لم يجد سكان قريتنا صعوبة في رؤية هلال العيد منذ الليلة الأولى حيث لا توجد موانع تحجبه عن الرؤية ونراه بوضوح يمد رأسهُ من العش الذي يطل منه مشتاقاً لدشاديش العيد والفرح الطفولي والاراجيح ، غير أن عيد أطفال المعدان لا يتعدى هذا المطارد في الساحة الصغيرة من اليابسة أمام بيوت القريبة والبعض يركب مع اهله مشحوفاً ويذهبون الى عمق الهور ، فقط ليشعروا أنهم قضوا ساعات فرحة في هذا العيد ، وأظن أن فكرتي بنصب ارجوحة في أحد الاعياد منحت الاطفال فرحاً لم يألفوه في حياتهم ومع هذه الأرجوحة الذي صنعناه من حبل وجذعي نخلتين متيبستين زمن بعيد ، وباتوا يتمنون ان تكون كل الايام اعياداً ، ولكي نجعلها كذلك حولنا درس الرياضة الى نصف ساعة يلعب فيها الاطفال بالأراجيح بعد ان يكملوا لعبتهم المفضلة كرة الطائرة ، وهي الرياضة الوحيدة التي تمارس هنا.
لا مشكلة في قريتنا في رؤية هلال العيد ، فيما المدن تعاني من قاق الرؤية المشوشة للهلال ودائما يتأخر العيد يوما واحد لعدم القناعة بأن رؤيته لم تتم بالعين المجردة ، وبالرغم من اننا نراه من أول بزوغ له لكن لصعوبة المواصلات وبعد الطريق فلا احد يذهب ليشهد امام وكيل المرجع ويقول أنه رأى الهلال ولهذا فقريتنا تفتخر أنها ومنذ مئات السنين تدخل العيد من حسابه الفلكي المضبوط…
عندما أتت الحرب والتهبت معاركها ، صار العيد مختلطا بحزن أن بين كل عيد وعيد هناك نذرا دفعته القرية هو استشهاد واحد من ابناءها ، لهذا خفت حماسة الصغار لركوب الاراجيح وصارت التهاني تتداول بهمس حزن لأن ابن فلان جيء بنعشه ضحية حرب قبل حلول رمضان بأسبوعين.
وهكذا مرت اعياد الحرب بفتور ، إلا العام الذي لم يظهر فيه الهلال واضحا للعيان بالرغم من أن السماء كانت صافية ، ربما بسبب الحرب وضحاياها ادار الهلال وجهه للمكان واعتكف واعتبر الناس هنا أن هذا جزء من حزن وغضب السماء على الارض لأن اهلها يتقاتلون خاصة وان اهل القرية عرفوا أن وحدة برمائية عسكرية تجحفلت على بعد 4أربعة اميال في البر القريب من قريتنا ، وكل الذي عرفوه انها سرية من لواء شكل حديثا يسمونه لواء الاهوار الاول ، لهذا تحاشى الناس المرور قرب هذه الوحدة العسكرية . ولهذا ربطوا بين عدم ظهور الهلال وتواجدها ولكن دون ان يضعوا تفسيرا لذلك ، ولأنهم يريدون ان يعرفوا عيدهم ذهبوا الى رجل الدين الذي يأتي من الجبايش ليعايدهم كل عام وقالوا له :مولانا لقد تأخر ظهور الهلال في قريتنا ، نريد أن نفرح ونتذكر موتانا وننذر لهم.
صفن الرجل وقال : من أي جهة كان يظهر في كل العيد.
أشاروا له جهة الظهور.
قال : ابنوا جبيشة لأصعد عليها واتفحص السماء.
بنوها بساعة ثم صعد عليها .تأمل الافق لدقائق ونزل وقال لهم :هذا العام لن يظهر هلال العيد عندكم.
قالوا وباستغراب لماذا نحن ايضا من عباد الله .؟
قال اعرف انكم من افقر وافطر واطيب عباد الله ،ولكن الهلال يخاف أن يظهر في سماء قريتكم.
صاح الجميع : ليش ؟
قال .لأن الجيش نصب دوشكة سبطانتها متجهة صوب الجهة التي يهل منها الهلال….!