحدث….

وفي اتون ازمة الرواتب الناتجة عن اسباب مجهولة لغاية الان نجد المصارف الحكومية العراقية مستمرة في اعطاء القروض للموظفين في حين ان الشباب الثائر هو بأمس الحاجة لبناء مستقبله بمشاريع صغيرة، ونجد كذلك قرارات دعائية غير مفسرة لمجلس الوزراء كالقرارات التي نتجت عن اجتماع مجلس الوزراء في الناصرية فهذه القرارات لا تتخذها الا حكومة لديها وفرة مالية وليس حكومة لديها عجز مزمن عاجزة عن دفع رواتب موظفيها.

بالتأكيد يمكن لنا طرح العديد العديد من الملفات التي توضح العجز والتخبط الحكومي وسوء الادارة والفساد المستمر فيها، ولكن بالمجمل فان الصورة السوداء لن يتمكن الكاظمي من اعادة الضوء اليها الا بقرارات جذرية ولكن هذه القرارات لا يمكن ان تنتج اذا لم يقم اولاً بإعفاء كافة مستشاري رئيس مجلس الوزراء (والتخلص من امتيازاتهم ورواتبهم الغير مبررة) والاستعاضة عنهم بأربعة فقط يكونون عون فعلي له في مهمته، كما يتطلب الامر عزل بعض الوزراء الفاسدين او العاجزين واستبدالهم بآخرين من ذوي الكفاءات، والمباشرة برفع عصا القانون وقوة الدولة تجاه الكل، وليس التراجع المخيب امام المليشيات او بعض العشائر والتي اوشكت ان لم نقل انها انهت بالفعل هيبة الدولة، هذه الهيبة التي لا نراها الا بشكل دموي في وجه المواطن العراقي المتظاهر او الرافض لاستمرار هذا الوضع المزري….

ان قابل الايام سيكون صعباً جداً فبوادرها لا تبشر بالخير ولا ارى اية بارقة امل في ان قدرة الكاظمي على مواجهة اية تحدي او حتى في ادارة الدولة العراقية، وان استمرار هذا الوضع سيقرب من افلاس الدولة والثورة الاجتماعية وهو سيناريو سيكون بلا شك دموي لأنه سيواجه من قبل المليشيات وأحزاب السلطة المسيطرة على مفاصل الدولة، ولكن الحديد والنار لا يمكن ان ينهي ثورة الجياع فللعراق مسارين اما انهاء المنظومة الحالية للحكم بشكل دموي وبناء منظومة جديدة وهذا خيار اشبه بالمستحيل ما لم يكن مدعوماً امريكياً، او الوقوع في فخ السيناريو الليبي وانهيار البلد وسيطرة مليشيات وعشائر على مدن ومحافظات…. ونأمل ان هذه الرؤية السوداوية تعطي للكاظمي فرصة لاعادة تقييم عمله والمباشرة بخطوات فعلية وليست قرارات كارتونية لتحسين ادارة موارد الدولة ومباشرة اجراءات فعلية في مكافحة الفساد والمباشرة باعادة بناء قطاع الكهرباء وأمور تجعله يحصل على الدعم الشعبي لاستكمال مسيرته ولو في حكومة لاحقة والتي البلد ليس من حافة الهاوية بل من الهاوية التي سقط فيها العراق في ظل حكومة الكاظمي.