عندما تُدرك أنك تمضي بأتجاهين متناقضين وتستمر في ذلك، رغم الفروقات الشاسعة بين
الطريقين، فواحدةٌ مِن أثنتين؛ أمّا أنك مجنون بالفطرة أو إنَ هناكَ مَن صدقكَ فدعاك للجنون..!
الجُنون يَدور حولك في كِلا الحالتين؛ أو أنت تدور حوله، لا فرق؛ فالنهاية واحدة، وكُل أستكبارك وغطرستك ستجدها تُداس بأحذية الواقع.
علاقة تُركيا بأسرائيل باتت خارج الشُبهات، لأنها وصلت حد اليقين، والشكوك التي يُحاول العثمانيون الجُدد بثها، ما هي إلا محاولات يائسة لكسب مزيد من الوقت، والخط التصاعدي للتطبيع دلالة على ذلك..
“مَن صَدّق إن تركيا تخلت عن فلسطين والمقاومة؛ لا يفقه من السياسة شيء”! هذه العبارة المزخرفة لأردوغان عقب لقاءه خالد مشعل.
لو لم يكن من داعي للكذب في قضية دعم فلسطين؛ لَما تطرق اردوغان للموضوع بهذا الشكل المربك، فالمفروض أن تُصر تركيا على “أسطول الحرية” الذي تدعم به غزة، ويذكرنا به الرئيس صباحاً ومساءا، خشية أن نكون نسينا توتر العلاقات مع أسرائيل..!
بدأت العلاقات التركية- الأسرائيلية عام ١٩٤٩، ومنذ ذاك الحين؛ التطبيع مع الكيان الغاصب لمقدسات المسلمين في حالة تصاعدية، تمثلَ بالتجارة المفتوحة وخصوصاً السلاح، وتبادل السفراء وتفعيل العلاقات الدبلوماسية، وحتى حادثة “أسطول الحرية” الذي دمرته أسرائيل، لم يؤثر على العلاقات التأريخية بينهما!
هنا يُرسل الطيب رجب مساعدات للفلسطينيين، وهنا وهناك يستورد أسلحة أسرائيل مقابل أموال المسلمين، لتصنع تل أبيب السلاح مرةً أخرى، فتقتل به الفلسطينيين، ويعود رجب الطيب فيرسل مساعدات!
هذه المفارقات ليست عجيبة، إذا ما عرفنا إنهما يتشاركان في مناورتين عسكريتين، ألاولى بحرية بأسم “عروس البحر”، والأخرى جوية تحمل أسم “أورتشارد”، إضافة إلى تدريب الطيارين الأتراك تحت إشراف تل أبيب، وتبادل الطيارين بين البلدين ثماني مرات في العام الواحد!
تُركيا التي تدعي مساعدة فلسطين، وقعت في يناير عام الفين؛ أتفاقية التجارة الحرة مع الصهاينة، ليصل حجم التبادل التجاري إلى ٥,٥ مليار دولار عام ٢٠١٤، محققاً زيادة مقدارها مليار ونصف المليار دولار عن عام ٢٠١٢، وهي بذلك تنعش الاقتصاد الإسرائيلي المحاصر في المنطقة.
عاد اردوغان من جديد قبل أيامٍ قلة؛ يؤكد على ضرورة إدامة العلاقات مع أسرائيل، وهو الذي بررها بقوله؛ “من مصلحة المسلمين ان تكون هناك علاقات ودية بين تركيا وأسرائيل”! لكن خلف الكواليس؛ نجد إن أردوغان بتصريحه يغازل الغاز الأسرائيلي والسياسة الغربية، بعد ان تأزمت علاقة تركيا بروسيا، وفشله بالأنضمام الى الاتحاد الأوربي، الذي سيبقى حلما لا يتحقق.
أخطأت حسابات الخليفة مرةً أخرى، فعلاقته بأهم الدول المجاورة لتركيا (ايران)، ستزداد توتراً، كذلك التوتر سيمتد إلى (حماس) الحركة الأبرز في المقاومة الفلسطينية، وهو إذ يضيع شركاء وأصدقاء عقلانيين، راهن بعلاقة مع من صفته الغدر؛ وهو خيرُ من يسأل عن طعنات أسرائيل (حادثة مرمرة أنموذجاً)، غير مبالٍ بحرمة التبادل التجاري مع كيان يغتصب أرضاً مسلمة؛ وهو يتبجح بالخلافة!
ربما؛ سنشهد هأقامة دولة عثمانية، رأسها في تركيا وعاصمتها تل أبيب، وجنودها داعش الذي لن يستطيع الإفلات هذه المرة؛ من علاقته بأسرائيل بواسطة الحاضنة تركيا، لكن؛ هذه الدولة لا تعدو كونها دولة ماضية للموت، وهو ما يبشر به الوضع الراهن.