هكذا تبدو الأمور، فلم يعد من ملاذ وملجأ من ملاحقات دول عربية كبرى وقوية للإخوان المسلمين سوى تركيا وقطر اللتان تتبعان سياسة ممنهجة لمناكدة الدول العربية الرافضة للإخوان، والتي تحاول بقوة إنهاء تجربتهم العتيقة في المنظومة العربية السنية، فقطر تعمل بجدية عالية، ولايبدو إنها مترددة لإحتواء عدد كبير من المواطنين العرب والمسلمين المنتمين لتنظيم الإخوان الدولي، وهي تستهدف من خلال ذلك صناعة التغيير في المنطقة التي تشهد توترات متصاعدة، ومنقسمة على مايبدو بين معسكرين أساسيين تتقدمهما من جهة الدوحة وأنقرة، وفي الجهة المقابلة الرياض والقاهرة، وقد تعمق الخلاف بعد إندلاع ثورات الربيع العربي، وصعود نجم الإخوان، ثم تهاويه بسرعة في مصر، والأزمة الخليجية بين الدوحة من جهة، والعواصم الخليجية الرياض وأبو ظبي والمنامة من جهة أخرى مع مارافق ذلك من تزاحم نتيجة الحرب في اليمن والمشاكل مع إيران، وتطورات الأحداث في العراق وسوريا وليبيا، والوجود الأمريكي الصادم في المنطقة العربية والشرق الأوسط.
تكاد الدوحة أن تكون في غضون أعوام قليلة عاصمة لدولة مختلفة غير تلك التي إعتدناها، أي ليست قطر التي كانت جزءا من مجلس التعاون الخليجي، والتي تتبنى مواقف معينة، والمرجح أن عددا وافرا من أعضاء التنظيم سيفدون الى قطر يعملون في مختلف التخصصات الطبية والهندسية والرياضية والأدبية والبحثية، وسيشكلون عماد الدولة الجديدة التي تطبعها ثقافة التنظيم الدولي المتماه مع نظام الحكم في الدوحة، ومع الجمعيات والعلماء الذين توطنوا هناك، وتربطهم علاقات وثيقة مع أعضاء التنظيم في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، والذين يدعمون التنظيم ماليا وإعلاميا.
الدولة القادمة ستكون دولة عقيدية قوامها الوافدون العرب والمسلمون من خلفيات إخوانية، والذين قد يشكلون جبهة قوية متماسكة في وجه الطموحات السعودية حيث يجمعهم الخوف من الملاحقة والقبض، ويمكن أن يكونوا قوة ممانعة تجعل الدولة دولة إخوانستان بدلا من دولة عمالة أجنبية وكفاءات علمية وحسب، حيث تجتمع تلك الكفاءات في ظل عقيدة دينية تجعل قطر واضحة المعالم، لها صورة واحدة على العكس تماما من بقية الدول التي تتنوع فيها الوجودات الدينية والسياسية، وتعاني المشاكل والتحديات الصعبة.
لانعلم تحديدا كيف ستتطور الأمور، والى أين تتجه المآلات في المنطقة، ولكننا ندرك تماما أن هناك المزيد من الإثارة والمشاكل والعقد التي يصعب حلها.